بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 حزيران 2023 01:14ص خصائص القوة الاقتصادية

حجم الخط
تعود الى الواجهة علاقة الصين بالولايات المتحدة والغرب عموما.  بالقوة الشرائية، في سنة 1950 كانت الصين تشكل 4.5% من الاقتصاد العالمي وأصبحت 18,6% في 2018. تدنى حجم اقتصاد أميركا من 27,3% في 1950 الى 15% في 2018.  هذا يخيف أميركا ويجعلها تقلق على قوتها. بعد تصنيف روسيا في الموقع المواجه مع الحرب الأوكرانية، ظهر دور الصين الى العلن كمنافس للغرب في كل شيء. اذا صنفت الصين كعدوة للغرب، تصبح المواجهة الغربية صعبة أي ضد «عدوين» قويين سياسيا وعسكريا في نفس الوقت. لا شك أن الصراع اليوم قوي بين الجبارين الأميركي والصيني.
قال المستثمر الديموقراطي «جورج سوروس» أن ترامب كان على حق في السياسة التي اتبعها ضد الصين أي المواجهة الجمركية.  قال «هنري كيسينجر» أن ليس للولايات المتحدة سياسة طويلة الأمد تجاه الصين، بينما كانت لها سياسات واستراتيجيات مدروسة جدا تجاه الاتحاد السوفياتي. يقول كيسينجر أن التفكير الصيني طويل الأمد وهذا مهم جدا.  لذا هنالك أسئلة متعددة يجب التفكير بها:
أولا: هل يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على تفوقها الاقتصادي والعسكري في ظل التحدي القائم مع الصين والحرب الأوكرانية؟  ماذا يقول المنطق؟  هل من مصلحة أميركا عمل كل ما يجب حفاظا على مصالحها الداخلية، أم التركيز على المواجهة الكبرى الطويلة الأمد مع الصين؟  هل يمكن للادارة الأميركية تبرير انفاقها العسكري المتزايد أمام الشعب الذي يعاني من مشاكل اجتماعية وصحية ومعيشية عدة؟  هل من مصلحة الصين أن تنفق الولايات المتحدة كثيرا على الدفاع وبالتالي تضر مصالحها الطويلة الأمد أي التعليم والبحث والتطوير؟  هل يمكن للولايات المتحدة أن تبني جبهة مواجهة عريضة ضد الصين وبالتالي تخفف عن نفسها؟  هل أوروبا واليابان وغيرهما مهتمون بجبهة كهذه؟
ثانيا:  هنالك صراع في الولايات المتحدة حول كيفية قيادة المواجهة مع الصين أي بصورة هادئة عبر الديبلوماسية أم قاسية عبر العقوبات والمقاطعة وصولا ربما الى المواجهة العسكرية.  حوّل ترامب المواجهة الى قاسية، ولم تستطع ادارة بايدن العودة الى الهدوء لأسباب سياسية وانتخابية داخلية. هنالك فارق كبير بين المواجهة الأميركية السوفياتية وتلك الحالية مع الصين. في الأولى كانت الحرب عقائدية أيديولوجية أي صراع النظامين الرأسمالي والشيوعي. أما الصراع الحالي مع الصين، فهو اقتصادي ويرتكز على طرق توسيع النفوذ دون المس بالعقائد. هنالك من يقول أن الصراع مع الصين مختلف، اذ تدخله أيضا الفوارق العرقية والدينية والحضارية التي لم تكن موجودة في زمن السوفيات.
ثالثا:  حاولت الولايات المتحدة اضعاف الصين عبر سياستين سابقتين لم تنجح بهما.  في الأولى حاولت ادارة أوباما افشال «المصرف الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية» في فترة 2014\2015، لكن حلفاء أميركا لم يتعاونوا.  حاول الرئيس ترامب منع الحلفاء من التعاون مع الصين في بناء طريق الحرير الجديدة، لكنه لم ينجح أيضا. الصين قوية ولها علاقات مباشرة وقديمة مع الدول الغربية لا يمكن قطعها.
ما هي نقاط القوة التي يتمتع بها اقتصاد الولايات المتحدة والتي تعزز موقعه في المنافسة مع الصين؟  تعتبر الولايات المتحدة مقر النجاح الفردي العالمي ليس فقط في الأعمال وانما أيضا في الرياضة والعلوم والأداب وغيرها.  توفر الجامعات الأميركية فرصا للابداع والتقدم والتجدد، كذلك الأمر بالنسبة لمعاهد البحوث والتطوير. ما زال النقد الأميركي الأهم في العالم حيث 41% من المبادلات التجارية والمالية مقيمة بالدولار مقابل 1% للنقد الصيني.
ما هي نقاط القوة التي يتمتع بها الاقتصاد الصيني؟  القوة التجارية مدهشة حيث 10% من الواردات العالمية هي الى الصين و 13% من الصادرات تخرج منها.  تنعكس القوة التجارية على السياسة وبالتالي تقوي الموقع الصيني عالميا. هنالك اليوم أكثر من مئة دولة تتبادل تجاريا مع الصين بضعف ما تتبادله مع الولايات المتحدة.  بالنسبة للولايات المتحدة، 13% من الواردات العالمية تأتي اليها ويصدر منها فقط 9% من مجموع الصادرات. المنافسة المهمة هي تجارية وتعتمد على حسن العلاقات مع الدول الأخرى.
تحتاج أميركا للصين في التمويل اذ أن الاقتصاد الأميركي يعاني من العجزين التوأمين أي الخارجي والداخلي وبالتالي تحتاج الولايات المتحدة دوريا للاقتراض من الخارج أي عمليا من دول الخليج كما من الصين وبعض الدول الأسيوية.  يمكن للولايات المتحدة أن تطبع الدولار لتمول نفسها، لكن هذا يضاعف التضخم الذي يؤذيها خاصة على المدى الطويل.  تحتاج أميركا للصين في استيراد السلع الجيدة الرخيصة محاربة للتضخم داخلها. كُلًّا من الدولتين يريد النجاح في السياسة والاقتصاد وغيرهما وهنالك فرص كبيرة للتعاون المستقبلي في الحفاظ على المناخ علما أن الخلاف الحالي ليس ايديولوجي وانما خلاف نفوذ ومصالح.
تحتاج الصين الى النمو القوي ليبقى الاستقرار الداخلي مستمرا مع الحفاظ على الحريات الموجودة.  ينعكس هذا النمو على النقد في قيمته وامتداده دوليا.  أما مشكلة الانحدار السكاني، فهي أصعب ومكلفة أكثر اذ ترتفع نسبة المسنين وتصبح تكلفة العناية الاجتماعية أكبر كما تخف نسبة الاستثمارات العامة لضرورة الانفاق على الحماية الاجتماعية.  هذا يعيق عملية النمو المستقبلي وهنالك مثال عليه هي اليابان مع فارق الوقت والهيكلية الاقتصادية والنظام السياسي.
من مصلحة الدولتين تطوير العلاقات الثنائية وصولا الى التفاهم العميق حول مختلف الأمور.  لأن مواقف الرأي العام هي علنية في أميركا أكثر منها في الصين ولأنها تتخذ بحرية أكثر، من مصلحة الصين الحفاظ على علاقات مباشرة جيدة مع قطاع الأعمال الأميركي الذي لم يدعمها حتى في أحلك الظروف أي ضد الضرائب الجمركية على الواردات الصينية وتقييد الصادرات الأميركية خاصة المتطورة تكنولوجيا. هنالك ضرورة للتسويق يجب أن تقوم بها الصين حماية لمصالحها.