بيروت - لبنان

21 تشرين الأول 2022 07:29م رئيس جمهورية لبنان.. الى الامام

حجم الخط
الاستحقاق الرئاسي يأتي في ظروف دولية واقليمية استثنائية وقاهرة نتيجة الحرب الاوكرانية ومخاطرها العسكرية والاقتصادية وتأثيرها على ازمة الطاقة والغذاء مما يجعل من انتخاب رئيس جديد عملية بالغة الغموض والتعقيد نتيجة حالة عدم اليقين لدى القوى الدولية والاقليمية حول مآلات التحولات الحربية وصعوبة تحديد الاطار الزمني لتطور الاحداث مما ادخل القوى السياسية المحلية في مرحلة من التوهم والضياع والتخبط والعجز والانقسام .

التعامل بخفة مع التحولات المجتمعية والاقتصادية والسياسية يعكس مستوى الخواء السياسي نتيجة التحلل من اعتماد القواعد الصحيحة في معالجة الازمات الوطنية، مما قد يسهل استخدامات العنف بانواعه وانماطه من العنف السياسي والامني الى العنف المالي والمعيشي، مما يجعل من العنف الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الهواجس والرغبات واشاعة الفوضى السياسية والاعلامية ومخاطرها الوجودية والكيانية وتداعي اسباب الاستقرار الاجتماعي وانهيار المؤسسات الحكومية الادارية والقضائية والعسكرية والامنية، وبموازاة انهيار القطاع الخاص والنظام المصرفي وهجرة النخب القطاعية مما يسهل استخدام الشعبوية الطائفية والعبث باسباب الانتظام الوطني العام في الدولة اللبنانية.

ان تعاظم الولاءات الطائفية والمذهبية والحزبية والقبلية على حساب الولاءات الوطنية يؤدي الى استباحة هيبة الدولة ومرجعيتها السيادية ويشرع تغليب الولاءات الخارجية على الولاءات الوطنية والاستقواء بالقوى الخارجية على مكونات الشراكة الوطنية وتجاوز القوانين والاعراف الناظمة للاستقرار الوطني واستباحة المال العام وتحويل المرافق العامة والوزارات الى امتيازات ذاتية واعتبار القيم التوافقية عملية محاصصة في السلطة والمغانم والمكتسبات مما يؤكد المؤكد من جديد على ان الطائفية والمذهبية والقبائلية السياسية هي قوة سلبية مانعة لقيام الدولة الوطنية.

ان التمادي باستخدام العنف السياسي وعدم احترام الرأي الاخر يؤدي الى التحلل من الشعور بالمسؤولية في السلوك والتعبير والى اختلال المعايير بين الحق والباطل والخطأ والصواب والى الالتباس في الفهم والتعبير والانفصال التام عن الواقع والاستغراق بالعدمية الوجودية وتوهم الخصومات والتحالفات والشروع في مواجهات عبثية مؤلمة ستؤدي الى التفلت من القواعد الناظمة والمعايير الدقيقة والى عدم التمييز بين ما كان وما يجب ان يكون واستباحة الخصوصيات الفردية والعامة وتغليب المصالح الخارجية على المصالح الوطنية.

عودة العنف السياسي والاصطفافات الطائفية والمذهبية والقبلية بالتزامن مع الاعلان عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية يذكر باصطفافات بيروت بين لقاء البريستول ولقاء عين التينة بعد التمديد الرئاسي وصدور القرار ١٥٥٩ في الثاني من ايلول ٢٠٠٤ وصولا الى محاولة اغتيال النائب مروان حمادة في ١ تشرين الاول ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ١٤ شباط وما تبعه من اغتيالات كان اخرها اغتيال اللواء وسام الحسن ثم الوزير محمد شطح وتحويل لبنان من جديد الى ساحة نزاعات وحروب بديلة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية تموضع فيها المحترفون والهواة وكانت بالغة الكلفة وشديدة المرارة على كافة المستويات .

ان لبنان يعيش مرحلة بالغة الدقة والخطورة ولا تحتمل ترف الرهانات والمغامرات وتحتاج الى تشكيل قوة عقلاء من الذين تعلموا من مرارات الانقسامات والاصطفافات الكارثية، لبنان اليوم بحاجة الى نخبة مدنية لبنانية نهائية خالصة ديموقراطية ومحررة من سموم واقنعة الطائفية السياسية و فوق الاوهام السلطوية وقادرة على تجاوز ثقافة الظروف الاستثنائية وادارة الازمات وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء والدفع باتجاه انتخاب رئيس جمهورية لبناني خالص قادر على قيادة لبنان الى الامام وقبل فوات الاوان ... وحمى الله لبنان .