بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الأول 2021 07:28ص تحالف السلطة والمال

حجم الخط
يشهد العالم منذ قرون تغييرات في السلع التي تحرك الاقتصادات من الخشب الى الفحم والنفط واليوم نتكلم عن المائي والهوائي والنووي وغيرها. النفط ليس فقط محرك الاقتصاد العالمي، بل له دور كبير يتخطى الاقتصاد ليصل الى السياسة والتنمية. كل القطاعات تحتاج جزئيا أو كليا الى النفط، فهو قلب الاقتصاد العالمي وتحركه عوامل العرض والطلب كما امكانات التخزين وخاصة بنية النقل. ما حصل سابقا من اعتداء على خطوط أنابيب النفط في الولايات المتحدة خطير وهدفه على ما يبدو مالي وليس أمنياً. هنالك قدرات عند المافيات تفوق في نوعيتها وامكاناتها ما تعرفه الدول والشركات الكبرى. هل هذه حرب جديدة بين الدول والمافيات ومن ورائها؟

تعطل قسم كبير من الاقتصاد الأميركي نتيجة الاعتداء وبدأنا نشهد صفوف المستهلكين أمام محطات الوقود كما حصل مرارا في السابق وخاصة في سبعينات القرن الماضي. اقفال قناة السويس أيضا، بسبب الباخرة التي تعطلت اهمالا أو تقصيرا أو تقنيا، هو أيضا في غاية الأهمية ويشير الى ضرورة توسيع القناة لأن هنالك مصلحة عالمية في ذلك. لا بد من توفير الاستثمارات لأن مصر اليوم ربما غير قادرة على مواجهة هذه التحديات في ظل حاجات أخرى لا تقل أهمية ونعني بها خاصة مواجهة المياه مع أثيوبيا. الحاجات الداخلية من سكانية ومعيشية واجتماعية تبقى أولوية.

أهم الصراعات العالمية الحالية يشير الى أهمية النفط والطاقة عموما. هنالك ثلاث وقائع حصلت تقريبا في نفس الوقت، أي حادثة فوكوشيما النووية في اليابان في 11\3\2011 وما رافقها من فياضانات كارثية، الثورة التونسية وما تبعها من تغيير في القيادات العربية كما الصراع الدولي مع ايران نسبة لبرنامجها النووي. جميع هذه الحوادث أثر على نمو الاقتصاد العالمي لأسباب متعددة مترابطة وفي قلبها الطاقة عموما والنفط خصوصا.

قوة النفط الاقتصادية معروفة بدءًا من ايرادات الدول المصدرة الى اقتصادات الدول المستهلكة. تحاول الدول الصناعية ايجاد بدائل فعالة وغير مكلفة للنفط المستورد وقد نجحت جزئيا الا أن النفط يبقى القلب المحرك. الاستثمارات في الاكتشافات النفطية ليست كما كانت سابقا لأن الأموال المتوافرة غير كافية للاكتشافات المعمقة ولأن أسعار النفط عموما غير مشجعة من ناحية العائد المالي. أسعار النفط ارتفعت مؤخرا لكن ليس كما كانت في العقود الأخيرة خاصة من ناحية السعر الحقيقي. في ظل الكورونا لا يمكن توقع زيادة كبرى شاملة في الطلب على النفط. أما العرض فالاكتشافات الحديثة محدودة. هنا تكمن أهمية ما يجري من صراع في بحر المتوسط بين لبنان واسرائيل مثلا على استثمار الثروات المتوافرة في عمق البحر. أما المفاوضات بالتعاون مع الولايات المتحدة فلم تستطع بعد الوصول الى نتيجة بشأن الحدود البحرية والاستثمارات النفطية والغازية المطلوبة. الخلافات النفطية التي تضاف الى كافة الخلافات الحادة الأخرى تجعل الموضوع النفطي معقد جدا.

أما شركات النفط فكانت أهم شركات العالم في القرن الماضي ولم تعد كذلك مما يشير الى حصول تغييرات كبيرة في هيكليات الاقتصاد العالمي. الشركات الكبرى اليوم هي شركات التكنولوجيا من آبل الى فايسبوك وأمازون وغوغل وغيرها والتي وصلت أحجامها الى أضعاف ما وصلت اليه الشركات في الماضي كما أضعاف انتاج مئات الدول حاليا. الشركات النفطية العالمية تبقى مهمة، الا أن قوتها لم تعد كما كانت ولا يبدو أن التاريخ سيعيد نفسه.

