بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 كانون الأول 2022 12:20ص انعقاد مجلس الوزراء.. هل يتحوّل إلى فوبيا؟

حجم الخط
أطلق الخلاف حول الدعوة لإنعقاد مجلس الوزراء وحدود تصريف الأعمال في حالة الشغور الرئاسي ( المادتين 62 و 64 من الدستور) الصدام المستعرّ والمزمن بين رئاسة الجمهورية وموقع رئاسة الحكومة مقدماً أحد عروضه بالأمس على طاولة مجلس الوزراء. هذا الصدام لم يولد مع الرئيس ميقاتي، بل هو المادة الرئيسة لخطاب سياسي انطلق منذ إقرار إتّفاق الطائف على يد من اعتبر أنه يجب الإبقاء على السلطة المطلقة بيد رئيس الحمهورية الذي لا يُلقي عليه الدستور أي تبِعة حال قيامه بوظيفته إستناداً للمادة 60 من الدستور التي أبقى إتّفاق الطائف عليها.
مسلسل الإعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة الذي اعتمدته سلطة الوصاية السورية وأورثته الى حلفائها، واستخدمه العماد ميشال عون بعد عودته من «نقاهته الباريسية» وبشكل أكبر بعد إتّفاق الدوحة لإذكاء خطاب ظاهره طائفي ومضمونه رفض لوثيقة الوفاق الوطني، لم يقتصر على فترات تصريف الأعمال بل اعتُمد في تحديد الإستشارات الملزمة وتوزيع الحقائب الوزارية. الهدف من ذلك المسار إظهار موقع رئاسة الحكومة الذي ينيط به الدستور السلطة الإجرائية على أنه الحلقة الأضعف في منظومة الحكم بإسقاط البند (هـ) من مقدّمة الدستور الذي يكرّس مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.
نجح مجلس الوزراء في الإنعقاد بالأمس تحت وطأة المواضيع الملحّة المدرجة على جدول الأعمال بعد تخفيض عددها، بما لا يحرج تحالف الأوراق البيضاء ولا يعزز كفة الرئيس ميقاتي حيال التيار الوطني الحر، بل بالإبقاء على حالة من التوازن السلبي التي يبدو أنها ستحل ضيفة على الحياة السياسية الى أجلّ ليس بقصير. التصاريح التي أدلى بها عدد كبير من الوزراء المشاركين في الجلسة أكدت مسألتين، الأولى الحراجة المترتبة على عدم حضور الجلسة أمام مواطنين يعانون من إنعدام الخدمات الصحية والإجتماعية، والمسألة الثانية ثقل ووطأة مواقف التيار الوطني ونزق رئيسه الوزير جبران باسيل على حلفائه، وصعوبة تقبّل الأثمان التي تُدفع لقاء هذا التحالف. وربما بدى من خلال المواقف التي أعلنها الوزراء المشاركون أنّ حلفاء الوزير جبران باسيل يتلمسون هشاشة هذا التحالف على المستوى البنيوي والشعبوي، فتحالف القيادات لا يمكنه تغيير الوعي لدى القواعد الشعبية التي تدرك حقيقة وزن التيار الوطني الحر في الإصطفافات القائمة.
من جهة أخرى وعلى المقلب الآخر للجلسة الحكومية حيث لم ينجح مقاطعو الجلسة في تسويق مسوّغات مواقفهم، بدت الدعوات من قِبل المراجع الروحية المسيحية لإعطاء الأولوية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية بدل البحث عن أسباب لانعقاد مجلس الوزراء من قبيل التهدئة وربما من قبيل تجاوز واستباق من يعمل على توتير الأجواء. لم يكن توظيف ذلك ممكناً في سياق معارضة إنعقاد الجلسة الحكومية لانتفاء أي دور للرئيس ميقاتي في الإنتخابات الرئاسية. هذا بالإضافة الى نجاح الرئيس ميقاتي في المجاهرة بإسقاط مفهوم «الوزير الملك» الذي يسكن ذاكرة البعض، وبالتأكيد «إنّ الميثاقية والعيش المشترك لا يتحققان بموت الناس» في رد واضح على التحذيرات والإتهامات التي ساقها الرئيس السابق ميشال عون في بيانه الإعلامي.
يُستدل من مفردات بيان الرئيس السابق عون أنه لم يترك الرئاسة بل هو يتأبطها وهي تلازمه حيث يذهب، وأنّ الولاية لم تنتهِ مفاعيلها وإن انتهت دستورياً. إنّ مراجعة أخرى لما صدر عن إجتماع الرئيس السابق مع وفد فرنسي من «كتلة الهوية والديمقراطية» زاره في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، وما تناوله حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة تعمل على تنفيذ خطة إقتصادية إصلاحية لوقف التدهور الحاصل على المستويين المالي والإقتصادي، بالإضافة إلى تناول مسألة السوريين في لبنان، يؤشر الى عدم تقبّل واقع الخروج من السلطة وإلى ما يمكن أن تذهب إليه الامور.
يبدو الإستمرار في دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد محكوماً بضرورات منطقية ستفرضها ظروف إستثنائية محلية أو مستجدات دولية وإقليمية متوقّعة. كما يبدو أنّ تحالف الورقة البيضاء المكرّس في جلسات إنتخاب الرئيس لن يتمكّن من مجاراة عون في موقفه من الجلسات الوزارية على غرار ما حصل بالأمس، مما سيُبقي الباب مفتوحاً على مزيد من التشنج، وقد تتحّول دعوات مجلس الوزراء للإنعقاد الى فوبيا (رُهاب) حقيقي يعيشه الرئيس السابق بالتوازي مع الفراغ الرئاسي.

مدير المنتدى الإقليمي للإستشارات والدراسات