بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 أيلول 2021 12:02ص تساؤلات في ظلّ أنابيب الغاز عبر سوريا

حجم الخط
إعلان سفيرة الولايات المتّحدة دوروثي شيا مبادرة إدارتها لاستجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن إلى لبنان كان كافياً لبعث الحياة في مسارات دولية / إقليمية بقيت خارج العمل لسنوات عديدة. بدا ومن دون مقدّمات، كأن كوّة قد فتحت في جدار الأزمة المغلق منذ قطع رئيس الجمهورية ميشال عون كلّ الجسور مع العالم مبقياً على معبر بعبدا طهران مفتوحاً عبر دمشق. لم يكن إعلان السفيرة الأميركية أنَّ «لا حاجة للبنان لأيّ ناقلات إيرانية» تعبيراً عن رغبة أميركية أو استدراكاً لأخطاءٍ وقعت فيه إدارتها وأدّى إلى عزل لبنان وضرب اقتصاده، كما دلت تلك العبارة الساذجة، بل تحذيراً من استقبال الناقلة الإيرانية أو استقبال حمولتها اختفت بعده الناقلة الإيرانية عن شاشات المواقع المتخصّصة بتتبع السفن وغابت معه الأرض اللبنانية المبحرة من ميناء بندر عباس نحو بيروت أو بانياس والتي حذّر الأمين العام لحزب الله من عواقب التعرّض لها.

تتجاوز المبادرة الأميركية مسألة التدخل لمعالجة أزمة الكهرباء التي تعاني منها كلّ القطاعات في لبنان أو تسخيفها ووضعها في موقع ردّة الفعل على الناقلة الإيرانية. قد يكون غياب لبنان الرسمي عن كلّ الأنشطة الاقتصادية والسياسية وعن اللقاءات العربية، بعد الإنحسار غير المسبوق والخطايا التي ارتكبتها الدبلوماسية اللبنانية المتعجرفة وتحجّر الجهد الرسمي اللبناني في موقع التسويق لمواقف لا تتفق مع حقائق التاريخ والجغرافيا، قد أبعدا اللبنانيين عن مجريّات التطورات والتبدّل في المواقف العربية إزاء المصالح الوطنية وإزاء تقاطعات السياسة الدولية في المنطقة. 

إنَّ موقع مصر كشريك أساسي في أي مبادرة دولية حيال لبنان ليس جديداً، فليس سراً أنَّ جمهورية مصر العربية هي الشريك الدائم لكلّ المبادرات الدولية وهي مواكبة دائمة للأزمة اللبنانية وقد بذلت جهوداً مضنيّة ولا تزال لاختراق جدارها، ليس على صعيد تشكيل الحكومات وإبقاء قنوات التواصل سالكة بين الفرقاء السياسيين، بل على صعيد تقديم كلّ المقاربات لحلّ أزمة الطاقة وتذليل العقبات مع البنك الدولي،هذا بالإضافة إلى الموقع المحوري المتجدّد لمصر ودورها على امتداد دول البحر الأحمر ودورها في شرق المتوسط على صعيد الأمن والطاقة.

وعلى صعيدٍ موازٍ،فإنّ ترميم شبكة الربط الكهربائي بين المملكة الأردنية وسوريا ليس وليد هذه المبادرة بل هو وليد المصالح الإقتصادية التي أملتها علاقات الجوار والضرورات الإقليمية والمستجدات الدولية بالرغم من الخلافات السياسية الجوهرية. هذه الخطوات كانت موضوع اجتماعات عديدة بين الدولتين كان آخرها في شهر حزيران من العام الجاري، وقد ضمّت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، هالة زواتي، مع وزير النفط والثروة المعدنية في الجمهورية العربية السورية المهندس بسام طعمة ووزير الكهرباء الأردني المهندس غسان الزامل وتركزت على تعزيز خطوط الربط الكهربائي وإعادة تأهيلها بين البلدين للعودة إلى التبادل الكهربائي بين سوريا والأردن، وأنّ الأمر ينطبق كذلك على خط الغاز العربي.

الجديد في المبادرة الأميركية التي سنتبيّن قدرتها على إحداث تغيير أساس في المشهد الإقليمي وليس اللبناني فقط، هو الثقة التي أظهرتها السفيرة شيا في احتمالات نجاح استجرار الغاز والكهرباء وعدم إعطاء أيّ حيّز للرفض السوري بل الإكتفاء بالإشارة الى الإجراءات الكفيلة بعدم تجاوز العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر. لقد أشارت صحيفة «التايمز» البريطانيّة في عددها الصادر يوم أمس تحت عنوان: Assad and Biden unite to sort out Lebanese power. «الأسد وبايدن يتّحدان لحلّ أزمة الطاقة اللبنانية»، إلى أنَّ «إعلان نظام الرئيس السوري​ استعداده للعمل مع الأميركيين على خطة لمساعدة لبنان في الحصول علىالكهرباء​، هو دليل على تغيير في السياسات تجاه ​الشرق الأوسط​، بقيادة الرئيس الأميركي ​جو بايدن​». وأضافت أنَّ «الجانب السوري أعلن استعداده للمساعدة في استجرار الغاز من مصر عبر الأردن مبيّنةً أنَّ «القرار قد يرفع بعض العقوبات المفروضة على ​سوريا».

قد تكون الزيارة الوزارية اللبنانية المفاجئة إلى سوريا إحدى المستلزمات المعنوية والإجرائية المطلوبة سورياً وهي أتت بعد الإعلان الأميركي دون أيّة تحضيرات مسبقة من أي من الجانبين اللبناني والسوري. الإجتماع المنتظر في عمان سيضع الأُطر التنفيذية للمبادرة الأميركية ولبنان ليس في موقع يسمح له بالمناقشة فالبنك الدولي معني بتحمّل الأعباء المالية. لكنّ أسباب وأثمان الخيار الأميركي بالإنفتاح على سوريا بدلاً من إيران تطرح تساؤلات كثيرة جديرة بالتوقّف عندها وانتظار الإجابة.فهل تبنّت الولايات المتّحدة خيار عودة الأسد إلى الحضن العربي عبر الإقتصاد أولاً والإعتراف بشرعيّته ثانياً؟ ما تأثير ذلك على نفوذ طهران في كلّ من لبنان وسوريا وكيف ستتعامل طهران مع الواقع الجديد؟وما هي الضمانات الأمنية لمرور خط الغاز في الجنوب السوري ومن هي الجهة المعنيّة بذلك وهل يشكّل الجهد الروسي لتثبيت النظام في درعا جزءاً من الدور الروسي في المبادرة الأميركية؟

في ظلّ المبادرة الأميركية لاستجرار الغاز المصري عبر سوريا قد يصبح من الممكن استقبال شحنة النفط الإيرانية كبادرة صداقة لأولويّات إنسانية...

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade

khaledhamade@rfcs-lb.org