النفوذ السياسي للنفط واضح في أعرق الدول الغربية حيث أصحاب الشركات أو المسؤولين عنها يتولون أهم المناصب السياسية، أي مراكز القرار. هنالك عائلات مهمة أثرت وتؤثر بطريقة أو أخرى في الاقتصاد العالمي كروكفيللر حيث وصل «نلسون» الى نيابة الرئاسة الأميركية. هنالك عائلة بوش واستثماراتها النفطية في تكساس والتي أوصلت رئيسين الى البيت الأبيض الأميركي. هذا الترابط أفاد الشركات النفطية على مدى عقود وسلب الكثير من حقوق الدول المنتجة خاصة في منطقتنا. لا يمكن أن ننسى هنري كيسينجر مستشار روكفللر والذي كان له دور كبير في السياسة الأميركية على مدى عقود. أما ركس تيللرسون وزير خارجية أميركا الأسبق فكان رئيس شركة اكسون النفطية الكبرى ووصل الى المركز المهم خاصة بسبب علاقات نفطية مهمة مع روسيا كان يريد ترامب تطويرها. لا شك أن الحكومات الغربية عملت بشكل قريب جدا مع مسؤولي النفط بطريقة أو أخرى وساعدت الشركات في التوسع عالميا للاستفادة المشتركة. مجددا تحالف السلطة والمال.

هنالك ظاهرة جديدة نراها منذ زمن وهي قيام أغنياء النفط بالتبرع للفقراء والجمعيات عبر صناديق ينشئونها. هذا ما فعلته عائلتا روكفللر وروتشيلد مثلا منذ عقود. امتدت هذه الثقافة الى قطاعات أخرى مع الوقت كمؤسسة بيل وميلندا غايتس الممولة من نجاحات شركة مايكروسوفت التكنولوجية. هذه النشاطت مهمة ولها أهدافها التي ربما تفوق المساعدات الاجتماعية والخيرية لتصل الى مصالح أخرى.

ثلاثة عوامل تؤثر على أسواق النفط العالمية ومرتبطة بالطلب والعرض وثم الأسعار.

أولا: في الطلب، لا شك أن العالم يحاول الانتقال من النفط الى طاقات أخرى بسبب التكلفة والسلامة البيئية والأمنية. هنالك ثلاثة قطاعات ستكون أساسية في الطلب العالمي على النفط وهي الكهرباء والنقل والقطاعات المتجددة المرتكزة على الأفكار الخلاقة الجديدة. الاهتمام مجددا بالبيئة وباتفاقيتي باريس وغلاسكو سيعيد الطلب الى النفط مع وجود تقنيات حديثة تنظف البيئة دون أن تسيء الى الاقتصاد.

ثانيا: عرض النفط متوافر وهنالك حقول جديدة تكتشف كل يوم وبالتالي لا خوف على نقص النفط من المصدر. منظمة الدول المصدرة للنفط بالاضافة الى روسيا تقوم بعمل ذكي من ناحية تحديد الانتاج كي تبقى الأسعار مقبولة ولا تنهار. ترابط المصالح أكثر من ضروري ولنا مصلحة في المنطقة العربية في بقاء الأسعار بالمستويات الحالية لاكمال تنمية المنطقة في كل فروعها. هنالك قلق عالمي من الأوضاع في فينزويلا وفي المنطقة العربية من اليمن الى العراق وفلسطين بالاضافة الى موضوع المفاوضات مع ايران في فيينا والتي لم تعط بعد نتائج واضحة.

ثالثا: تنتج الاسعار عن العاملين السابقين، الا أن هنالك عامل ثالث مهم وهو سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية لأن برميل النفط مقيم بالنقد الأميركي. سياسات المصرف المركزي الأميركي تشير الى هدف الحفاظ على الدولار القوي كما أن التنشيط المالي من قبل ادارة الرئيس بايدن سيؤدي الى نمو كبير يساهم بدوره في الحفاظ على الدولار القوي.