بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 نيسان 2022 08:08ص «بلوغ القمم» والسلام المستحيل

حجم الخط
يجري التحضير في واشنطن لإطلاق كتاب جديد  خلال شهر حزيران الجاري من قبل معهد الولايات المتحدة للسلام بعنوان «بلوغ القمم» «Reaching forthe heights»، لمؤلفه السفير السابق فريدريك هوف، والذي عمل كمساعد للسيناتور السابق جورج ميتشل، والذي اختاره الرئيس باراك أوباما كممثل شخصي له لقيادة مفاوضات  السلام في الشرق الأوسط عام 2009.

بدأت القصة التي يقدمها هوف في كتابه هذا مساء 22 كانون الثاني عام 2009 عندما تلقى اتصالاً هاتفياً، بعد 55 ساعة من تنصيب الرئيس أوباما، من زعيم الأكثرية السابق في مجلس الشيوخ جورج ميتشل يعرض عليه الانضمام إليه بعد ان اختاره الرئيس أوباما كممثل شخصي له إلى مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. ويرى هوف بأن دعوة ميتشل له تنطلق من تاريخ إيجابي للعلاقات بين الرجلين، أراد ميتشل ان يساعده هوف مع آخرين من بينهم دافيد هيل ومارتن انديك على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، لكن هوف عبّر ان رغبته بترؤس فريق العمل على المسار السوري، وذلك انطلاقاً من وضعه عام 1999 كتاباً عن الحدود السورية - الإسرائيلية، وتحديد جميع معالم خط الرابع من حزيران 1967. ووضعه دراسات أيضاً لصالح «مجموعة الأزمات» ومعهد الولايات المتحدة للسلام حول عناصر عملية السلام بين سوريا وإسرائيل. ويقول هوف انه رأى منذ البداية إمكانية ان يفجّر المسار السوري علاقات سوريا بإيران وتحطيم ساعدها الأقوى في لبنان أي حزب الله، كما رأى انه لا يمكن تُصوّر السلام على هذا المحور دون اجراء إعادة توجيه استراتيجي في سوريا، وبالتالي كسر علاقاتها مع كل القوى والمجموعات التي تُهدّد الأمن الإسرائيلي.

يتضمن الكتاب 11 فصلاً، خصص الفصل الأوّل لإجراء مراجعة عامة لكل عملية السلام في الشرق الأوسط، وخصص الفصلان الخامس والسادس للقاءات ميتش مع الأسد وللمفاوضات التي قادها هوف مع الإسرائيليين والسوريين من أجل عودة إطار لاتفاقية سلام. يتطرق الفصل السابع للقاء الذي جمع الأسد مع هوف لبحث بنود وهوامش ورقة البنود التي سترتكز عليها اتفاقية السلام، بينما يتحدث الفصل الثامن عن تلقي إسرائيل بإيجابية لنتائج الاجتماع مع الأسد. ويخصص الفصلان اللاحقان للحديث عن الفرصة الضائعة ونهاية المطاف، بينما يخصص هوف الفصل الحادي عشر لإجراء تقييم شخصي لكامل العملية، مع تحليل كل الظروف التي كان من الممكن ان تساهم في إنقاذ المبادرة أو تلك التي كان من الممكن ان تطرأ أثناء تنفيذ اتفاقية السلام وتتسبب بإسقاطها.

هذه القصة التي يقدّمها هوف بدقة وواقعية وامانة عما جرى في مفاوضات السلام التي قادها ما بين سوريا وإسرائيل ما بين عامي 2009 و2011، هي محاولة لملء الفراغ القائم في تاريخ الجهود الأميركية المبذولة لصنع السلام بين عدوين لدودين، سلام ثنائي كان من الممكن ان يؤدي إلى سلام شامل بين العرب وإسرائيل، وأن يؤدي أيضاً إلى عكس النزعات السيئة التي سيطرت على المنطقة عام 2003، وادت إلى غزو واحتلال العراق. رأى هوف في معرض المفاوضات مع الأسد وخصوصاً لقاءه الشخصي فيه بأن اعترف ووافق على الثمن الذي يجب ان يدفعه ثمن السلام، وأبدى استعداده لدفعه عندما يجري تثبيت التفاصيل الحدودية  (التي لا تتعدّى بضعة أمتار في وادي نهر الأردن) في اتفاقية مكتوبة.

