بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آذار 2023 12:43ص دول ازدهرت وأخرى سقطت

حجم الخط
كل الدول تريد أن تزدهر،  تكمن المشكلة في أن معظم الدول النامية والناشئة يريد تمويل التنمية من الهبات والمساعدات، أي بالطرق السهلة وإن لم تكن مجانية.  الدول الغنية لم تعد كذلك بعد الكورونا والحرب الأوكرانية واليوم يأتي التضخم ليأكل الأخضر واليابس.  يقول المنطق أن على الدول النامية والناشئة أن تسأل نفسها ما هي السياسات التي يمكن أن تعتمدها لتحقيق الازدهار الاقتصادي؟  المساعدات هي ايضافات ولا يمكن أن تكون الحل الأساسي.  المعروف أن عملية التنمية الاقتصادية هي حلقة تطورات في قطاعات عدة أهمها التكنولوجي، النهوض الصناعي والتغييرات الهيكلية المرتكزة على توافر اليد العاملة ورؤوس الأموال كما البنية التحتية الأساسية.  هذه الركائز تحدد الميزات التفاضلية للدول، وبالتالي الصناعات والسلع والخدمات التي تسمح لكل دولة بالفوز في الاقتصاد الدولي.
يقول «جاستين لين» الاقتصادي  الصيني أن على الدول النامية والناشئة أن تعترف بقوة الأسواق وحريتها وبالتالي أن تخفف دور القطاع العام في الاقتصاد كي تزدهر.  عليها وضع القوانين وايجاد المؤسسات العامة التي تسمح للقطاع الخاص بالنمو عبر قيادة التقدم التكنولوجي والنهوض الصناعي. 
 قال «ألبرت أينشتاين» أن أصحاب النظريات يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، لكنهم لا يستطيعون تطبيق أي شيء. أما أصحاب التطبيق العملي، فينجحون في العديد من العمليات لكنهم لا يعرفون كيف. قال «ونستون تشيرشيل» أن المتشائم يرى صعوبات في الاستفادة من كل الفرص، أما المتفائل فيرى فرصا في كل الصعوبات.  لذا فلنكن تطبيقيين ومتفائلين كي ننجح في عملية الازدهار التي نحتاج اليها.  من الضروري أن لا نفقد الأمل في تحقيق ما ترغب به الشعوب.  كل دولة يمكن أن تزدهر، كما قال «فاكلاف هافيل»، اذا نظمت نفسها ونظرت بتفاؤل وأمل الى المستقبل.
هنالك دول نجحت في تحقيق الازدهار وسقطت اقتصاديا فيما بعد.  سريلانكا مثلا حققت مستوى معيشة مرتفع في اقتصاد مستقر حتى الفترة الأخيرة حيث عمت الفوضى الشعبية والسياسية.  كان الناتج المحلي الفردي 70% أعلى من المؤشر الهندي. أما العمر المرتقب فوصل الى 77 سنة مقارنة ب 73 لبنغلادش، 70 للهند و67 لباكستان.  سقط الاقتصاد السريلانكي مؤخرا للأسباب التالية مجتمعة:  الكورونا القوية، الحرب الروسية على أوكرانيا وما تبعها من تضخم، التخفيض الضرائبي غير المنطقي، منع استيراد السماد والأدوية الكيماوية الأساسية للزراعة بسبب شح العملات الصعبة مما سبب نقصا في عرض السلع الغذائية.
هنالك أسباب أخرى أهمها محاولة الحكومة السريلانكية دعم النقد بمستوى بين 175 و 200 للدولار الواحد، لكنها لم تستطع فسقط «الروبي» الى 350 مع زوال الاحتياطي الاجنبي.  أما الخطاء الأساسي فهو رفض الحكومة تسديد الديون بالعملات الأجنبية في أيار دون أن تلجأ الى صندوق النقد الذي له شروطه طبعا والتي تبقى أفضل من الافلاس والسمعة السيئة في الأسواق المالية العالمية التي لا ترحم.  أخذت سريلانكا قرضا من الصين لكنه لم يكف، وعادت متأخرة الى صندوق النقد.  سريلانكا مثل حي لدولة تتحول من مزدهرة الى ساقطة بسبب السياسات الاقتصادية غير المناسبة.  لا شك أن الفساد كما سؤ الاداء الحكومي كانت أسباب أساسية للفشل.
في المبدأ هنالك فارق كبير بين الدول التي تنمو بقوة والأخرى التي لا تعرف الا النمو الضعيف.  هنالك البنية الأساسية من ثروة بشرية ويد عاملة فاعلة كما هيكلية سكان مناسبة بالاضافة الى التطور المالي والمادي كما أوضاع الاقتصاد بشكل عام وأهمها سؤ توزع الدخل والثروة.  أما السياسات، فلها أهميتها الكبرى أي درجة الانفتاح التجاري وعدالة النظام الضرائبي وحسن الرقابة كما فعالية القوانين والاجراءات.  هنالك دور كبير للمؤسسات أي الشفافية والحوكمة كما قوة القانون واحترام الملكيات ومدى انتشار الفساد وكلها أمور أساسية اذا كانت هنالك رغبة في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
هنلك أمثلة مهمة عن دول ناجحة حققت الازدهار ومنها فيتنام.  يقدر صندوق النقد نموها بـ 7% هذه السنة.  يقتصر التضخم على المحروقات والنقل ولا يصل الى الغذاء لأن فيتنام تنتجه.  هنالك عرض كبير داخلي للانتاج الزراعي الضروري جدا للشعوب.  ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك لهذه السنة لكنه يبقى أدنى من هدف المصرف المركزي أي 4%.  نتيجة ممتازة لدولة عانت الكثير من الحروب، لكنها تميزت بنفس الوقت بمؤشرات الصمود والانضباط والانتاجية العالية والفعالية الاقتصادية المميزة.  من السياسات الناجحة التي اعتمدت هي ابقاء الفوائد منخفضة وبالتالي ارتفع الاقراض والاستثمار.  أما برنامج الحكومة الاقتصادي، فارتكز على القطاعات التي لها فيها ميزات تفاضلية أي الصناعة والسياحة كما قطاع التجزئة.
مثال ناجح آخر هو الهند بالرغم من عدد سكانها الكبير أي 1,4 مليار شخص.  يقدر النمو في 2022 بـ 7% و 6% في 2023.  يرتكز الاقتصاد على الطلب الداخلي بدل الصادرات وهذا مهم لدولة كبيرة سكانيا وجغرافيا.  سياسات حكومة «مودي» ذكية، اذ ارتكزت على زيادة الاستثمارات العامة والغاء بعض الديون للمواطنين كما أعطت قروضا ميسرة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تضررت من الكورونا.  اشترت الهند النفط بأسعار ميسرة من روسيا مما ساهم في ابقاء التضخم منخفضا.  كانت نتائج كل هذه الجهود والسياسات نقل الاقتصاد الهندي من المركز السادس عالميا الى الخامس أي تقدمت على بريطانيا.
مشكلة الهند الأولى هي البطالة حيث يفتقد الاقتصاد الى المرونة، وبالتالي لا يستوعب العمالة العديدة بالرغم من النمو القوي نسبيا.  يهاجر الأفضل الى الغرب وخاصة الى الولايات المتحدة حيث يجدون العمل المناسب والمنتج للاقتصاد الأميركي.  مشكلة الهند الثانية هي سؤ توزع الدخل والثروة حيث تزدهر أسواق السلع الباهظة ولا تنمو أسواق سلع الاستهلاك العادية.  في كل حال يبقى النجاح ميزة الاقتصاد الهندي الرائد.