بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 شباط 2020 12:00ص خطة إصلاحية لحكومة «التحديات»

حجم الخط
ما تواجهه حكومة حسان دياب من معضلات واستحقاقات هو كبير، ويبدو أن الأزمات المتلاحقة والمتشابكة قد اربكتها، وهذا ما يُؤشر إليه غياب بلورتها لرؤية شاملة للعملية الإصلاحية، وترجمتها بالتالي إلى خطة عمل تحتوي على جدول للأولويات، يبدأ بضرورة مواجهة أزمة إرتفاع الدولار في السوق الموازية للقطع، ووقف تساقطاتها المؤلمة على الأوضاع المعيشية للناس بعد ما ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بنسب تفوق الفارق بين سعر الدولار لدى السوق السوداء وسعره في المصارف.

يدرك الجميع أهمية تركيز الحكومة على البحث عن أفضل صيغة للتعامل مع استحقاق سندات «اليوروبوند» في إذار ونيسان وحزيران، ولكن يجب أن لا يعطّل أو يجمّد ذلك آلية قرارها لمعالجة الأولويات الأخرى، بما فيها حل أزمة تجميد أموال المودعين في المصارف وتقنينها بما يخدم مصلحة هذه المصارف أو على حساب كرامة المودعين والدورة الاقتصادية بكل قطاعاتها الإنتاجية.

تشكلت الحكومة ونالت الثقة، وانتظر الناس «دون جدوى» أن تأخذ الحكومة مجموعة من القرارات السريعة والمفاجئة، والتي ستكشل صدمة إيجابية على الأوضاع المالية والنقدية والمعيشية، ولكنها لم تفعل أي شيء حتى الآن، وهذا ما أدى إلى إنعكاسات سلبية على سعر الدولار وأسعار السلع الاستهلاكية. تتناسى الحكومة بأن فلتان سعر الدولار هو سرقة موصوفة لمداخيل طبقات الموظفين والعمال والفقراء، كما يشكل تهديداً مباشراً لمدخرات المودعين في المصارف، وسيؤدي بنتيجة الأمر إلى خفض قيمة جميع الودائع بنسبة تترواح ما بين 50 و60 في المائة.

من هنا تبدو أولوية أن تتجه الحكومة الآن ودون أي تأخير بحجة وضع خطة شاملة للإصلاح، للمبادرة إلى وقف ارتكاب هذه الجريمة المتمادية بحق جميع اللبنانيين، والتي يمكن أن تتسبب بتحول الانتفاضة الشعبية إلى ثورة عامة وانفجار اجتماعي لا يخلو من العنف، بما في ذلك استهداف الطبقة السياسية باشخاصها وممتلكاتها.

لا نريد هنا التهويل على الحكومة لدفعها على التعاطي مع الأمور بتسرّع وهلع، ولكننا نشدد على دعوتها لاتخاذ قرارات سريعة في القضايا الحياتية والملحة، وبما يفتح نافذة أمل حول قدرة هذه الحكومة على ضبط السوق المالية والنقدية، وبما يفتح المجال لاقناع الانتفاضة باعطائها الفرصة لبلورة خطتها الإصلاحية الشاملة للدولة، مالياً واقتصادياً وبنيوياً.

لنضع جانباً ما أوردته الحكومة في بيانها الوزاري الفضفاض من وعود لمعلاجة كل الأزمات والقصور الحاصل في إدارة الشأن العام منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، هذا مع اعتقادنا بأن البيان لا يتعدى كونه وثيقة انشائية، تضاف إلى أرث ومحفوظات البيانات الوزارية للحكومات السابقة، والتي لم ينفذ منها أي شيء، حيث تبقى أزمة الكهرباء المثال الأبرز على ذلك. من هنا تبرز أهمية أن تبادر الحكومة للتصدي لنتائج جريمة التلاعب بأسعار الدولار والسلع الاستهلاكية فوراً، ومن الضروري أن لا تربط ذلك بحل أزمة ديون «اليوروبوند» ونتائج مباحثاتها مع وفد صندوق النقد الدولي الذي سيصل إلى بيروت غداً الخميس، بطلب من الحكومة.

