بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تشرين الأول 2018 12:11ص حكومة العشائر السياسية

حجم الخط
يبدو بأن مخاض ولادة حكومية مقبولة من جميع الأفرقاء السياسيين قد قارب نهايته وأن كل المناورات المستمرة من قبل القوات اللبنانية هي بقصد تحسين مواقعها في الحكومة العتيدة، تؤخر وتعرقل صيغة تشكيل الحكومة الجامعة، وبأنه بات من المتوقع أن تصبح التشكيلة جاهزة في نهاية هذا الأسبوع أو خلال الأسبوع المقبل كأبعد حد. 
أما تمثيل نواب السنة من 8 آذار، والتي تشكل العقدة التي جرى استحضارها في ربع الساعة الأخير، فهي تذكرنا بـ «الوديعة» التي كانت تستحضرها المخابرات السورية لكسر ارجحية الموقف السني الداعم للرئيس رفيق الحريري، وهي ستجد حلاً لها من خلال حصول أحدهم على وزير دولة من هنا أو هناك. 
تجاوزت أزمة تشكيل الحكومة معظم الحواجز والعقبات، والتي هدفت في البداية الى ترويض الرئيس المكلف ودفعه الى القبول بتغيير قواعد اللعبة التي نص علها الدستور او الاعراف المتبعة في عملية التأليف، وخصوصاً لجهة دور كلٍّ من الرئيس المكلف ورئيس الجهورية وتوافقهما على تشكيل الحكومة. بدا واضحاً خلال هذه الفترة أن هناك نية واضحة لدى الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي لتعجيز الرئيس المكلف، ودفعه للتنازل عن بعض صلاحياته في قيادة عملية تشكيل الحكومة لصالح رئيس الجمهورية، وذلك بالضغط عليه من خلال الاجتهاد بأن التفويض المعطى له لا يمكن أن يكون مفتوحاً في الزمن، وبأن بإمكان رئيس الجمهورية أن يتوجه الى المجلس النيابي لطلب إعادة النظر فيه. 
وترافقت هذه المرحلة مع جهود سياسية مكثفة بذلها رئيس التيار الوطني الحر من اجل تحقيق مكاسب سياسية واضحة على حساب كل القوى الأخرى المرشحة لدخول الحكومة، وخصوصاً القوات اللبنانية التي تشكل الفريق الأساسي المنافس له. وتوسعت هذه الجهود في محاولة واضحة لجعل التيار في موقع الحزب الحاكم، المهيمن على المسار السياسي للدولة. أما المرحلة اللاحقة والأخيرة، فإنه يمكن وضعها في إطار المسارات التقليدية التي اتبعتها عمليات تشكيل الحكومات السابقة سواء لجهة توزيع الحقائب وتحقيق المكاسب السياسية او المالية من خلال الحصول على وزارات سيادية او خدماتية «دسمة».. يبدو باننا قد دخلنا في المراحل النهائية لهذا التهافت على الوزارات من قبل مختلف القوى، وبأن صيغة التوزيع شبه النهائية باتت متداولة ومقبولة. 
تصرفت مختلف الأحزاب والتيارات الساعية الى دخول الحكومة وكأنها قبائل او عشائر، لا تملك أي أيديولوجية سياسية أو أي برامج سياسية او اقتصادية او اجتماعية تسعى الى تحقيقها من خلال موقعها في الحكومة. واستندت جميعها في مواجهتها مع بعضها البعض على حجم القاعدة الشعبية التي دعمت مرشحيها في الانتخابات الأخيرة انطلاقاً من قاعدة الولاء الكامل للزعامة العشائرية التي تصطف خلفها، وذلك على أساس التبعية العمياء، بعيداً عن أي مضمون أيديولوجي او سياسي. 
مع الأمل ان تصل عملية تشكيل الحكومة الى خواتيمها السعيدة قريباً بصدور المراسيم الخاصة، وبأخذ الصورة التذكارية وتبادل التهائي، لكن لن يعني ذلك بأنه قد أصبح للبنان ولعهد الرئيس عون حكومة متجانسة وقادرة على مواجهة الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والمالية الضاغطة. ما زال امام الحكومة مطبات عديدة أولها التوافق على بيان وزاري، ينص على مبدأ تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، ويتضمن رؤية اقتصادية واجتماعية قادرة على حل كل الأزمات المجمدة التي يعاني منها لبنان منذ سنوات، بما في ذلك حل مشاكل الكهرباء والنفايات والتلوث، وإعادة بناء الطرقات والبنى الأساسية الأخرى. يتطلب وضع وإقرار مثل هذه الرؤية تبدلاً اساسياً في المقاربات المعتمدة من قبل مختلف القوى السياسية المشتركة في الحكومة وبالتالي التخلي عن عشائريتها، وسلوكيتها لخدمة مصالحها الخاصة على حساب مصلحة الوطن. 
من المؤكد أن التناقضات والمناوشات بين ألعشائر ستلقي بتساقطاتها «السامة» على عمل الحكومة وستعطل اداءها العام. 
وستؤدي الممارسة القبلية والعشائرية السائدة الى استرجاع ما انتجه الأديب الإنكليزي جورج اورويل، ليس فقط في روايته «مزرعة الحيوانات»، ولكن أيضاً في المقالة التي كتبها في نهاية الحرب العالمية الثانية والتي تحدث فيها عن» معنى وقيم الوطنية» والتي رأى ضرورة وضعها فوق كل معايير الخير والشر، بحيث تتقدم مصلحة المجتمع والأمة على المصالح الخاصة، وبذلك تصبح الأولوية للمصلحة العامة وعلى حساب المصالح الشخصية. في ظل ما شهدته عملية تشكيل الحكومة من مناوشات ومواجهات بين «العشائر» السياسية، وتسخير وسائل الإعلام كلها لنصرة هذه العشيرة أو تلك، فإنه من غير المتوقع أن تغير القوى السياسية في سلوكياتها في تعاطيها شؤون الحكم، بحيث تتقدم المصلحة الوطنية على حساب المصالح الخاصة. 
من هنا فإن كل الطروحات الإصلاحية بدءاً من محاربة الفساد، ومروراً بالإصلاحات اللازمة لتأمين الخدمات الضرورية ووصولاً الى النهوض الاقتصادي هي مرشحة للضياع والإهمال، تحت اقدام هجمة «العشائر» لتحقيق مصالحها الخاصة، على حساب «العهد» ولبنان.