بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 نيسان 2022 09:07ص دور أصدقاء لبنان في عملية الإنقاذ لدولته

حجم الخط
في ظل التدهور المتسارع للمستوى المعيشي وفي ظل الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عام 2019، وفي ظل عجز الدولة اللبنانية عن القيام بأية خطوة إصلاحية، لتدارك الانزلاق إلى قعر الهاوية، يبدو ان ضعف السلطة بدأ ينعكس بصورة مباشرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية، وبشكل بات يُهدّد باضطرابات أمنية واسعة من الممكن ان تؤدي إلى تطيير الانتخابات النيابية، قبل أقل من شهر لاجرائها في 15 أيّار المقبل.
لا يمكن ربط مسلسل الأحداث التي شهدها لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بسوء طالع اللبنانيين، بل هو نتيجة طبيعية للأزمة التي تواجهها البلاد، في ظل سلطة عاجزة عن تأمين أدنى أنواع الخدمات من كهرباء، ورفع النفايات، وتأمين الحد الأدنى والمضمون للمواد الأساسية، وعلى رأسها مادة القمح، مع ارتقاب ان يبلغ سعر ربطة الخبز ثلاثين ألف ليرة لبنانية.
نسجل في ظل تفاقم الوضعين الاقتصادي والمعيشي جملة احداث أمنية تبدأ من الشمال بغرق مركب صغير ينقل 60 شخصاً، قرروا وفي غفلة من رقابة السلطات الأمنية ركوب البحر على أمل ان تحملهم الرياح إلى شاطئ دولة يمكن ان تقبل ان تعطيهم حق اللجوء، وكان سوء الطالع لهم بالمرصاد، حيث غرق المركب على مرأى وعلى أمتار من الزورق التابع للبحرية اللبنانية التي حاولت ان توقفهم، وتعيدهم إلى الشاطئ.
كان من الطبيعي ان يتلقّى النّاس في طرابلس خبر الفاجعة بموت عدد من الركاب وفقدان آخرين بأجواء من الحزن والغضب. وان يعبروا عن ذلك بتظاهرات، سرعان ما تحوّلت إلى حالة من الفلتان الأمني، أدّت إلى مواجهات مع القوى العسكرية المنتشرة في المدينة، منذ سنوات من أجل ضبط الأمن، ومنع حدوث اشتباكات مسلحة، يمكن ان تستغل سياسياً من أجل تأجيج الوضع والدفع نحو الفتنة.
لم يكفِ السلطة الاهتزازات الأمنية التي شهدتها طرابلس، بل جاءت عملية إطلاق صاروخ من سهل القليلة في قضاء صور لتطرح مشكلة أمنية أكثر تعقيداً، ولطالما كانت الدولة في حالة عجز مزمن في التعامل معها، انها مشكلة السلاح الفلسطيني المتفلت، والذي تستعمله فئات صغيرة من المخيمات، دون الكشف عن هويتها الحقيقية، من أجل توجيه رسائل إلى الداخل الفلسطيني، مستغلة الأحداث في القدس أو الضفة، أو التوترات المستمرة على حدود غزة، وهذه الرسائل هي بهدف المزايدة على السلطة أو بهدف دعم فصائل مسلحة تعمل داخل غزة، وعلى الأقل من الناحية المعنوية.
ليست المرة الأولى التي يُطلق فيها صاروخ مجهول الهوية والهدف باتجاه إسرائيل، فقد سبق وحدث ذلك في مناسبات سابقة، ومن نفس المنطقة القريبة من أربعة مخيمات فلسطينية موجودة حول مدينة صور.
ردّت إسرائيل كالعادة بقصف مدفعي بخمسين قذيفة طالت خراج أربعة بلدات في قضاء صور، هذا بالإضافة إلى أربعين قذيفة مضيئة فوق المنطقة.وحمَّلت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الدولة اللبنانية مسؤولية القصف، فتوعدتها بردود فعل قاسية إذا لم تعمد السلطة إلى ضبط الوضع على أراضيها.
يبقى ان نقول انه بالإضافة الى هذين الخرقين الأمنيين، فإننا لا نغالي إذا وصفنا الوضع الأمني في البلاد بالهش، فالامن متفلت في المدن، بما فيه في قلب العاصمة بيروت، كما تشهد مختلف المناطق على ارتكاب جرائم قتل مروّعة، بالإضافة إلى تعميم جرائم السرقة على جميع القرى وفي مختلف المناطق، حيث يجري السطو على املاك الدولة، كالاسلاك الكهربائية بالإضافة إلى سرقة الأملاك الخاصة بالمواطنين.
تدعو هذه الحالة من الفلتان إلى التساؤل عن مدى فعالية الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية في قمع الجريمة وضبط الأمن، ولا بدّ هنا من التساؤل عن دور القضاء، وجهوزيته للاضطلاع بدوره الأساسي في ملاحقة المجرمين، ومكافحة الجريمة، كخطوة على طريق استرجاع هيبة الدولة.
