بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آب 2021 08:03ص (بيروت تستحق كل الحب والغناء)

حجم الخط
من نزار قباني الى بيروت

يا ستَّ الدنيا يا بيروتْ 

مَنْ باعَ أساوركِ المشغولةَ بالياقوتْ؟ 

من صادَر خاتمكِ السّحريَّ، 

وقصَّ ضفائركِ الذهبيّهْ؟ 

من ذبحَ الفرحَ النائمَ في عينيكِ الخضراوينْ؟ 

من شطبَ وجهكِ بالسّكّين، 

وألقى ماءَ النارِ على شفتيكِ الرائعتينْ؟ 

من سمّمَ ماءَ البحرِ، ورشَّ الحقدَ على الشطآنِ الورديّهْ؟ 

ها نحنُ أتينا.. معتذرينَ.. ومعترفينْ 

أنّا أطلقنا النارَ عليكِ بروحٍ قبليّهْ 

فقتلنا امرأة.. كانت تُدعى «الحريّهْ». 

 ماذا نتكلّمُ يا بيروتْ 

وفي عينيكِ خلاصةُ حزنِ البشريّهْ 

وعلى نهديكِ المحترقين.. رمادُ الحربِ الأهليّهْ 

ماذا نتكلّمُ يا مروحةَ الصّيفِ، ويا وردتَهُ الجوريّهْ؟ 

من كانَ يفكّر أن نتلاقى - يا بيروتُ - وأنتِ خرابْ؟ 

من كانَ يفكّر أن تنمو للوردةِ آلافُ الأنيابْ؟ 

من كانَ يفكّر أنَّ العينَ تقاتلُ في يومٍ ضدَّ الأهدابْ؟ 

ماذا نتكلّم يا لؤلؤتي؟... يا سنبلتي... يا أقلامي. 

يا أحلامي... يا أوراقي الشعريّهْ 

من أينَ أتتكِ القسوةُ يا بيروتْ، 

وكنتِ برقّةِ حوريّهْ؟ 

لا أفهمُ كيف انقلبَ العصفورُ الدوريُّ 

لقطّةِ ليلٍ وحشيّهْ ...لا أفهمُ أبداً يا بيروتْ... 

لا أفهمُ كيف نسيتِ اللهَ 

وعُدتِ لعصرِ الوثنيّهْ. 

 قومي من تحتِ الموجِ الأزرقِ، يا عِشتارْ 

قومي كقصيدةِ وردٍ...أو قومي كقصيدةِ نارْ 

لا يوجدُ قبلكِ شيءٌ.. بعدكِ شيءٌ.. مثلكِ شيءٌ 

أنتِ خلاصاتُ الأعمارْ...يا حقل اللؤلؤِ 

يا ميناءَ العشقِ...ويا طاووسَ الماءْ 

قومي من أجلِ الحبِّ، ومن أجلِ الشّعراءْ 

قومي من أجل الخبزِ، ومن أجلِ الفقراءْ 

الحبُّ يريدكِ.. يا أحلى الملكاتْ 

والربُّ يريدكِ.. يا أحلى الملكاتْ 

ها أنتِ دفعتِ ضريبةَ حسنكِ مثل جميعِ الحسناواتْ 

ودفعتِ الجزيةَ عن كلِّ الكلماتْ 

نعترفُ أمامَ اللهِ الواحدِ 

أنّا كُنّا منكِ نغارُ 

وكانَ جمالكِ يؤذينا 

نعترفُ الآنَ 

بأنّا لم ننصفْكِ.. ولم نعذُرْكِ.. ولم نفهمْكِ 

وأهديناكِ مكانَ الوردةِ سِكّينا 

نعترفُ أمامَ اللهِ العادلِ...أنّا راودناكِ...وعاشرناكِ 

وحمّلناكِ معاصينا 

يا ستَّ الدنيا، إن الدنيا بعدكِ ليستْ تكفينا 

الآنَ عرفنا.. أنَّ جذوركِ ضاربةٌ فينا 

الآنَ عرفنا.. ماذا اقترفتْ أيدينا. 

اللهُ .. يفتّشُ في خارطةِ الجنّةِ عن لُبنانْ 

والبحرُ يفتّشُ في دفترهِ الأزرقِ عن لُبنانْ 

والقمرُ الأخضرُ...عادَ أخيراً كي يتزوّجَ من لُبنانْ 

أعطيني كفّكِ يا جوهرةَ اللّيلِ، وزنبقةَ البلدانْ 

نعترفُ الآنَ..بأنّا كُنّا ساديّينَ، ودمويّينَ 

وكُنّا وكلاءَ الشيطانْ 

يا ستَّ الدنيا يا بيروتْ 

قومي من تحتِ الرَدمِ، كزهرةِ لوزٍ في نيسانْ 

قومي من حُزنكِ 

إنَّ الثورةَ تولدُ من رحمِ الأحزانْ 

قومي إكراماً للغاباتِ..وللأنهارِ..وللوديانِ 

قومي إكراماً للإنسانْ...إنّا أخطأنا يا بيروتُ 

وجئنا نلتمسُ الغفرانْ.  


(بيروت تستحق كل الحب والغناء وشكرا شكرا شكرا نزار قباني من مجموعة «إلى بيروت الأنثى مع  حبي»، 1981 قبل اجتياح 1982). 



ahmadghoz@hotmail.com