بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الأول 2019 12:03ص خيارات الحريري لمواجهة التطويق

حجم الخط
يبدو أن الأزمة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من شهرين، قد دخلت مع بداية شهرها الثالث في مسار بالغ التصعيد سياسياً وعلى مستوى الشارع. يؤشر المسار السياسي إلى مخاطر وتعقيدات تمنع حصول أية تفاهمات بين القوى السياسية، تسهل إيجاد مخارج للمأزق الذي تواجهه عملية تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على تهدئة الشارع وعلى معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، والتي باتت تهدد بإفلاس الدولة والموءسسات الاقتصادية، وبإنهيار النظام المصرفي، وتدهور قيمة صرف الليرة، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج دراماتيكيةاجتماعيا وأمنيا.

تؤشر المواقف السياسية المتناقضة والمتعارضة التي عبر عنها الأفرقاء السياسيون الى استبعاد امكانية التوافق على تسمية رئيس «مكلف»، وإن كل الاتصالات والمشاورات السياسية التي بذلت قد وصلت إلى الحائط المسدود. كما يبدو بأن الخلاف قد تجاوز تعقيدات الإختيار، ليتحول إلى أزمة نظام، سواء لجهة الخروج على القواعد الدستورية أو لجهة احترام دور وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء لجهة تشكيل الحكومة التي يمكن أن تلبي مطالب الإنتفاضة.

يشعر الرئيس سعد الحريري بأنه بات مطوقاً في خياراته السياسية بالموقفين الرافضين لتسميته في الاستشارات اللذين اتخذهما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وبما يؤدي إلى تسميته بتشكيل الحكومة من قبل اقلية نيابية لا تتعدى 57 نائباً، وإلى غياب الحضور المسيحي الراجح الداعم له ولحكومته العتيدة. ويعارض الفريقان تسميته لتشكيل الحكومة لسببين مختلفين ، بالرغم من اعتدادهما بتبني مطالب الإنتفاضة عن قناعة، أو من خلال مناورة سياسية تقطع الطريق عليه لاحتكار التمثيل السني كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة. يشعر الحريري الآن أيضاً بصعوبة تخطي دائرة التطويق المزدودج المعتمد من التيار والقوات، وهذا ما دفعه إلى الطلب من الرئيس عون تأجيل الاستشارات لفترة اسبوع على الأقل، لكي يتسنى له استطلاع كل الخيارات الأخرى التي يمكن أن تؤمن له الخروج بنجاح من عقدة التمثيل المسيحي سواء في تسميته للرئاسة أو في شكل الحكومة التي يريد أن يؤلفها، مستبعداً عنها كل القوى السياسية.

ويبقى من المرجح عدم التوصل إلى مخارج أو توافقات سياسية جديدة تسهل تسمية الرئيس الحريري بأكثرية نيابية مقبولة خلال مهلة تأجيل الاستشارات الى الخميس المقبل، إذا ما استمرت المواقف المتباعدة بين مختلف القوى السياسية الأساسية، والتي قد تتطلب معالجتها وجود وساطة دولية تشمل الولايات المتحدة وأوروبا وإيران. وهنا لابد من طرح السؤال عن ما يمكن أن يحمله ممثل الخارجية الأميركية دافيد هايل في جعبته من مبادرات أو من تحذيرات أو نصائح. لا يمكن توقع أن تفضي زيارة هايل إلى لبنان إلى حدوث أية تطورات إيجابية في مسار الأزمة الراهنة، في ظل ما رأيناه من قرارات أميركية بفرض عقوبات جديدة ضد حزب الله بهدف تجفيف مصادر تمويله.

في رأينا أن ما تطمح إليه الولايات المتحدة، من خلال هذه الزيارة هو حشر الأفرقاء اللبنانيين من أجل ممارسة المزيد من الضغوط السياسية على حزب الله والحؤول دون تمثيله في الحكومة العتيدة، من خلال التمسك بتشكيلها من اختصاصيين غير سياسيين أو حزبيين، وذلك كمقدمة لفك الارتباط بين القرار الرسمي المتمثل بمجلس الوزراء مع حزب الله. لكن يتناسى الأميركييون أن عملية عزل الحزب سياسياً لن تكون متيسرة بالسهولة التي يجري فيها خنقه مالياً من خلال تشديد نظام العقوبات المفروض عليه.

في ظل التعقيدات السياسية الراهنة التي تواجه الاستشارات المقبلة يبدو أن هناك عقبات عديدة تعترض استكمالها بنجاح، بتسمية الحريري وكسر الطوق المفروض عليه من القوات والتيار، بهدف اجباره على التنحي عن موقعه كمرشح وحيد وتسمية مرشح آخر يرضى عنه. يمكن للحريري في هذا السياق لكسر الطوق المفروض عليه بالذهاب إلى طلب تأجيل جديد للاستشارات، وإذا لم يوافق الرئيس عون على طلبه يمكنه أن يعلن مقاطعته للاستشارات والطعن بنتائجها على اعتبار أنها غير ميثاقية.

أما عن الخيار الثاني الذي يمكن أن يلجأ إليه الحريري لمواجهة إعلان التيار تبني خيارات ومطالب الانتفلاضة فانه يتحقق بالطلب إلى انصار تيار المستقبل في بيروت وفي طرابلس وعكار والإقليم والبقاع الأوسط والغربي بالانضمام بقوة للانتفاضة وتفعيل حراكها في الشارع، وذلك ضمن عملية خلط أوراق جديدة وممارسة أعلى أنواع الضغوط على العهد. يطرح هذا الإجتمال أسئلة عديدة ومحرجة حول الردود التي يمكن أن يعتمدها محازبو حركة أمل وحزب الله لموازنة هذا الاستثمار الخطير في الشارع ، والذي يمكن ان يتحول الى فتنة سنية -شيعية؟

تذهب الأزمة نحو مزيد من التصعيد الميداني والسياسي، وبما يثير الشك والريبة حول مدى إدراك كل الأفرقاء لمخاطر التفلت من الضوابط الراهنة التي شهدتها الانتفاضة حتى الآن على الصعيدين الإقتصادي والمالي أو الأمني. تستدعي هذه المخاطر قيام الرئيس عون بمبادرة لانقاظ الاستشارات من خلال العمل على احتواء الموقف التصعيدي للتيار، وإعادة وصل جسور الحوار بين باسيل والحريري، وبدعم من الثنائي الشيعي. سيتطلب هذا الأمر دون شك، إدخال تعديلات تتناسب مع الظروف التي أوجدتها الانتفاضة لإحياء التسوية الأساسية التي التزم بها الأطراف عند انتخاب العماد عون للرئاسة.