بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 شباط 2023 12:20ص انتخاب الرئيس واستمرار مفاعيل اغتيال الحريري

حجم الخط
في ذكرى الرابع عشر من شباط زارت جموع غفيرة يتقدمها الرئيس سعد الحريري، ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء الذين سقطوا معه نتيجة التفجير الضخم الذي جرى اعداده بعناية فائقة، ليتحول الى جريمة من أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر، والتي لم تستطع ان تحل ألغازها لجنة التحقيق الدولية التي انتدبت الى لبنان، ولا المحكمة الدولية الخاصة التي جرى تشكيلها بقرار من مجلس الامن الدولي لمحاكمة المتهمين بارتكابها. وانتهت المحكمة الدولية الى اتهام سليم عياش القيادي في حزب الله بتنفيذ الجريمة. وبرأت ثلاثة آخرين وردت اسماؤهم في القرار الاتهامي كأعضاء في خلية الحزب التي كلفت بتعقب واغتيال الرئيس الشهيد. واللافت في الامر، والمثير للسخط والغضب ان تلك الجريمة كانت متمادية، حيث جرت عمليات اغتيال عديدة لسياسيين وصحفيين وضباط امنيين ينتسبون لنفس الخط السياسي، ولمشروع اعادة بناء بيروت، واستعادة الدولة اللبنانية لدورها الفاعل في المنظومتين العربية والدولية.
انتهت اعمال المحكمة الدولية بفشل ذريع حيث انها لم تستطع ان تجيب على العديد من الاسئلة الهامة والملحة وابرزها: لماذا جرى اغتيال رفيق الحريري؟ ومن هي الجهة التي قررت اغتياله؟ وما هي الاهداف التي رست الى تحقيقها لبنانياً وعربياً ودولياً؟ وفي ظل غياب الاجوبة على هذه الاسئلة، وفي ظل عدم تحديد هوية من نفذوا جرائم الاغتيال اللاحقة، فإن جريمة الاغتيال تتحوّل الى اكثر جرائم العصر غموضاً، ولا نغالي اذا قارناها بجريمة اغتيال الرئيس جون كينيدي في تشرين ثاني عام 1963، والتي يقرّ القاصي والداني بأنها مؤامرة سياسية كبرى، ولكن النظام الاميركي بكل مكوناته السياسية والفضائية والامنية لا يرى فائدة من كشف اسرارها، وهنا في جريمة اغتيال الحريري ظهر بأن المحكمة الدولية قد تعرضت لضغوط، ورضخت لها، لكي تحجم في احكامها عن تسمية الجهات الفعلية التي قررت اغتيال رفيق الحريري ومشروعه السياسي والعمراني، وما سيترتب عليه من تبدلات في موازين القوى المحلية والاقليمية.
شكل رفيق الحريري بشخصه ومشروعه لاعادة بناء بيروت والنهوض بالدولة اللبنانية وبالاقتصاد الوطني قوة الربط بين مختلف المكونات السياسية والطائفية من اجل استعادة التوازن الوطني، وبالتالي استعادة مكانة لبنان كدولة مستقلة وسيدة، مع الحفاظ على المصالح السورية والعربية والدولية في لبنان. وبالفعل فقد نجح الحريري من خلال قواه الخاصة، وبدعم من علاقاته العربية والدولية وبوجود الرئيس حافظ الاسد المعروف بحكمته السياسية وبعد نظره من النجاح في تحقيق التوازنين اللازمين داخلياً وخارجياً لدعم مشروعه، سواء لجهة اعادة البناء او استعادة دور لبنان السياسي والاقتصادي، حيث تحولت بيروت الى مركز مزدهر للبنوك ورجال الاعمال، كما استقطبت ملايين السواح من العرب والاجانب.
بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد وتسلم بشار لمقاليد السلطة بدأت الحركة المعادية لمشروع الحريري بالثنائي داخلياً من خلال عداء الرئيس اميل لحود للمشروع، والذي كانت تربطه صداقة متينة مع الرئيس بشار، ومن خلال حزب الله الذي كان يرى في مشروع الحريري سواء لقيام الدولة المستقرة والقوية او من خلال مشروعها الاقتصادي المدعوم اميركياً واوروبياً وعربياً، تعارضاً كلياً مع مشروع الهيمنة الايرانية على لبنان وعلى عدد من الدولة العربية.
وكان من الطبيعي ان تتحول جلسات التنسيق والتعاون بين الحريري والقيادة السورية الى جلسات عاصفة، وتتخللها اتهامات وشكوك وتهديدات تصل الى حد الاهانة الشخصية.
