بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آب 2022 12:15ص حاجة لبنان للترسيم وليس لقواعد اشتباك جديدة

حجم الخط
عشية اجتماع الرؤساء الثلاثة عون وبري وميقاتي مع الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين في القصر الجمهوري في الاول من آب عرض حزب الله على شاشة المنار شريطاً مصوراً يظهر فيه سفناً خاصة باستخراج الغاز من منطقة حقل «كاريش» للغاز والذي يقع جنوب خط 23، الذي يجري التباحث عنه كحد فاصل للحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. وحذر الشريط اسرائيل من ان «اللعب على عامل الوقت» في عملية ترسيم الحدود البحرية سيؤدي حتماً الى تصعيد عسكري لا تحمد عقباه.
دخل لبنان في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل برعاية اميركية منذ ما يزيد عن عقد كامل، ويبدو واضحاً بأن المواقف التي عبّر عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والمترافقة مع ارسال طائرات مسيّرة فوق حقل «كاريش» لن تخدم المفاوضات الراهنة التي يقودها الوسيط الاميركي بين اسرائيل ولبنان، والتي وصفت بأنها جدية، وتدعو للأمل بإمكانية التوصل الى حل مقبول قبل بداية شهر ايلول المقبل، ويخشى في ظل المواقف الجديدة التي عبّر عنها السيد نصر الله، والتي تراجع فيها عن دعم الحزب للعملية التفاوضية التي يقودها الرئيس عون، الامر الذي يعني نقضاً كاملاً لوعد الحزب بدعم الموقف اللبناني في المفاوضات وبالتالي «الوقوف خلف الدولة».
اللافت في الامر بأن هذه التطورات «السلبية» في مواقف الحزب تأتي في وقت تحدثت فيه الاوساط الرسمية اللبنانية المتابعة للمفاوضت عن وجود اجواء ايجابية بقرب التوصل الى تفاهمات عملية وواقعية تؤدي الى حل، يمكّن لبنان من الحصول على حقوقه في الثروات الغازية الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، مع ضمانات بتسهيل عمل الشركات في جميع المناطق الموازية لخط ترسيم الحدود. لا شك ان حزب الله قد ربط توقيت بث الشريط المصور من قبل المسيرات التي ارسلها فوق «كاريش» مع زيارة هوكشتاين للبنان وتحديداً قبل ساعات معدودة من اجتماعه مع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا. يضاف الى ذلك ان التعليق الذي رافق الشريط، والقراءة التي قدمتها بعض التعليقات والتحليلات تظهر جيداً بأن الحزب قد اراد توجيه رسالة تهديد لاسرائيل بأن حقل «كاريش» والسفن العاملة هي في مرمى صواريخه، وهذا ما يؤشر اليه فعلياً التحديد الفعلي لإحداثيات نقاط تواجد السفن العاملة في الحقل.
لكن من المؤسف بأن المسؤولين اللبنانيين يلتزمون الصمت تجاه قواعد الاشتباك الجديدة التي يعمل حزب الله على وضعها موضع التنفيذ، والتي تشبه الى حد بعيد المقاربة التي اعتمدها في تطويره لقواعد الاشتباك الخاصة بمزارع شبعا، والتي دأبت على ان تكون تحت «عتبة» اندلاع اشتباك كبير يؤدي الى حرب على غرار حرب 2006. ويبقى من المثير للعجب بأن بعض المصادر الحكومية البارزة والقريبة من المفاوضات مع الاميركيين ترى بأن اعمال حزب الله، سواء لإرساله المسيرات الثلاث او بثه للشريط على شاشة المنار قد تخدم المصلحة اللبنانية في المفاوضات، من خلال الضغط على الموقف الاسرائيلي او الوسيط الاميركي.
في رأينا يمكن ان نشجع هذه الازدواجية في الموقف الرسمي لحزب الله على القيام بمزيد من التحرشات العسكرية باسرائيل، انطلاقاً من سكوت المسؤولين اللبنانيين في المفاوضات عنها، او من قناعته بأن اسرائيل لا تريد الحرب في ظل الظروف السياسية الراهنة، ووجود رئيس حكومة مؤقت، مكلف بمهمة الاعداد لانتخابات جديدة.
