بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2021 06:39ص جبران باسيل، قائمقامية لا ترقى إلى مستوى الدولة

حجم الخط
لم يقنع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل اللبنانيين بسياديته عندما استعار تاريخ الرابع عشر من آذار لإعلان ما أسماه الورقة السياسية، ولم ينجح بتسوّل عطفهم لتبرئة الذات باجترار الحديث عن معاناة التيار جراء سقوط النظام بأخلاقياته السياسية، وتعطّل آلياته الدستورية وعجزه عن قيادة الدولة والمجتمع. كيف لا، وهم يمتلكون اليقين أنّه القابض مع حلفائه بقيادة حزب الله على النظام والدولة بكلّ مفاصلهما منذ الإنحراف الكبير الذي فرضته تسويّة الدوحة في العام 2008. ومن خلال التماهي بتاريخ انطلاق ثورة الأرز حاول «ناسك البترون» ــ مع اعتذارنا على الإستعارة من ناسك الشخروب ــ وضعنا أمام رؤيته الثاقبة في بناء الدولة المنشودة من خلال جملة من الأفكار هي ليست في الواقع أكثر من إلتفاف متذاكٍ على أسّس الدستور اللبناني في بناء الدولة.

لم ترقَ الورقة السياسية لباسيل إلى مستوى المسؤولية في مقاربة الأزمات التي يعيشها لبنان ، وهي لم تمثل سوى محاولة للهروب إلى الامام، ولم تعبّر سوى عن مزيد من الإنحدار الأخلاقي والوطني في مستوى الحكام وعن مزيد من التخبط والضياع، في خضم تحالفات تهدّد بابتلاع مهندسيها وبالغاء لبنان. في ورقة باسيل قسم مخصص لمواطنيه، في وطن انحدر إلى مستوى قائمقامية، وقسم مخصّص لحزب الله من خلال تقديم ما يؤكّد إلتزام الولاء والطاعة.

أ- في الخطاب الموجّه لمواطني القائمقامية: 

يمزج الوزير باسيل عن قصد بين مفهوميّ الميثاق والصيغة، مؤكّداً على دولة الطوائف، ومتنكّراً للدستور اللبناني الذي كرّس الميثاق (لا شرق ولا غرب) وحافظ على الصيغة في المرحلة الإنتقالية التي يجب أن تنتهي مع تطبيق المادة 95 من الدستور لبلوغ الدولة المدنية، وأنّ الثغرات الطائفية ما هي إلا نتيجة مباشرة لعدم تطبيق الدستور.

أما في فلسفة الإنتماء فقد إلتف باسيل على انتماء وهويّة لبنان العربية المكرّسة في الدستور. ذهب باسيل في فوضى أفكاره إلى التسويق لتحالف الأقليات تحت مسمّى 

المشرقيّة ــ التي تتكرر في أدبيات التيار ــ والتي هي (برأيه) السبيل الأفضل للمواءمة بين الهويّة والوجود، حيث وصفها «بأنها حضن حضاري وثقافي يسعى التيار لتحويلها إلى حاضنة جغرافية حسيّة لتأخذ مع الوقت شكل الكيان الإقتصادي المتكامل مع الفضاء العربي دون التناقض معه».  لم يوضح باسيل هل يقصد الهوية الطائفية أم الهوية الوطنية، ولكنه قال بكل وضوح أنّ وجود مواطنيه مهدّد بسبب تهديد الهوية الدينية، لذلك فإنّ الأمان لهذه الهوية هو في الذهاب الى الفضاء المشرقي الذي تسكن إليه الهويات الدينية، وضرورة تحويله إلى كيان جغرافي. لم يهتم باسيل بإعلامنا من هي الطوائف والمجموعات الأقلويّة التي تشاركه هذا الهاجس والراغبة في الإنضمام إلى الكيان المشرقي.

أما على صعيد القائمقامية اللبنانية التي تقزّمت أحلام باسيل بإدارتها، فقد تجاوز باسيل كل المؤسسات الدستورية مسقطاً أي ضررورة لوجود حكومة أو وزارات خدماتية مقدّماً النموذج لقيام لامركزية إدارية ومالية موسّعة، كنظام يحفظ وحدة لبنان ويحميه من أي تفكك، ويساعد على إنمائه بما يتلاءَم مع متطلبات مكوّناته المجتمعية. هذا ولم يتورع باسيل عن اقتراح إنشاء صندوق إئتماني يدير أصول الدولة (القائمقامية) ويملك جزءاً منها، دون المسّ بحق الدولة السيادي عليها، وذلك بهدف تأمين الخدمة السويّة لكلّ المواطنين وحسن استثمارموارد الدولة وثرواتها.  

ب – في الخطاب الموجّه لحزب الله:

 أسقط باسيل من ورقته السياسية، هو المرشح لرئاسة الجمهورية ورئيس الكتلة النيابية الأكبر، كلّ ما 

يمتّ للسياسة الدفاعية الوطنية والتحالفات التي تمليها المصلحة الوطنية، مكتفياً بدور القائمقام الذي

انحصر إهتمامه بطمأنة الباب العالي. أكّد باسيل أنه لا يرى ذلك  إلا من بوابة ورقة التفاهم مع الحزب

ومراجعتها بما يضمن «حماية لبنان من أي عدوان خارجي عن طريق إستراتيجية دفاعية يتّفق عليها بين

الطرفين أولاً، ومع كلّ اللبنانيين ثانياً، الى أن يتم فكّ الحظر عن تزويده بالأسلحة اللازمة، والى أن يحلّ السلام 

المأمول. وقد طمأن باسيل مواطنيه في القائمقامية أنّ «غاية التفاهم مع حزب الله أن يكون السلاح جزءاً من 

الدولة يشعر اللبنانيون بالقوة من خلاله، دون الخوف منه، وبمعنى آخر أنّ جيش القائمقامية هو جزء 

من جيش الباب العالي محاولاً التسويق لتجربة  الحشد الشعبي في العراق.

أما في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية فقد أكدّ باسيل على تحييد لبنان وفق مقاربة ضبابية تضرب عرض الحائط  مقدّمة الدستور وعلاقات لبنان بالشرعيتين العربية والدولية وتتحدث عن عدم انغماس لبنان في قضايا لا ارتباط له ولمصالحه بها دون أن ندري من يحدّد هذه المصالح أو القضايا. باسيل الذي قال  أنّ هذا المفهوم لا يعني إلغاء دوره أو حياده عن القضايا التي تطاله وتضرّ بمصلحته أو تلك المتعلّقة بالصراع مع إسرائيل، جانب تحديد من هي الجهة المخولة بالتعامل مع هذا الصراع .

يجسّد الوزير باسيل دورالقائمقام بامتياز في زمن القائمقاميات اللبنانية  بنسخة القرن الواحد والعشرين، لينضم بذلك إلى أقرانه الذين يخافون والي الشام ووالي عكا ولا يقاربون والي مصر إلا بإذن الباب العالي، فاستكانوا وتحوّلوا الى مجموعة من المقاطعجية لا يقاربون الحكم والسلطة إلا بما يسمح به الصدر الأعظم وبعد مراجعته.

فهل يقتدي آخر القائمقامين في  لبنان بالتجربة ويدرك أنّ لبنان المتصرفية لم يكن سوى مشروعاً لتقاسم النفوذ بين الباب العالي والدول الكبرى. 





* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade

khaledhamade@rfcs-lb.org