أعطى نتانياهو بعد يومين من لقاء هوف موافقته واعترافه بالثمن المتوجب عليه دفعه، وأعطى الضوء الأخضر للبدء بوضع مذكرة تفاهم أميركية - إسرائيلية بالتوازي مع اتفاقية السلام مع سوريا، على غرار المذكرة التي رافقت اتفاقية السلام مع مصر عام 1979. لكن في نهاية شهر آذار 2011 كان كل شيء قد تبخر نتيجة اختيار الرئيس الأسد لاستعمال أعلى درجات العنف ضد المظاهرات السلمية التي كانت قد اندلعت في درعا ودمشق ومناطق أخرى، دون ان تواجهه الولايات المتحدة بنتائج قراراته باللجوء إلى العنف ضد شعبه، ويقول هوف: هل كان بإمكاننا اقناعه بالكف عن العنف؟ لست ادري؟

في معرض مراجعتي لهذا الكتاب المهم جداً للقارئ اللبناني والعربي أود ان ادرج ما تضمنه مشروع الاتفاق الذي حمله هوف إلى الرئيس الأسد، والذي قبله كما قبله نتنياهو. يتألف المشروع من خمسة بنود وثلاثة هوامش، ووردت على الشكل الآتي:

1- يمتنع الأطراف عن استعمال التهديد أو استعمال القوة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ضد بعضهما وأن يحلّوا كل الخلافات بينهما بالوسائل السلمية.

2- تنهي الأطراف وتمنع كل النشاطات على أراضيها، والتي يقدم فيها مواطنوهم أية مساعدة لقوى نظامية أو غير نظامية أو شبه عسكرية تعمل للإضرار بالطرف الآخر أو بمواطنيه. (الهامش 1)

3- لا يمكن للأطراف الادعاء كلٌّ بحقه انطلاقاً من أية اتفاقية أو معاهدة مع أية دولة أخرى أو أي طرف غير حكومي يخطط أو يسعى لاستعمال القوة ضد الطرف الآخر، أو يتجاوب مع طلب المساعدة لتهديد أو استعمال القوة ضد الطرف الآخر تنفيذاً لهذه الاتفاقية أو المعاهدة، أو الدخول أو الاستمرار في تحالف معادٍ ضد الطرف الآخر. (الهامش 2)

4- لا يمكن لأي طرف إرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى لبنان، أو ان يسمح بمرور ذلك عبر أراضيه، باستثناء تلك الموجهة لأجهزة الأمن الرسمية اللبنانية. (الهامش 3)

5- تتشارك الأطراف في هدف تحقيق السلام الشامل وفق مبادرة السلام العربية ويعترفان بأن ذلك يفترض اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين لبنان وإسرائيل وتطبيع العلاقات مع جميع أعضاء الجامعة العربية.

اما الهوامش الثلاثة، والتي تمثل اهمية خاصة لإسرائيل فهي كالآتي:

1- في الواقع وانطلاقاً من سياسات هذه المجموعات، فإن سوريا تحتاج لإنهاء كل تجهيز عسكري أو مساعدة اقتصادية (بما في ذلك الاسلحة والمعدات المزدوجة الاستعمال والتدريب والمعلومات الاستخبارية) إلى حزب الله (في سوريا أو لبنان)، وإلى حماس وغيرها من المجموعات الفلسطينية التي تخطط أو تقوم بأعمال عنف ضد إسرائيل والإسرائيليين وأن تطرد من سوريا إلى بلدان أخرى غير لبنان كل الأشخاص المنخرطين التابعين لها أو لمجموعات أخرى تستعمل الأراضي السورية للقيام بالأعمال الممنوعة.

2- من المعلوم بأن لسوريا اتفاقيات أمنية مع إيران وحزب الله وأطراف عربية يمكن ان تقع ضمن إطار هذا المطلب. على سبيل المثال فإن على سوريا ان تقطع علاقاتها مع الحرس الثوري الإيراني (بما فيها فيلق القدس)، وان تمنع الأشخاص التابعين له والمعدات من عبور الأراضي والأجواء السورية وتحتاج سوريا أيضاً لإنهاء كل الاتفاقيات التي تسمح بالتهديد أو استعمال القوة ضد إسرائيل ومواطنيها.

