بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 شباط 2020 08:12ص تحييد لبنان هو المفتاح لفك طوق العزلة

حجم الخط
يبدو أن لبنان قد أدمن على إضاعة الفرص، وهذا ما يفسر دوران حكومة حسان دياب في حلقة مفرغة، حيث فشلت في اتخاذ أي قرار حاسم لمعالجة أية معضلة من المعضلات المالية أو النقدية أو المعيشية الضاغطة.

لم تتخذ الحكومة أي موقف جدي على طريق انقاذ البلد من أزمته المتعددة الوجوه، وقد اقتصرت حركتها على عقد الاجتماعات المتلاحقة، وتشكيل اللجان الوزارية، والبحث عن خبراء محليين ودوليين، يساعدونها على وضع خطة لانقاذ البلد من ورطته الراهنة. 

واجهت الحكومة حالة العجز وفقدان الثقة بقدراتها على اجتراح الحلول للاستحقاقات الضاغطة، والتي حل في رأس أولوياتها مسألة سداد سندات «اليوروبوند» التي تستحق في 9 آذار المقبل، من خلال دعوة صندوق النقد الدولي لارسال وفد تقني للمؤازة في بلورة خطة انقاذية، وخرج الوفد الدولي بعد اجتماعه بالمسؤولين بانطباع بأنه لم يلمس القدر الكافي من الجدية للمبادرة لوضع خطة انقاذية لانتشال البلد من ورطته الراهنة.

ظهرت مؤشرات عديدة، خلال الأسابيع الماضية من عمر الحكومة، عن وجود حالة من الإرباك والتردد في آليات عمل الحكومة، بالإضافة إلى غياب الرؤية وعدم توافر القدرة القيادية لاتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة المشاكل الملحة، وخصوصاً قضايا تدهور سعر الليرة، والنظام التعسفي الذي فرضته المصارف على المودعين، وضبط اسعار السلع الضرورية ووقف جشع التجار، والتي كان يمكن أن تؤدي معالجتها بفعالية إلى إحداث صدمة داخلية إيجابية.

الملفت أيضاً أن هذه الحكومة التي جرى تشكيلها تحت عنوان البحث عن فريق اصلاحي قادر على انقاذ البلد من الإفلاس، قد وافقت بإذعان واستسلام كلي على القبول بموازنة وضعتها الحكومة السابقة، بالرغم من ادراكها بأن العجز الذي سيترتب عنها يفوق خمسة مليارات دولارات، خصوصاً في ظل التوقعات بتراجع حجم جميع وارداتها. يطرح قبول الحكومة بهذا العجز المتفاقم تساؤلات حول مدى جدية ومصداقية الحكومة لوضع خطة مالية إصلاحية، تعالج تفاقم الدين العام والذي تعدى نسبة 150 في المئة من حجم الناتج المحلي.

لا بد أن يدرك رئيس الحكومة بأن تعدد اللجان التي يشكلها لن تشكل الأداة الناجعة لوضع الرؤية الاصلاحية اللازمة، وبأن الخطوة الأولى على طريق الإصلاح تبدأ من خلال وضع إطار عام للإصلاح، يتشارك في وضعه مع وزيري المالية والاقتصاد، وتكون الخطوة الثانية بطرحه على مجلس الوزراء لمناقشته واقراره. ولا بد له أن يدرك بأن أفضل الخطط التي يمكن وضعها ستكون دائماً بحاجة لاجراء تعديلات متكررة عليها، ولذلك، يجب عليه الاقدام على وضع الخطة المطلوبة باسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن يفوته القطار.

يدرك الرئيس دياب بأنه لا يملك الوقت لاضاعته في ترف عمل اللجان التي يشكلها، خصوصاً وأنها لن تأتي له بالدواء الشافي لكل الأمراض التي يعاني منها لبنان، ولن تؤمن له تجاوز كل التحفظات والعقبات التي تواجهه داخلياً وعربياً ودولياً.

إن المعضلة التي تواجهها الحكومة والتي يمكن أن تؤدي إلى فشلها وسقوطها تكمن في عدم قدرتها على استعادة الثقة المفقودة بها، والتي تنطلق أساساً من اتهامها بأنها حكومة «حزب الله».

إذا لم يعمل رئيس الحكومة وبمساعدة العهد على اثبات عدم صحة هذه «التهمة» بالعمل الجاد لإثبات تجنيد لبنان عن سياسية المحاور، والعودة إلى تطبيق إعلان بعبدا، الذي وضعه الرئيس ميشال سليمان في عهده ووافقت عليه جميع القوى السياسية اللبنانية، واعتمدته الأمم المتحدة كوثيقة دولية، فإن جميع أبواب الدول الخليجية والدول الغربية الداعمة للبنان ستبقى موصدة في وجهه. وسيؤدي ذلك دون شكل إلى شح كبير في المساعدات والقروض الميسرة والاستثمارات التي تساهم في اعادة نهوض لبنان مالياً واقتصادياً.

ليس هناك أية وسيلة لإنقاذ لبنان من أزمته الراهنة إذا بقي الحكم رهينة في يد محور المقاومة والممانعة، أو إذا قبل بالوصاية الإيرانية أو السورية. نقول هذا الكلام بعد ظهور مؤشرات عن محاولات تطويق رئيس الحكومة للقبول بهذا الخيار.

هناك جهات داخلية وخارجية تسعى إلى تحويل لبنان إلى ساحة مفتوحة، للصراع الأميركي-الإيراني، وذلك من خلال الدعوة إلى ضرورة الحفاظ على خيار المقاومة لحماية لبنان ونفطه من العدوان الاسرائيلي، مع التأكيد على الحؤول دون هيمنة الولايات المتحدة عليه من خلال اخضاعه للبرامج التي سيفرضها صندوق النقد الدولي على مقدراته وعلى شعبه.

في الخلاصة، يبقى السؤال حول مدى إدراك رئيس الحكومة لمخاطر القبول بتهمة بأن الحكومة هي «حكومة حزب الله»؟ سيؤدي ذلك حتماً إلى تشديد العقوبات الأميركية المفروضة على كيانات الحزب والتي يمكن أن تتوسع لتشمل كيانات وأشخاصاً آخرين، بالإضافة إلى مدى تأثير ذلك سلباً على تقديم أية مساعدات مالية من قبل الدول الغربية والخليجية للبنان.

في رأينا سيتوقف مستقبل هذه الحكومة ومصيرها على مدى قدرتها على اثبات اعتمادها سياسية النأي بالنفس فعلاً لا قولاً ، وعلى مدى حكمة وبراعة رئيسها في أخذ المبادرات لكسر طوق العزلة الخليجية والأميركية المضروب حوله، والذي ظهر جلياً في احتفالات بيت الوسط في 14 شباط الماضي، هذا بالإضافة إلى الإجهار به من قبل مسؤولين خليجيين ودوليين على هامش اجتماعات وزراء خارجية مجموعة العشرين مؤخراً.