بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آذار 2021 07:15ص حذار الاغتيالات والدفع نحو الفتنة

حجم الخط
أثمرت عملیة الابتزاز السیاسي التي أطلقها رئیس التیار الوطني الحر جبران باسیل في مؤتمره الصحفي الأخیر، والتي تحدث فیها عن نیة التیار لاجراء مراجعة لتفاهم «مار مخایل» مع حزب لله، بدفع السیّد حسن نصر لله الأمین العام للحزب إلى إعلان مواقف جدیدة داعمة للرئیس عون في مسعاه لترویض الرئیس المكلف سعد الحریري وتطویقه واجباره للخضوع لمشیئته كلاعب أساسي في تشكیل حكومة، یمتلك فیها «الثلث المعطل»  والذي یمكن استعماله في معركة رئاسة الجمهورية المقبلة «كحصان طروادة»، والذي يكمن أن يستعمله جبران باسيل لتحقیق اختراق عمیق في صفوف معارضي تسلقه لموقع الرئاسة.

نعم أدت عملیة الانقلاب السیاسي المتعدد الأبعاد التي قادها السیّد حسن نصر لله في خطابه بمناسبة یوم الجریح إلى تغییر قواعد عملیة تشكیل الحكومة الجاریة منذ ما یزید على خمسة أشهر، كما اطاحت بالمبادرة الفرنسیة بشكل كامل ونهائي، الأمر الذي تلقفه الرئیس میشال عون، لإنهاء مسرحیة تشكیل الحكومة الطویلة بمشهد «شكسبیري» كان ضحیته الرئیس المكلف وحكومته العتیدة. 

یأتي هذا المشهد الدرامي الذي شهدته باحة قصر بعبدا یوم الاثنین الماضي كنتیجة متوقعة لخطاب السیّد حسن نصر لله وانحیازه إلى معسكر الرئیس عون، والذي أدى إلى إخراج عملیة تشكیل الحكومة من اطرها السیاسیة والدستوریة، وبالتالي القفز فوق كل التوازنات الوطنیة التي كرستها مواد الدستور والأصول والأعراف التي أرساها اتفاق الطائف. ولا یمكن في هذا الإطار القفز فوق الدور البارز الذي لعبه «جهابذة الفتاوى العبثیة» في القصر الجمهوري. 

لا یمكن ان نتكلم بعد یوم الاثنین عن صعوبات أو عقبات تقلیدیة تؤخّر تشكیل الحكومة،  بالرغم من المصاعب المتراكمة التي یواجهها النّاس. فقد دفع الرئیس عون بعملیة التشكیل نحو الحائط المسدود، ویكون بالتالي قد سدّ الطریق امام جمیع المخارج الممكنة لاستئناف الجهود والمبادرات لتشكیل الحكومة الإصلاحیة والتي یطالب بها الغرب والدول العربیة على حدّ سواء.

أدى العجز المتمادي للقیادات اللبنانیة عن التوافق على تشكیلة حكومیة، من الاختصاصیین غیر الحزبیین إلى إثارة قلق المسؤولین الأمیركیین حیال التطورات الجاریة في لبنان، وعجز القیادات فیه عن التعامل بنوایا حسنة، من أجل وقف التدهور الاقتصادي والمالي، والذي بات یُهدّد بانفجارات أمنیة، قد تقود إلى حرب أهلیة جدیدة، وفق الرؤیة التي حذر منها السیّد نصر لله مؤخراً. وذهب وزیر الخارجیة الفرنسي، وهو في طریقه لحضور اجتماع وزراء خارجیة الاتحاد الأوروبي إلى قراره لعرض تبعات الأزمة اللبنانیة على المجلس، محذراً من إمكانیة الانهیار الكامل للجمهوریة اللبنانیة، مع كل مؤسساتها الدستوریة، الأمر الذي لا یمكن التعامل معه بخفة أو بحالة من اللامبالاة اوروبیاً ودولیاً.

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى المفارقة الكبرى بین ما یظهره الأشقاء والأصدقاء من هواجس حول مصیر الدولة في لبنان، وحول لقمة عیش وكرامة الشعب اللبناني الذي یتعامل معه العهد وتیاره السیاسي، «الطیش السیاسي» وبین حالة اللامبالاة و مدعوماً من حلیفه حزب لله من أجل تعویم جبران باسیل، كالمرشح الأوفر حظاً للرئاسة المقبلة.

