بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 شباط 2023 12:00ص تفكُّك «تحالف مار مخايل» يصبُّ في صالح انتخاب رئيس إصلاحي

حجم الخط
الوضع السياسي في لبنان هو اشبه بعصفورية، ولقد سبقني الى التوصيف الرئيس نجيب ميقاتي، الذي استعمل هذا التوصيف من على طاولة مجلس الوزراء، ويبدو بوضوح بأن استعمال ميقاتي لهذا التعبير قد جاء في معرض تذمره من سياسة النكايات والابتزاز التي يستعملها التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل من اجل تطويق رئيس الحكومة ومنع مجلس الوزراء من الاجتماع لاداء دوره في معالجة الشؤون الاساسية والطارئة التي تواجه البلاد في ظل المأزق البرلماني، والذي يمنع امكانية التوصل الى صيغة لعقد جلسات متواصلة الى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وفق ما ينص عليه الدستور بصراحة مطلقة لا تقبل الاجتهاد والتفسير.
لم يعد ينطبق توصيف «العصفورية» على الوضع السياسي الراهن مع كل المناورات الجارية لتعطيل عملية انتخاب رئيس للبلاد، بل توسعت حالة الجنون لتضرب القضاء اللبناني في العمق وحتى نظامه في اعلى قمة الهرم، بعد الاشتباك «الانتحاري» بين مدّعي عام التمييز منيف عويدات والمحقق العدلي طارق البيطار، وما استتبع ذلك من عجز على مستوى وزير العدل والمجلس الاعلى للقضاء في القيام بأي مسعى للتهدئة، وأن التحرك القضائي الجديد للنائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل يمثل مؤشراً على وجود نوايا للتصعيد، مع توقع حصول المزيد من الاحتدام في معركة الصلاحيات بين المدعي العام التمييزي وبين المحقق العدلي.
يتقدم الاحتدام السياسي الذي تشتد سخونته بين التيار الوطني الحر وحزب الله على حالة التشظي التي اصابت القضاء وذلك نظراً لخطورة مفاعيله على مسار الحكم او على تماسك ما تبقَّى من هياكل مؤسسات الدولة المنهارة وخصوصاً الضغوط التي يتعرض لها قطاع التعليم بشقيه الرسمي والخاص والذي بات يهدد بانهيار وضياع كامل السنة الدراسية على مستوى التعليم الاساسي والجامعي. لم يستطع حزب الله بكل ما يملك من نفوذ وهيمنة سياسية من تأمين الغطاء السياسي اللازم لانعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الاسبوع الفائت، والتي كانت مخصصة وفق ما صرح به وزير التربية عباس حلبي لتقديم الحلول لمطالب المعلمين والاساتذة، وذلك ايذاناً بحل اضرابهم وانقاذ العام الدراسي.
جاء المؤتمر الصحافي الاخير لرئيس التيار الوطني الحر لينسف كل المساعي والآمال بإحداث تقدم على صعيد رآب الصدع الذي اصاب اتفاق مار مخايل بين التيار وحزب الله، ولقد ذهب جبران باسيل في خطابه الاخير بعكس الاتجاه الذي نصحه به امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بسلوكه من خلال دعوته الصريحة له بضرورة معالجة الخلافات وراء ابواب موصدة، وليس من خلال وسائل الاعلام، وبخطاب «شعبوي» سيؤدي حتماً الى مزيد من التأزم والفرقة بين الحليفين، والى تعميق الازمة الوطنية، ومنع اي بحث جدي عن مرشح رئاسي يمكن ان ينال اصوات اكثرية المجلس النيابي، في ظل توافقات عربية ودولية، يؤمل ان يظهر اجتماع باريس الذي سينعقد في السادس من شباط خارطة الطريق اللازم سلوكها لانهاء ازمة الحكم التي باتت مستعصية على مساعي اللاعبين اللبنانيين.
عقد باسيل مؤتمره الصحافي وفجّر غضبه ضد سليمان فرنجية مرشح حزب الله للرئاسة، وضد قائد الجيش العماد جوزاف عون، والذي يرى فيه باسيل خصماً صعباً في ظل ما يحظى به من دعم اميركي وفرنسي بالاضافة الى امكانية قبول حزب الله به كمرشح تسوية. وجاء مضمون الخطاب وشعار «لوحدنا» الذي رفعه باسيل خلفه بمثابة اعلان طلاق مع الحزب. لكن ما لا يمكن فهمه في كل ما ورد في الخطاب تهديد باسيل بترشيح نفسه لمنصب الرئاسة، في حال الرد على ما يتعرض له من ضغوط سياسية، وخصوصاً من حليفه حزب الله بالذات، سواء في خياراته الرئاسية او في التضامن مع دعوات انعقاد جلسات مجلس الوزراء وحضور وزرائه وتأييدهم لجدول اعمال الجلسة وللقرارات الصادرة عنها.