تترافق هذه الاهتزازات والاختلالات مع الاتهامات والجدل القائم بين عدد من الأحزاب ووزارة الخارجية حول سوء إدارة عملية اقتراع المغتربين، وخصوصاً لجهة توزيع المسجلين على أقلام الاقتراع في أكثر من دولة. وارتفعت حرارة النقاشات حول هذا الأمر لدرجة اتهام وزير الخارجية عبد الله بوحبيب بالتقاعس عن ممارسة مهامه، وترك عملية إدارة الانتخابات في عدد من دول المهجر بين يدي بعض المستشارين الذين عيَّنهم الوزير الأسبق جبران باسيل في الوزارة للحفاظ على نفوذه وخدمة مصالحه السياسية والانتخابية، وفي هذا المجال لا بدّ من التحذير من عدم معالجة هذه الثغرة في الانتخابات لأنها ستشكل سبباً سياسياً لتعطيل الانتخابات أو للطعن بنتائجها بعد اجرائها.
في خضم هذه الأجواء المثيرة للهواجس الأمنية، يبدو بأن الوضع السياسي العام في البلاد لا يدعو إلى الاطمئنان، فالانقسامات القائمة بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية هي مرشحة للتحول إلى معضلة أمنية متنقلة من خلال المخاوف من ان يتحوّل أي خلاف شخصي إلى خلاف حزبي، يؤسس لوقوع احداث أمنية واسعة.
والسؤال المطروح حول مدى خطورة ان يكون الخلاف الحاصل بين أطراف من حزب الله مع طرف مسيحي أو سني يناصب حزب الله جهاراً بعدائه، ويتهمه بالعمل لمصلحة إيران، ووهل يمكن تُصوّر نتائج استغلال إسرائيل لمثل هكذا خلاف للنيل من حزب الله، ومن خلال افتعال فتنة داخلية، لا تحمد عقباها؟
في ظل استمرار حالة التدهور الاقتصادي والمعيشي والأمني يبدو بوضوح بأن حكومة الرئيس ميقاتي معرّضة الآن للتحول إلى حكومة تصريف أعمال، ويؤشر على ذلك حالة التشرذم السياسي المسيطر على البلد في ظل اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وارتفاع الخطاب الشعبوي لدى كل الأحزاب والقوى السياسية، وأن أفضل ما يؤشر على ضعف الحكومة وتوجهها للتحول إلى حكومة تصريف أعمال حالة الشلل التي تسيطر على مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة من المجلس النيابي، والتوجه العام لرفضها من قبل اللجان أو من قبل الهيئة العامة، وذلك بالرغم من زعم الحكومة بأنها تشكّل مطلباً اساسياً لتوقيع اتفاق للدعم المالي مع صندوق النقد الدولي.
يبدو بوضوح بأن الحكومة باتت عاجزة كلياً عن القيام بأية خطوات إصلاحية قبل الانتخابات النيابية، والتي في حال حصولها لن تأتي بأي تغيير في بنية المجلس الحالي. والمؤسف واللافت في منحى الأزمة بأنها ستنتج المزيد من حالات الفقر، والذي سيتجاوز قريباً نسبة 80 في المائة من اللبنانيين.
في ظل حالة العجز الحكومي يبقى الأمل ان يُبادر أصدقاء لبنان من الدول الغربية والدول الخليجية لوضع خطة مشتركة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الدولة اللبنانية، وخصوصاً الحفاظ على المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية، وتمكينها بالتالي من الاستمرار في مهامها في التصدّي لحالة الانحلال الأمني، والسقوط من جديد في آتون الحرب الأهلية. ولا بدّ ان تدرك قيادات هذه الدول الصديقة بأنه لا يمكن إنقاذ لبنان من خلال سياسة مقاطعة الدولة وتركيز كل المساعدات وايصالها إلى المواطنين عبر الجمعيات الخيرية والجمعيات غير الحكومية، والتي تأتي في طليعتها اتفاقية المساعدات الفرنسية - السعودية. لا بدّ أيضاً من الالتفات إلى الحفاظ على المؤسسات الأمنية والعسكرية، وعدم تركها عُرضة للتفكك، لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى دفع لبنان لسلوك المسار العراقي بعد تفكيك مؤسساته العسكرية والأمنية بقرار من سلطات الاحتلال الأميركي.
يمكن ان تأخذ المساعدات الأمنية وإعادة بناء الخدمات الضرورية الاشكال الآتية:
1- تقديم الدعم المالي واللوجستي إلى كل المؤسسات الأمنية، بما في ذلك الدعم للمؤسسات العسكرية الطبية، والتدريب، مع تقديم هبات مالية تستعمل كهبات اجتماعية لأفراد الجيش والأجهزة الأمنية لدعم صمودهم في مؤسساتهم.
2- من الضروري جداً ان تعطي الدول الصديقة، خيِّزاً من مساعداتها لدعم الخدمات العامة الأساسية للشعب واهمها البنى التحتية الخاصة بمياه الشفة والصرف الصحي، والمدارس، والكهرباء، ومعالجة النفايات.
3- الضغط على كل القوى السياسية لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي وتهديد المعرقلين بفرض عقوبات قاسية ضدهم.
4- بذل كل الجهود الدبلوماسية اللازمة باتجاه إيران وإسرائيل لتخفيف ضغوطاتها على لبنان منعاً لانهيار دولته بالكامل.
انه النداء الأخير لمنع سقوط لبنان ونهاية هذه التجربة المستمرة منذ مئة عام.