بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 شباط 2023 12:38ص خارطة طريق لإخراج لبنان من عين العاصفة

حجم الخط
لم يصدر عن اجتماع باريس الخماسي، الذي انعقد في 6 شباط لتدارس الوضع اللبناني والذي حضرته فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر، أي بيان رسمي، وبما يؤكد بأن صيغة الاجتماع كانت تشاورية، ومن اجل تبادل الافكار عما يجب على اللبنانيين ان يفعلوه لكي يساعدوا بلدهم للخروج من ازمته المتفاقمة، والتي باتت تهدد بانهيار كامل لدولتهم ولنظامهم السياسي.
لم يكن من المتوقع منذ الاعلان عن عقد هذا الاجتماع ان يكون تقريرياً بل استشارياً لتبادل الافكار حول المقاربات الممكنة لحث الافرقاء اللبنانيين على التعقُّل والحوار لتسهيل عملية انتخاب رئيس للبلاد كخطوة اساسية على طريق تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على بدء عملية اجراء اصلاحات بنيوية في مؤسسات الدولة، وفي الاقتصاد والمالية العامة والنقد.
جاءت نتائج اجتماع باريس لتؤكد على نتائج اجتماع نيويورك الذي انعقد على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة، والذي عقد بمشاركة اميركية وفرنسية وسعودية في 22 ايلول 2022، حيث تركزت نتائجه على حث القوى السياسية اللبنانية على انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل الدستورية، مع تأكيد حرص هذه الدول والمجتمع الدولي باستقرار لبنان، مع تكرار لازمة ضرورة اجراء اصلاحات بنيوية، كان قد جرى تحديد عناوينها في المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ماكرون، إبان زيارته للبنان في اعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، والتي عاد وجرى التأكيد على القسم الاكبر منها في مباحثات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي.
لم يكن من المتوقع اطلاقاً ان يطلق المجتمعون في باريس اية مبادرة رئاسية، على غرار ما جرى في المرات السابقة، وخصوصاً في عام 2008، والتي عادت وأثمرت في اجتماع الدوحة بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان، كمدخل من اجل لملمة نتائج الانفجار الامني الكبير الذي حدث في بيروت بعد احتلال ميليشيات لبنانية وعلى رأسها حزب الله لمدينة بيروت واجزاء من جبل لبنان.
كان من الواضح في الفترة التي سبقت اجتماع باريس بأن باريس وواشنطن والرياض قد ابلغت الى السياسيين اللبنانيين وبواسطة سفرائها في بيروت بأنها لن تدخل في لعبة اسماء المرشحين، وبأن ابعد ما يمكنها القيام به هو التشديد على تكرار توصية بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن، وبأنه لا يمكن للبنان توقع الحصول على اية مساعدات مالية قبل انتخاب رئيس وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وفي رأسها قطاع الكهرباء، والتي يبدو انها باتت تواجه عرقلة دولية مقصودة لجهة الحصول على قرض من البنك الدولي لشراء الغاز المصري او لاستجرار الكهرباء من الاردن عبر سوريا.
تنطلق واشنطن وباريس والرياض من موقف عدم الدخول في وحول لعبة اسماء المرشحين من قناعتها بأن مصالحها مع لبنان ستبقى مؤمنة كائناً من يكن شخص الرئيس الجديد، كما انه من المستبعد ان يرتكب الرئيس الجديد الاخطاء التي ارتكبها الرئيس عون والتي ادت الى فرض عزلة خليجية على لبنان، أدت الى منع زيارة الرعايا العرب والى وقف كل المساعدات والاستثمارات الخليجية باتجاه لبنان.
لكن يبدو من معلومات المصادر المتتبعة لمجريات مؤتمر باريس بأن اهتمام المؤتمرين قد انصب على ضرورة الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، وذلك من خلال التأكيد على الدور الكبير الذي يلعبه الجيش والقوى الأمنية، وعلى ضرورة استمرار المساعدات المالية والعينية التي تؤمن استمرارية فعالية هذا الدور الحيوي.