يبدو بأن باسيل يسعى من خلال خطابه «الموتور» ومن خلال التهديد بالترشح للانتخابات الرئاسية الى حشر حزب الله لجهة موقفه الداعم لترشح سليمان فرنجية والتشويش على حظوظه باجتذاب عدد لا بأس به من النواب السنة، وذلك على طريقة البحث عن اكثرية 65 صوتاً، اذا ما انضم نواب اللقاء الديمقراطي لدعوات الثنائي الشيعي للبحث عن مرشح توافقي. بينما يأتي الهجوم المركز ضد قائد الجيش ضمن خطة استباقية للتأثير على اجتماع باريس من اجل لبنان سواء لجهة بحث تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية او لجهة تقديم مزيد من المساعدات للجيش والقوى الامنية اللبنانية، وهذا ما تؤشر اليه الى اشارة باسيل الى تفرّد وحرية قائد الجيش المطلقة للتصرف بصندوق المساعدات المرسلة للجيش، وبالتالي تشويه صورة قائد الجيش كمرشح يمكن التوافق عليه داخلياً وخارجياً.
جاء خطاب باسيل الاخير وفق ما ذكرته مصادر مسيحية، كمحاولة اخيرة لفتح كوة في جدار العلاقات المتأزمة مع القوات اللبنانية، من خلال فتح الحوار السياسي معها بغية «تأليف جبهة مسيحية وازنة»، لخوض معركة رئاسة الجمهورية، والبحث عن مرشح بديل لسيلمان فرنجية ولقائد الجيش، يمكن لباسيل والقوات الركون اليه لتأمين مصالحهما خلال السنوات الست المقبلة، لكن يبدو بأن القوات ترصد تحركات باسيل بدقة وحذر، وبتؤدة تمنع تكرار التجربة «المخيبة للآمال» التي مرّت بها بعد التسوية الرئاسية التي اوصلت العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة.
في خلاصة الموقف الذي عبّر عنه باسيل في مؤتمره الصحافي يبدو حالياً بأن كل محاولاته لتسويق نفسه لموقع الرئاسة كما ان كل الجهود التي بذلها لتعطيل مسار حكومة تصريف الاعمال قد باءت بالفشل، ووصلت بالتالي الى طريق مسدود، وتأتي بتساقطات هذا الفشل السياسي للتحرك الذي قاده باسيل منذ انتهاء ولاية عهد عون لتراكم على الفشل في الصراع الذي قاده باسيل خلال ست سنوات ضد مختلف الافرقاء السياسيين باستثناء حزب الله، اما اليوم فإن باسيل يندفع بقوة لكشف مؤخرته ومخيبته من خلال اعلان افتراقه مع الحزب، برفعه شعار «لوحدنا» حيث يأتي مؤتمره الصحافي بعد لقائه الاخير مع وفيق صفا والحاج حسين خليل، وبعد دعوات السيد نصر الله لبحث الخلافات بين طرفي اتفاق مار مخايل خلف ابواب موصدة.
في رأينا يأتي هجوم باسيل ضد «حليفه» حزب الله، واعلانه نيته بحل الشراكة من جانب واحد انطلاقاً من قراءته بأن حزب الله هو بأمس الحاجة للابقاء على تحالفه مع التيار في ظل المتغيرات الراهنة سواء في الوضع الداخلي اللبناني او على المستوى الدولي والاقليمي.
على الصعيد الداخلي يشعر باسيل بأن حزب الله هو بحاجة ماسة للابقاء على تحالفه مع التيار كفريق مسيحي قوي، يملك كتلة نيابية كبرى، قادرة على تقديم المساعدة اللازمة له للعب دور رئيسي وبارز في اختيار الرئيس العتيد، على غرار ما جرى عام 2016. فالحزب في رأيه لم يعد ايضاً يملك الاكثرية النيابية التي كانت له في المجلس النيابي السابق، بالاضافة الى تبدّل الظروف الاقليمية والدولية الراهنة. فالدول العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية لن تهاون هذه المرة جهود وضغوط حزب الله للإتيان برئيس يخضع لنفوذه. ولا بد في هذا السياق ايضاً من الاشارة الى التراجع الحاصل في نفوذ ايران في ظل ما تشهده من احداث بدأت تهز اركان السلطة بالاضافة الى الضغوط الدولية المتصاعدة التي تتعرض لها بسبب قمعها «الوحشي» للمظاهرات ولاحكام الاعدام التي تصدرها بحق المعارضين.
يضاف الى هذه الضغوط الهجمات الصاروخية وبالمسيَّرات التي تتعرض لها القوافل الايرانية على الحدود العراقية - السورية، وما تعرض له الداخل الايراني مؤخراً من هجمات اسرائيلية ضد مواقع عسكرية، من المفترض ان تكون محصنة.
في الخلاصة سيؤدي تفكك «تحالف مار مخايل» الى فتح الباب لتغيير التوازنات السياسية الداخلية وبما يصب في صالح التيار السيادي وانتخاب رئيس اصلاحي.