يمكن ربط سياسة التصعيد والرفض التي بدأ باعتمادها حزب الله تجاه المفاوضات بالتطورات الاقليمية الجارية، وايضاً بتعقيدات الوضع الدولي، وخصوصاً بتعقيدات المفاوضات النووية من جهة وبنتائج الحرب في اوكرانيا، واتجاه روسيا جدياً الى قطع امدادات الغاز الى اوروبا، وامكانية التعويض عن 20 في المائة من هذه الامدادات من خلال الغاز في شرقي المتوسط، وتحديداً من كل من اسرائيل وقبرص.
في الواقع في التوقيت والمضمون والاهداف تطرح سلوكيات حزب الله السياسية والعسكرية تساؤلات عديدة حلو مدى ادراكه ونواياه لمدى حاجة لبنان الملحة لحل النزاع مع اسرائيل في ما يعود لترسيم الحدود البحرية، وبالتالي المباشرة بالعمل بجدية وفعالية لاستخراج الغاز، وتسويقه للحصول على التدفقات المالية اللازمة للسير قدماً في خطة التعافي الاقتصادي وبالتالي اعادة بناء البنى التحتية الاساسية وخصوصاً في مجال الكهرباء والمياه والمواصلات. والتي قد تتطلب ما يقدر بعشرين مليار دولار خلال فترة خمس سنوات.
ان الاستمرار بالسلوكية الراهنة للحزب لن يخدم لبنان، بل يصب في مصلحة ايران، ومخططاتها الاقليمية وخصوصاً في سوريا وفي فلسطين، كما انه يشكل تحدياً للدور والنفوذ الاميركي في المنطقة، وهو يأتي دون شك في اطار الرد على العقوبات الاميركية المفروضة ضد طهران.
من المفروض ان يدرك المسؤولون في لبنان اهمية عامل الوقت للاستفادة من ثروتهم النفطية، والتي تفترض ايضاً ايجاد الاسواق اللازمة لبيع الكميات المنتجة، مع الاخذ بعين الاعتبار عملية نقل هذه الكميات الى الاسواق الاوروبية، والتي لا يمكن ان يقوم بها لبنان منفرداً، ولكن من خلال المشاركة في «كونسوسيوم» اقليمي او دولي، مع الادراك بأن هناك خطة يجري بحثها في انشاء انبوب لنقل الغاز من شرقي المتوسط الى اوروبا. وتشارك فيه كل من اليونان وقبرص واسرائيل ومن المرجح ان يضم مصر.
تدعو الضرورة البحث عن توافق وطني لخطة طويلة الأمد حول موضوع استثمار الثروة النفطية، انتاجاً وتسويقاً واستثماراً للاموال الناتجة عن هذه العمليات، ومن الواجب اشراك كل القوى السياسية في رسم هكذا خطة، ومن ضمنها حزب الله، مع ايجاد كل الضوابط اللازمة، من اجل التزام الجميع بتحقيق حسن تنفيذ هذه الخطة.
لم يعد من الممكن اضاعة الوقت لتجارب من النوع التي مرت على لبنان واللبنانيين، والتي ادت الى هذا الانهيار الكبير الذي نشهده منذ عام 2019، والذي تتعمَّق اثاره ومفاعيله يوماً بعد يوم.
بات من الملح والضروري ان تتحلى جميع القوى اللبنانية بالعقلانية والحكمة، وبالتالي اجراء مراجعة هادئة للسياسات والسلوكيات التي اتبعها اللبنانيون وخصوصاً حزب الله منذ خروج اسرائيل من لبنان في ايار عام 2000، وأن يدرك الجميع مدى خطورة الاستمرار في ربط لبنان بالاجندات الخارجية سواء كانت ايرانية او سورية او اميركية او تركية او فلسطينية.
ليدرك الجميع مدى اهمية موضوع تحييد لبنان عن كل الصراعات في المنطقة، والالتفات لخدمة البلد من خلال استعادة الاستقلال والسيادة، كخطوة اساسية على طريق اعادة بناء الدولة الفاعلة والقادرة على حماية الارض والشعب.
كفى ازمات وركوب المغامرات، وعلى الجميع ان يدركوا بأن الشعب قد سئم الحروب واصابه القرف من الفساد والفاسدين، وهو توّاق لاستعادة أمنه واستقراره ومصادر رزقه.