يؤكد ان عدم صدور اي بيان او توصيات عن المؤتمر، كما سبق وتوقعناه بأن انعقاد المؤتمر على هذا المستوى لا يمكن ان يقدم مقترحات عملية لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية واطلاق عملية اعادة بناء الدولة والقيام بالاصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة. ولا بد من انتظار حصول تطورات دولية واقليمية تضع لبنان على لائحة الاولويات، وبما يفتح الباب لإشراك ايران في البحث عن حل، وضبط حركة حزب الله السياسية في الداخل اللبناني، والتي حالت وتحول دون انعقاد فعلي للمجلس النيابي كهيئة ناخبة من خلال تهريب النصاب في الجلسات او من خلال الاقتراع بالاوراق البيضاء.
يبدو من نتائج اجتماع باريس، وقبله اجتماع نيويورك بأن زمن تقديم المساعدة اللازمة للبنان للخروج من ازمته المستفحلة لم يحن ولم ينضج بعد، لا بل هو مستمر في لعبة الوقت الضائع، التي بدأت منذ اجراء الانتخابات النيابية الاخيرة، وما تبعها من مناورات سياسية عقيمة ادت الى افشال كل الجهود التي بذلت من اجل افشال تشكيل حكومة جديدة، كما استمرت في عملية التسبب بشغور رئاسي مستمر وبما بات يهدد بقاء صيغة لبنان الموحد، حيث باتت تطرح صيغ الفيدرالية او اللامركزية المالية الموسعة، من قبل قوى سياسية وشخصيات واحزاب، طالما ادعت بانها «ام الصبي» في كل ما يعود للحفاظ على استقلال لبنان ووحدته وسيادته وكيانه.
يبقى الامل ان يستمر الاهتمام الدولي بلبنان، وان يثمر مؤتمر باريس باجراء مزيد من الاتصالات بين مجموعة الدول هذه، من اغتنام الفرصة المؤاتية لعقد مؤتمر جديد على مستوى وزراء الخارجية لوضع خارطة طريق تسهل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة قادرة على الشروع في العملية الاصلاحية المطلوبة.
يبدو بوضوح بأن وليد جنبلاط هو الوحيد الذي ادرك بأن زمن التسوية لم يحن بعد، ولذلك لا يمكن توقع اية خطوات ايجابية من مؤتمر باريس، وبأن عناصر الحل ما زالت في الداخل، ولذلك اطلق تحركه الاخير، في محاولة لكسر الجمود الحاصل في عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد، وذلك بالرغم من ادراكه ووعيه لصعوبة تحقيق اي اختراق في جدار الازمة السياسية الراهنة.
في رأينا ان جنبالط بحسه السياسي المرهف وادراكه العميق لكل عناصر وتعقيدات الازمة السياسية الراهنة قد اراد الايحاء عن مخرج عملي للازمة من خلال ثلاثة اسماء مرشحين وفي رأسها اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، والذي لا يمكن ان يشكل انتخابه انتصاراً لفريق على الافرقاء الاخرين، لكن تبقى الصعوبة في ايجاد المقاربة العملية لعقد جلسة نيابية بأكثرية 86 نائباً، بحيث تجري عملية الانتخاب في دورة واحدة. من هي الجهة القادرة على ذلك.
في اعتقادي لا بد من انتظار ما يجري الحديث عنه لجهة عقد اجتماع موسع للنواب المسيحيين برئاسة البطريرك الراعي، لدراسة امكانية القبول بمرشح من خارج البيئة السياسية، ويملك الكفاءة والتجربة لادارة عملية اعادة بناء الدولة المنهارة بكل المقاييس.
ويبقى الأمل في ان يدرك اصدقاء لبنان وخصوصاً كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية مدى اهمية رعايتهم لتسهيل انتخاب رئيس قادر على قيادة ورعاية موازين القوى الراهنة وتوظيفها في تحقيق الاستقرار السياسي والامني وفي ادارة ورشة النهوض الاقتصادي والاصلاح البنيوي لهيكل الدولة. وسيتطلب هذا الدور، دون شك، نجاح فرنسا في استعادة الحوار مع ايران ومع حزب الله، وفي دور دبلوماسي فعلي وجاد تلعبه قطر باتجاه ايران لاقناعها بسلوك طريق حل متوازن لمنع سقوط لبنان.