بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 حزيران 2021 12:02ص تحولات بنيوية مشغولة تخفيها حالة «جهنم»

حجم الخط
ما يحصل حاليا في هذه البلاد المنكوبة بتطور الأحداث والوقائع المدّمرة فيها، أمر يفوق الخيال، وقد دفع باللبنانيين إلى حال من الذهول والهلع نتيجة لاستعصاء تحقيق أي حلّ معقول يُمَكّن من الخروج من الكارثة التي تصر الجهات الحاكمة والمهيمنة بفائض القوة المتفاقم والمتراكم، على إبقاء الحالة الجهنمية التي بتنا في قلب لهيبها وتأججها، والكوارث المدمرة تمرُّ بنا تباعا وفي طليعتها الإنفجار المصيبة الذي انطلق من مستودعات مرفأ بيروت، لينال قلبا من قلوبها الحضارية والإقتصادية، محدثا فيها قتلا جماعيا وخرابا بنيويا وتشريدا سكانيا واسع النطاق، وليُكلَّلَ هذا الحدث حالة من الفساد والفسق الأخلاقي والتحلل الوطني، لتسود هذه الحالة الماساوية التي تطاولنا اليوم بشتى أنواع الإنيهارات الإقتصادية والمالية والوطنية والحياتية، وصولا في مآسيها إلى مطاولة أرتال كاسحة من المواطنين المستورين والقانعين أساسا بالحدّ الأدنى من مكونات الحياة الكريمة، فإذا بنا في هذه الأيام الجهنّمية نجدهم ورغيف الخبز قد بات هدفا مستعصيا عليهم وعلى أبنائهم، ولم يعد مستغربا أن نواجه يوميا مستجدات شعبية ونقابية واجتماعية تتظاهر في شوارع العاصمة والمناطق المختلفة وأمام الوزارات والمراكز الحكومية، مع تسجيل محدود حتى الآن، لأعمال عنف واقتحامات وقطع طرقات وحرق دواليب مطاطية، وهي احتجاجات وصرخات مستجدة في نوعيتها وفي حدّة مطالبها وفي دخولها إلى محيطات إجتماعية عُرفت أساسا بتقيدها بأصول القواعد الإجتماعية والأمنية، أمّا وأنها قد أصبحت تجول في دنيا الجوع والمعاناة الإجتماعية والحياتية وانقطاع للكهرباء وتوابعها وسرقاتها وسمسراتها التي أفلست البلاد والعباد، وإذلال مشهود في صفوف وأرتال المواطنين أمام محطات المحروقات، مطلقة الإحتجاجات الصاخبة والصرخات الدّاوية، ومتجاوزة أصولا سبق أن كانت حريصة على البعد عن عنفها وهيجانها. 

كل ذلك، في مقابل ردود فعل مستغربة لدى المسؤولين على مختلف مواقعهم، وخاصة منهم أولي المناصب الرئيسية والرئاسية، وكأنما كلّ هذه المآسي التي بدأت بالتراكم، لا تهمّهم ولا تعنيهم، وتنمّ عن انقطاع العلاقة التفاعلية ما بينهم وبين هذا الشعب المنكوب الذي دفعت به الأقدار الظالمة إلى أن تكون رقاب أبنائه وأفواه أطفاله، تحت مزاجهم وطغيان مصالحهم وتحكُمهم بأسوأ أنواع الحكم والتحكّم. 