3- انطلاقاً من كل ذلك، ان على سوريا ان تنهي مشاركتها أو تسهيلها لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية (بما فيها ذات الاستعمال المزدوج) إلى حزب الله في لبنان أو نقلها إلى لبنان، وعليها أيضاً ان تمنع تدفق السلاح للمجموعات الفلسطينية في لبنان وان تساند الجهود لنزع سلاحها.

أثناء مناقشة هذه الورقة مع هوف اعتبر الأسد بأن حزب الله سيلتزم بالقرار السوري إذا قررت دمشق السير بالسلام. ورداً على دهشة هوف قال الاسد: حزب الله هو عربي وليس فارسي، ورأى الأسد بأن لبنان سيتبع سوريا في التطبيع على السلام وبأنه قد طلب من الرئيس ميشال سليمان ان يحضر فريقاً لمفاوضات السلام. ويقول هوف بأن الأسد قد أكّد له بأنه إذا قبلت سوريا السلام فإنه لا يمكن لنصر الله التمسك بموقفه الراهن كرئيس للمقاومة، ورداً عن استعداده للتخلي عن مزارع شبعا. اعتبر الاسد ان الخرائط تظهر بأنها سورية، ويمكن تسوية الأمر مع لبنان لاحقاً. 

تسلم هوف ملف البحث عن سلام «شبه مستحيل» بين سوريا وإسرائيل والذي شكل المهمة الأخيرة للرئيس كلينتون في القمة التي جمعته مع الرئيس حافظ الأسد في جنيف. نجح هوف في بناء الاساسات اللازمة لاتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل، حيث استعمل مخيلته وحنكته الدبلوماسية ودماثة اخلاقه وقدراته الخارقة على كسب ثقة الآخرين، واقناعهم بأنه يقدم لهم فرصة لن تتكرر لتحقيق السلام العادل. ولقد ساعده في ذلك ثقافته عن القضايا الحدودية حيث سبق له ان وضع كتابين عن هذه الحدود وكتب مجموعة دراسات عن عناصر السلام.

إلى جانب كل هذه المواصفات الخارقة والثقافة الخاصة، فقد كان لدى هوف «الحلم» لتحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، والذي راوده في عمر 16 سنة، عندما كان تلميذاً في دمشق، قبل ثلاثة سنوات من احتلال الجولان، وان جورج ميتشل قد فتح امامه الفرصة لتحقيق ذلك الحلم.

لكن لا بدّ من الاعتراف بأن نجاح هوف في مهمته إنما يعود إلى المقاربة الجديدة التي استعملها في المفاوضات والتي ارتكزت على إعادة توجيه استراتيجية سوريا في علاقاتها مع إيران وحزب الله وحماس مقابل انسحاب اسرائيل إلى حدود 4 حزيران 1967، على ان يجري الانسحاب على مراحل خلال فترة 36 شهراً. يترافق هذا الحل مع رفع تدريجي للعقوبات الأميركية على سوريا.

لكن وكالعادة تبقى جميع المخارج التي طرحت لإيجاد حلول لازمات الشرق الأوسط عُرضة لانتكاسات أمنية تعطلها، وهذا ما حدث بالضبط مع هذه المبادرة عندما ردّ نظام الأسد باعلى درجات العنف ضد المظاهرات السلمية.

تمنى هوف على الإدارة الأميركية القيام بخطوة دبلوماسية باتجاه النظام السوري، كاتصال الرئيس أوباما أو الوزيرة كلينتون بالرئيس الأسد لحثه على ضبط العنف ولكن سقطت تمنياته على آذان صماء، فسقطت هذه المبادرة لتحقيق السلام.

ضاعت الفرصة التي بذل فيها الأميركيون أقصى جهودهم الصادقة من أجل تحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، مع كل ما كان يمكن ان يستتبع ذلك من تطورات إيجابية على المسارات الأخرى، وخصوصاً على المسار اللبناني سواء لجهة تحقيق السلام أو لجهة نزع سلاح حزب الله والفلسطينيين.