بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آب 2018 12:05ص خيارات حزب الله بين الحرب الإقليمية والمأزق الداخلي

حجم الخط
يرى عدد من المحللين في محور المقاومة بأن صمود سوريا وايران بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وصمود المقاومة بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، بالإضافة الى اسقاط نزع سلاح المقاومة داخلياً من خلال القرار الدولي رقم 1559, أدى الى نضوج قرار حرب 2006 مع إسرائيل. ويبدو في نظر هؤلاء بأن التاريخ سيعيد نفسه وذلك بعد فشل الرهان على سقوط النظام السوري وعلى سيطرة التنظيمات الإرهابية على أجزاء واسعة من العراق وسوريا. 
في المعادلة الجديدة للقوة على المستوى الإقليمي، بات حزب الله وايران مع حلفائها الآخرين يشكلون اللاعب الأساسي في ميادين عديدة تمتد من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان, بالإضافة إلى صلابة موقف الحزب وايران في مواجهة الضربات العسكرية الإسرائيلية في المسرح السوري، مع احباط المخطط الأميركي «التآمري» لإخراج ايران من سوريا، وهو الهدف الذي أعلنه مستشار الامن القومي الأميركي جون بولتون في محادثاته مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في جنيف. 
تستوجب كل هذه التطورات في ظل استمرار المخطط الإيراني للهيمنة على دول المنطقة، وقرار طهران لمواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية المتصاعدة، وثقة حزب الله بقدراته العسكرية وتوسع دوره الإقليمي, التساؤل حول مدى استعداد الحزب للدخول في مواجهة جديدة مع إسرائيل، تشارك فيها قوى شيعية أخرى مع إمكانية انزلاق إيران والنظام السوري الى آتونها. 
تتزامن هذه التطورات مع صدور دراسة في 20 آب  2018 عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعنوان «حرب الشرق الأوسط الكبرى عام 2019». تتحدث الدراسة عن مخاوف من حصول مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل او اندلاع حرب بين إسرائيل وايران في سوريا، تشارك فيها ميليشيات شيعية عديدة، بالإضافة الى النظام السوري. 
ترى الدراسة أن احتمال وقوع الحرب نتيجة الحرب الأهلية في سوريا التي مكنت إيران من بناء قواعد لها، ونشر فيالقها الشيعية على مقربة من الحدود الإسرائيلية، وبما ينذر بتوسيع الحرب الى أبعد حدودها ودفع إسرائيل الى خوض حرب شاملة على أكثر من جبهة. 
تستند هذه الدراسة حول الاحتمالات باندلاع حرب واسعة على تصريح (مبالغ فيه) حذّر فيه السيد نصرالله في حزيران 2017 من أنه إذا شنّت إسرائيل حرباً ضد سوريا او لبنان فلا أحد يدري إن كان القتال سيبقى محدوداً على هاتين الجبهتين حيث سيفتح الطريق لمشاركة مئات آلاف المقاتلين من العالم العربي والإسلامي، وأيده قائد الحرس الثوري محمد علي الجعفري. وتدعم الزيارات المتكررة التي قام بها قادة ميليشيات شيعية وحوثية لحزب الله مثل هكذا احتمال. 
بالرغم من كل هذه المؤشرات حول إمكانية اندلاع حرب إلا أننا نعتقد بأن طهران تسعى لتجنب الإنزلاق إليها، ولكن هذا لا يعني أنها ستمنع حصول حروب بالوكالة مع إسرائيل. 
من المتوقع أن تستمر إيران في استراتيجيتها للهيمنة، وأن يعمل حزب الله على توظيف فائض قوته في الداخل اللبناني من أجل إضعاف خصومه في 14 آذار والسعي إلى زيادة حصته في السلطة انطلاقاً من كونه «أكبر حزب لبناني» وفق قول السيد نصر الله في خطابه في الهرمل بمناسبة عيد التحرير الثاني. عاد نصر الله الى تحذير خصومه من بوابة المحكمة الدولية، والتي اعتبر أنها لا تعني شيئاً للحزب وما يصدر عنها ليس له أي قيمة. وأضاف لمن يراهنون على المحكمة لتحميل الحزب مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري تمهيداً للتعامل معه كمنظمة إجرامية نقول «لا تلعبوا بالنار». يشكل هذا التحذير تهديداً واضحاً للخصوم بأن الحزب على استعداد لقلب الطاولة من جديد على غرار ما فعله في 7 أيار 2008. من المؤكد بأن هذا التهديد يتعارض مع مسار التهدئة أو التسوية السياسية وعملية تشكيل الحكومة. 
من المحتمل أن يستمر السيد نصر الله في تصعيد مواقفه ضد المحور السعودي، وفي تحديه لخصومه في الداخل من أجل رفع معنويات قاعدته الشعبية، وصرف الأنظار عمّا يمكن أن تحمله المحكمة الدولية من مفاجآت، بالإضافة الى «الضيق المالي» الضاغط على كل مؤسسات وبرامج الحزب. 
إذا كان السيد نصرالله يحرص على تفادي حصول حرب واسعة، فإن الأجدى به تحاشي الانزلاق الى فتنة داخلية قد تتجاوز خسائرها النتائج المدمرة للحرب. تستدعي مخاطر ذلك إجراء قراءة موضوعية وأكثر شمولاً للتطورات الجارية، تحول دون الإقدام على خيارات خطيرة من منطلقات أيديولوجية لا مصلحة فيها للحزب أو للعهد أو للبنان.