في هذه الأحوال الجهنمية التي تُجْمعُ الأوساط كلُّها على أن بلادنا ووطننا وأبناءنا ومؤسساتنا كلها، وكلنا معها، قد بتنا في صلب انهياراتها الجهنمية، بقي لنا قلّة من المهتمين الجدّيين بتحقيق إنقاذٍ وخلاصٍ يوقف تهديد هذا الوطن المنكوب، بأقسى وأفدع الأخطار التي تهدّد بإزالته من خارطة الأوطان. في طليعة هؤلاء، الرئيس نبيه برّي الذي احتفظ لنفسه وللبلاد، بإحساس الواجب الوطني الذي وضع نفسه وموقعه في رئاسة المجلس النيابي، طارحا على المسؤولين، وساطة ما زالت حتى الآن مهتزّة النتائج. وهو قد أطلق في المدّة الأخيرة، وساطةً قد تكون محاولة أخيرة من قبله، ربّما يتسنى للبلاد أن توقف من خلالها حالة الإنهيار والتلاشي. وقد تعزَّزَ دوره المذكور باعتماد جهوده من قبل سماحة السيد حسن، وإن كانت أوساط وطنية هامة ترى في هذا التفويض الذي أعطي له تراجعا عن مسؤوليةٍ افترضها البعض لدى سماحة السيد، تخوله بإمكانياتها المؤثرة والفارضة، أن يتخذ الموقف الحازم، وأن يتخلّى عن بعض التلكؤ في أداء دورٍ إنقاذي للبلاد وللعباد من أحوال الإنهيار المتمادي والمستفحل التي نمرّ بها في هذه الأيام شديدة السواد. 

ونتطرق بعد ذلك، إلى الدور الوطني مستمرّ النشاط والفاعلية لغبطة البطريرك الرّاعي الذي ما لبث جاهدا في محاولاته الإنقاذية التي لا نشك في إمكانياتَها المعنوية والوطنية القادرة على تحقيق نتائج قد تتحقق على صعيد الواقع الملموس مع مرور الوقت والفرص وتحقق المؤتمر الدولي لتصويب الوضع اللبناني وتحقيق معجزة إنقاذه، دون أن نغفل في هذا المجال، كل هذه العراقيل والسلبيات التي توضع في طريقه، وفي مواجهة جهوده الحثيثة لتحقيق تقدّمٍ ما في عملية الإنقاذ والخلاص. 

وفي كلمته التي أدلى بها في نهاية الأسبوع الفائت، يلفت الإنتباه تساؤله عمّا إذا كان وراء الأسباب الواهية لعدم تأليف الحكومة، نتيجة احتمال الإمتناع عن إجراء انتخابات نيابية في أيار المقبل، ثم رئاسية في تشرين الأول، وربما نية إسقاط لبنان بعد مائة سنة من تكوين دولة مستقلة؟ هذا التساؤل الذي يتحسب لنوايا شديدة الإحتمال قد تكون في ذهن ومخططات البعض تحضيرا لمستقبل ما تُقْلَبُ فيه الأوضاع رأسا على عقب، من خلال إسقاط المؤسسات العامة المفصلية في هذا البلد واحدة تلو الأخرى، توطئة لإسقاط النظام القائم بأسره وتحدويله إلى منظومة كيانية مختلفة عن واقعه التاريخي بأسسه الرئيسية العامة، وإطلالته على العالم وعلى المنطقة بشكل خاص، بوجه جديد وتكوين مختلف يتناغم مع التركيبة الكيانية التي يُعْمَل على ترسيخها في المنطقة بما يتلاءم مع التركيبة السائدة في مرجعيتها الإقليمية الناشطة في أكثر من صعيد. 

هي مرحلة عديدة المستجدات وشديدة الحساسية، تزخر بها الساحة المحلية في هذه الأيام، فضلا عن مستجدات سلبية عديدة في كثير من الساحات الإقليمية. ما يهمنا من كل ذلك أن يكون العهد القائم، متباعدا بالقدر المعقول والمقبول عن المشيئات الغريبة بجميع مخططاتها ومراميها، بما يؤمّن لهذه البلاد وشعبها المُعَاني والمكابد، واقعا مختلفا عن الحالة المزرية التي يعاني منها في هذه الأيام بكلّ أخطارها وآلامها، وأيامها المقبلة باشدّ معالم التداعي المأساوي الذي بات واقعا ملموسا نعاني من ظلامه ومظالمه وسوء أحواله وأوضاعه. 

daouknet@idm.net.lb