تنبهت قيادات خليجية لمخاطر التبدل الحاصل في التعامل مع الحريري، وعلى رأسها الملك عبد الله بن عبد العزيز، فتدخلت لرأب الصدع الحاصل، ومنع اغتيال رفيق الحريري، ولكنها فشلت في مسعاها.
اسست عملية اغتيال الحريري وما تبعها من اغتيالات سياسية لتعميم حالة من الفوضى والفراغ في السلطة، عبر مراحل متدرجة الى زلزلة اساسات النظام واضعاف جميع مؤسسات الدولة في ظل هيمنة حزب الله السياسية والعسكرية، وذلك في اعقاب انتهاء حرب 2006، وبعد حركة 7 ايار 2008 وما حملته من مقررات مؤتمر الدوحة، حيث تحوّلت السلطة الفعلية الى حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، وخصوصاً بعد فرض انتخاب العماد ميشال عون كرئيس للجمهورية.
في ظل هيمنة السلاح الذي يملكه الحزب، ومن خلال الاحتلال لوسط العاصمة بيروت، واقفال المجلس النيابي لم تستطع اكثرية 14 اذار النيابية ان تشكل حكومات متجانسة ومستقرة قادرة على اتخاذ القرارات اللازمة لحماية الدولة، ومنع انهيار مؤسساتها، او الحفاظ على الازدهار والنمو الاقتصادي، ووفق تعميم حالة الفساد، والتي ادت الى حالة الافلاس العام.
منذ استشهاد الحريري لم يجد لبنان قائداً او سياسياً، يملك القدرات اللازمة لملء الفراغ الذي تركه، والسبب يعود الى ان حركة الحريري السياسية واستشهاده كانت جزءاً اساسياً من علاقته بالنظام السوري، وتحديداً بعائلة الاسد واقرب مساعديه امثال عبد الحليم خدام والعماد حكمت الشهابي، واللواء غازي كنعان، ولكنها بعد وفاة حافظ الاسد، انتقلت هذه العلاقة بكل ايجابياتها لتواجه كل القيود الجديدة التي فرضها فائض النفوذ الايراني على القيادة في دمشق والى وصاية حزب الله الذراع الايرانية القوية في لبنان. وكان الحزب يرى في علاقات الحريري مع الغرب ومع الدول الخليجية النقيض الواضح للمشروع الايراني ولمحور الممانعة الذي يقوده في لبنان وفي الاقليم.
اظهرت عملية تمديد ولاية الرئيس لحود في ايلول 2004 لثلاث سنوات بأن الحريري قد خسر معركته الداخلية مع حزب الله ومع اميل لحود وقد عبّر الحريري عن تعاسته لهذا التطور امام وزير الخارجية وليد المعلم حيث وصف قرار التمديد بأنه اتعس يوم في حياته.
منذ شباط 2005 تستمر الازمة اللبنانية بالتفاقم - بسبب الخيارات السياسية والعسكرية التي يفرضها حزب الله على البلد، والتي ما زالت تعطل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية بدل الرئيس عون، في وقت لا يملك فيه الحزب وحلفاؤه اكثرية نيابية، تمكنهم من انتخاب الرئيس العتيد، وهكذا يستمر لبنان في مواجهة المأزق، في وقت تبقى فيه بارقة الامل بعودة الاهتمام العربي والدولي باستقرار لبنان واستعادته لعافيته السياسية والمالية، والتي تمثلت بمؤتمر باريس الخماسي، والرسالة التي حملها سفراء هذه الدول للمسؤولين اللبنانيين.
يدرك حزب الله بامكانية التوصل الى تسوية رئاسية مع خصومه السياسيين كالتي حصلت عام 2016، وحملت العماد عون الى سدة الرئاسة، ولذلك فإن مطلبه بالتوافق على «رئيس يحمي ظهر المقاومة» لن يتحقق ويبقى من الخيارات المستحيلة، خصوصاً في ظل عودة الاهتمام الدولي من خلال اجتماع باريس، والذي يعتبر بأنه سيبقى في حالة انعقاد دائم الى حين انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة فاعلة.
في ظل المأزق الايراني المستمر داخلياً ودولياً، فإن حزب الله سيتمسك بموقفه بأخذ الرئاسة اللبنانية كرهينة يوظفها لصالح ايران. وسيكون جاهزاً في حال فشله لتأمين التوافق لصالحه على الضغط بواسطة قواه الميدانية لتعطيل علمية الانتخاب لأشهر او سنوات مقبلة.