بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 أيار 2022 07:58ص الهروب من الفقر

حجم الخط
مَنْ أخطر على المدى الطويل الكورونا أم الحرب الأوكرانية؟ الكورونا لا تهدأ اذ تتغير أشكالها وتأثيراتها المفاجئة. لا يرتاح العالم من الموجة الأولى كي تبدأ الثانية وهلُمَّ جرّا حتى الخامسة الآن، أي «الأوميكرون» وهي الحرف الخامس عشر من الأبجدية اليونانية التي اختارتها منظمة الصحة العالمية كاسم للموجة الأخيرة الآتية من جنوب أفريقيا. كيف يمكن للعالم أن يهرب من الفقر عندما تدق الأبواب موجات الكورونا، فتعزز مآسي الوجع والفقر وتُبقي الانسان في موقعه المعيشي المتدني؟
يقول «أنغوس ديتون» الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد أن العالم أفضل اليوم مما كان عليه في القرن الماضي أو ما قبل. يتمتع انسان اليوم بصحة أفضل وأوضاعه المعيشية أعلى ويعيش عدد سنوات أكثر. هرب الانسان من العوز والحرمان والموت المبكر ويعيش اليوم حياة أفضل ويمارس انتاجية أعلى. لكن هذا التقدم لم يحصل بشكل متوازٍ، أي لم تتحقق العدالة فاستفاد قسم من المجتمعات بل من الدول أكثر بكثير من غيره. التقدم لا يقيم فقط بالناتج المحلي، بل أيضا بالمؤشرات الصحية المختلفة وصولا الى مؤشرات السعادة التي يصعب تقييمها.
لا ننكر ان لسوء توزيع الثروة والدخل فوائد في بعض الأحيان، اذ يدفعان من هو خارج هذه المجموعة الميسورة الى العمل الجاد للانضمام اليها،وبالتالي يساهم الجميع في نهضة المجتمعات. تكمن المشكلة أحيانا في أن بعضاً ممن نعموا بالدخل والثروة يحاول منع الآخرين من اللحاق بهم وهذا في غاية السوء والشر. فالهروب من الفقر لا يعني فقط تحسين الأوضاع المادية بل يعني خاصة رفع المستويات الصحية في المجتمع والاثنان غير مترابطان دائما.
قال «أمارتيا سن» الحائز أيضا على جائزة نوبل أن ضرب الفقر أو حصول التنمية هو من الحريات. فالمادة ليست كل شيء بل هنالك أمور مثلها كالصحة التي ترفع نوعية الحياة ضمن المستوى المادي نفسه. فالانسان الذي لا يتمتع بالصحة الجيدة أو يعاني من أمراض جدية لا يمكن أن يشعر بكل تحديات الحياة اليومية.
هنالك أمور أخرى متنوعة تؤثر على نوعية الحياة منها التغير المناخي والفشل السياسي وانتشار الأوبئة والحروب. تؤثر على التطور المادي كما على مؤشرات الصحة والعمر المرتقب. لا شك أن العالم تقدم في الانتاج المادي كما في الصحة وإن بشكل غير متواز تبعا للعصور والأوقات والأمكنة. لا تشير المؤشرات الى علاقة مؤكدة بين البحبوحة المادية والصحة، لكن يمكن القول أن أصحاب الدخل المنخفض يدخنون عموما أكثر ويموتون بعمر أقصر لكنها طبعا ليست القاعدة. نرى ميسورين يدمنون على الممنوعات المكلفة ويقصرون حياتهم بيدهم. فالهروب الأهم في تاريخ الانسان هو الهروب سوية من الفقر والموت.
هنالك اليوم دول في العالم تنخفض فيها مؤشرات الصحة الى أدنى مما كانت عليه في الغرب في 1910. 25% من أطفال بعض الدول الأفريقية أو الآسيوية يموتون قبل سن الـ 15 وعمرهم المرتقب عند الولادة يقل عن 40 عاما. هذه المجتمعات لم تحقق بعد الهروب من الفقر والموت ونحن في سنة 2022. لا ننكر ان حتى في تلك الدول حصل تقدم منذ الحرب العالمية الثانية، لكنها تبقى متأخرة بسبب الفساد والاهمال والاستعمار وعدم الوقاية وسوء الادارة. أما من ناحية السعادة، فمؤشراتها صعبة التقييم اذ نتفاجأ أحيانا أن أشخاصا بصحة سيئة وفقراء يشعرون بالسعادة، وغيرهم أغنياء وبصحة جيدة يشعرون بالتعاسة. العوامل مختلفة ويمكن أن تتصل بالنفسية والتربوية وبالمستوى العلمي والثقافي.