لا بدّ في سياق الحديث عن الأولويات التي يجب أن تجهد الحكومة على التعامل معها قبل فوات الأوان، أن نذكّر الرئيس دياب بضرورة العمل على تجميد الإنفاق على أساس أرقام الموازنة التي تبناها في المجلس النيابي والتي وقعها لاحقاً تمهيداً لتتحول إلى قانون، حيث يمكن أن يتحول الإنفاق ألى آفة تنسف كل الآمال باعتماد خطة إصلاحية للدولة وماليتها، من خلال زيادة الدين العام خمسة مليارات دولار إضافية نتيجة ما سيرتبه عجز الموازنة من ديون والتزامات على الخزينة العامة.

في السياق نفسه نجد ضرورة للتوقف عند الدعوة التي وجهت للوزراء في نهاية جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي للمباشرة في اعداد أرقام الموازنة للعام 2021، لنذكر الرئيس ميشال عون والحكومة بضرورة وقف التعامل مع الموازنة كجداول وأرقام تعادل ما بين الإنفاق والواردات، فالموازنة الجديدة يجب أن تكون مرآة تعكس الرؤية الاصلاحية التي وعدت الحكومة ببلورتها وتنفيذها، بحيث تعالج كل المشاكل البنوية في الاقتصاد وفي البنى التحتية وفي اعادة هيكلة الدولة، خصوصاً لجهة معالجة التضخم في اعداد موظفيها وإلغاء كل الوحدات التي لا وظائف لها سوى زيادة هدر المال العام، بما فيها العديد من المجالس والوزراات والهيئات.

من المفترض أن تسير خطة البناء الجديدة للدولة وبناها الأساسية بالتوزاي مع عملية محاربة الفساد المستشري في جسم الدولة على المستويين السياسي والاداري، مع ما يستلزم ذلك من تشريعات وإجراءات ادارية وبناء الهياكل الجديدة لزيادة الانتاجية بما في ذلك تعميم مفهوم الدولة الإلكترونية، والتي تساهم في تسهيل التفاعل بين الدولة والمواطنين كما تساهم في الحد من العرقلة وتفشي الرشوة.

مع تقدم مسيرة بناء الدولة وعملية محاربة الفساد، ومع تقدّم مشروع الإعداد لانتخابات مبكرة، يمكن الشروع باعداد كل التشريعات والقواعد اللازمة للبدء في خضخضة عدد من المؤسسات المملوكة من القطاع العام وأبرزها: طيران الشرق الأوسط، شركات الاتصالات، الكازينو، مؤسسات انترا، والمرفأ والمطار ومصالح المياه وغيرها، وذلك من خلال تحويلها الى شركات مساهمة، يشارك فيها المواطنون، مع الإبقاء على حصة راجحة للقطاع العام.

يبقى للقضاء دوره الأساسي في نجاح المشروع الاصلاحي العام، حيث يرتبط عامل النجاح أو الفشل بوجود قضاء نزيه وفاعل ومستقل، وهنا تبرز الحاجة لعملية تنزيه القضاء وتحريره من النفوذ السياسي، وذلك عن طريق جعله سلطة مستقلة بالكامل.

لا يمكن أن ينجح أي مشروع إصلاحي في غياب مشروع الدعوة لإعادة تكوين السلطة من خلال انتخابات مبكرة، تفتح الباب أمام ضخ دماء فتية في المجلس النيابي، وفي تكوين السلطة التنفيذية. ولا تتوقف العملية الاصلاحية السياسية على اجراء الانتخابات النيابية المبكرة، بل يجب أن تجهد الحكومة للتخلص من تهمة بأنها حكومة «حزب الله» وذلك في محاولة لتحرير كل خطوط التواصل بينها وبين الدول العربية والمجتمع الدولي، وبالتالي فتح الباب لحصول لبنان على المساعدات والقروض الميسرة اللازمة للنهوض، واستعادة النمو.

لا بد في الإطار السياسي العام دعوة الحكومة إلى تطبيق سياسية التحييد والنأي بالنفس مع التأكيد على التزام لبنان بوحدة الموقف العربي، مع ما يستلزم ذلك من دعوة حزب الله لوقف تدخلاته في الدول العربية، مع التحضير لمؤتمر حوار وطني لبحث معضلة ثنائية السلاح واعتماد سياسة دفاعية مستقلة وواضحة تؤمن للبنان سيادته على جميع أراضيه.

ويبقى السؤال حول مدى قدرة هذه الحكومة لاثبات نفسها كقوة قادرة على الاصلاح بمفردها، أو دعوة صندوق النقد الدولي لحمايتها من هيمنة الطبقة السياسية الساعية لتسخير قرارت الحكومة لخدمة مصالحها الخاصة.