على الصعید الداخلي، حسناً فعل الرئیس المكلف بكشفه عن الحقائق التي رافقت جهوده لتشكیل الحكومة العتیدة، وخصوصاً كشفه عن لائحة التشكیلة الكاملة التي تقدّم بها للرئیس عون قبل مئة یوم، دون ان یناقشه في إمكانیة تعدیلها، حیث كشف بذلك عن الاتهامات الباطلة التي ساقها الرئیس عون بالكذب من خلال تسریب تسجیل من القصر الجمهوري، أظهرت المعلومات المؤكدة باللائحة المكتوبة التي كشفها الحریري حقیقة المكائد التي حیكت ضده من قبل دوائر القصر، والتي بدأت بتأجیل الاستشارات النیابیة من قبل الرئیس، وبتوجیهه نداءً للنواب لتحذیرهم من خلال خمسة أشهر «مخزیة» تسمیة الحریري، مع كل ما تبع ذلك من مناورات كاملة.

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى ان تحسس الشریحتین، الشیعیة المستقلة، والمؤیدة لخطر الضائقة المعیشیة، ومخاوفهما من شبح المجاعة، الذي بات ، «أمل» لحركة یدق أبواب أكثریة العائلات اللبنانیة، لم یلق اي اهتمام من قبل حزب لله وحلیفه التیار الوطني الحر. وكان من الطبیعي ان تتجاوب قیادة الحركة والرئیس برّي مع  صرخة بیئتهم، التي سبق ان تظاهرت في الضاحیة بسبب انهیار سعر اللیرة، وفقدان المواد الأساسیة المدعومة من السوق، وذلك على عكس ما فعله رئیس الحزب التقدمي الاشتراكي ولید جنبلاط، والذي یبدو أنه قد رأى في خطاب نصر لله مقدمة لتوترات مقبلة، قد تقود إلى احتمال تكرار احداث 7 أیّار جدیدة، فآثر تغییر تحالفاته من خلال التوجه إلى بعبدا، لطرح مبادرة تصالحیة مع العهد وحلیفه حزب الله.

سیكون من الصعب جداً تجاوز ما حدث یوم الاثنین في القصر الجمهوري، حیث باتت أیة تسویة للخلاف الحاصل بین عون والحریري أشبه بالمهمة المستحیلة، الأمر الذي توقعه نصر لله في خطابه الأخیر حیث طرح خیار تعویم حكومة حسان دیاب للاستمرار إلى نهایة العهد.

في ظل المأزق السیاسي الذي تواجهه البلاد نتیجة تعنت وعناد الرئیس عون في خیاراته لتأمین مصالح صهره الضیقة، یبدو جلیاً بأن الأجواء للمرحلة المقبلة، هي أشبه ما تكون بالمرحلة التي جرى فیها إقرار مجلس الأمن للقرار 1559 والذي أدى إلى مأزقین سیاسي وأمني قضى باغتیال الرئیس رفیق الحریري، وخروج الجیش السوري من لبنان مع كل ما تبع ذلك من حرب 2006 ، ومن احداث هزّت أساس الكیان، كما تسببت بحالة من الفلتان والفساد وادت إلى إفلاس البلاد والعباد.

تدعو الظروف التي سیولدها مأزق استحالة تشكیل حكومة إصلاحیة داخلیاً، وما سیرافقها من ضغوط خارجیة دولیاً وعربیاً إلى التحذیر من الانزلاق إلى مسلسل جدید من الاغتیالات السیاسیة، وبالتالي التحضیر لفتنة جدیدة، على غرار ما تحدث عنه السیّد واعتباره بأن ادواتها متوافرة لدى اللبنانیین.

في النهایة، حسناً فعل سعد الحریري بقلبه الطاولة ورفضه هذا الانقلاب المباشر على دستور الطائف، مع محاولة العودة بالممارسة إلى دستور الجمهوریة الأولى، عند رئیس الجمهوریة. «باش كاتب» بحیث یعود رئیس مجلس الوزراء في نهایة المطاف، لا بدّ ان تستكمل الثورة مسارها على ان یتقدّم شعاراتها مطلب استعادة السیادة الوطنیة، بالإضافة إلى مطلب استقالة الرئیس عون، مع ضرورة التفاف الأكثریة الشعبیة حول مبادرة البطریرك الراعي وتزخیمها لتجد طریقها نحو مجلس الأمن وعواصم القرار لاعلان حیاد لبنان، وعقد مؤتمر دولي یُعید تثبیت أسس الدولة الدیمقراطیة المدنیة.