كل هذه العوامل لها أهميتها في عالمنا الذي يعاني من كافة الأمراض المزعجة بدأ من سنة 2019. نعاني من انحدار للنمو وارتفاع للبطالة وانتشار الكوفيد 19 بأشكاله المتغيرة كما نعاني من ارتفاع أعداد الموتى بالكورونا وغيرها. المدهش منذ 2019، أن العالم أجمع بالرغم من كل التطور التكنولوجي لم يستطع مواجهة الكورونا وسقطت الاقتصادات الواحدة بعد الأخرى واليوم يأتي دور الصين. منظمة الصحة العالمية كانت ضائعة ولا تعرف ماذا تفعل بالرغم من أنها المنظمة الدولية المتخصصة التي أنفق عليها ملايين الدولارات لتقوم بالواجب. طبعا لم يكن العالم كريما مع المنظمة، لكنها حصلت على الموارد لتعمل بشكل أفضل. الرئيس ترامب اتهمها بأنها تنفذ المصالح الصينية وهدد بالخروج منها. الرئيس بايدن يحاول دعمها ضمن الامكانات. وصف صندوق النقد الدولي أزمة الكورونا بالفريدة والاستثنائية.
كيف واجه العالم وباء الكورونا؟ استعمل الأدوات التي مارسها لمواجهة أزمة 2008 المالية أي عبر ضخ المال السريع وتدخل المصارف المركزية لزيادة النقد. هذه العوامل التي ترافقت مع ضعف النمو أحدثت التضخم الذي ضرب الفقراء. أظهرت هذه الأزمات الصحية مدى ترابط دول العالم، فلا يمكن حل مشكلة الكورونا في أميركا وحدها ولا في الغرب وحده بل يجب مواجهتها بالتضامن العالمي. المواجهة تتم باللقاح والتباعد والوقاية علما أن أعدادا كبيرة من السكان ما زالت ترفض أخذ اللقاح مما يؤخر الشفاء العالمي.
الفريد في أزمة الكورونا المتجددة انها أقفلت الاقتصاد العالمي مرارا ضمن موجات الاستهجان والرفض والاعتراض وعدم اتباع الاجراءات وعدم الفهم أحيانا. كما هنالك الشعور بالخجل تجاه الحاجة الى هذه الاجراءات في أوقات ظن العالم أنه تقدم خلالها الى أقصى الحدود. نستمر اليوم في الحفاظ على اجراءات الماضي غير البعيد، أي الوقاية في الاجتماعات والاحتفالات والسفر والتجمعات منعا للعودة الى الوراء.
هنالك من يقول أن نمط الحياة الاستهلاكية سبب الكورونا كما أحدث التغير المناخي. هذا يعني أن مشاكل الصحة والبيئة هي نتيجة أعمالنا وحياتنا وطرق استهلاكنا وبالتالي الحلول الطويلة الأمد متوافرة. كما لم يواجه العالم التلوث المناخي أهمل مواجهة مظاهر الكورونا، فكبرت الأمراض وانتشرت. من الممكن أن تغير الكورونا طريقة العيش في الاستهلاك والانتاج كما حصل بعد الأنفلونزا الاسبانية التي غيرت الأنظمة الصحية في الدول التي عانت منها.
يقول الكاتب «أدام توز» أن انتشار الكورونا سببه تأخر العالم في مواجهتها حتى آذار 2020. لو بدأت المواجهة في شباط أي قبل شهر، لكانت التكلفة البشرية والمادية أقل بكثير. شهر واحد تأخير سبب خسائر إضافية كبيرة على المدى البعيد. تفهم المجتمعات لناحية تغيير طريقة الحياة بدأ من أول 2020 كان سيساهم في الحفاظ عليها لمدة طويلة. أما اليوم ومع الحرب الأوكرانية، ينسى العالم الكورونا التي لم تغب بعد، علما أن تجددها ممكن وهي ليست أقل خطورة من الحروب.