بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 حزيران 2021 12:02ص رئيسي والهدف النووي

حجم الخط
حدثان مهمان اعادا الى الواجهة موضوع السلاح النووي وخطورته بل الطاقة النووية عموما. الأول هو المفاوضات القديمة الجديدة بشأن النووي الايراني في فيينا والمعلومات المتضاربة بشأن نجاحها أو فشلها. والحدث الثاني هو قمة الدول السبع الكبرى في بريطانيا واجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسيل بالاضافة الى القمة الأميركية الروسية في جنيف.  في قلب هذه الاجتماعات تقع العلاقات النووية التي تجعل المحادثات متشنجة بسبب خطورة الطاقة غير الملوثة لكن المؤذية اذا لم تتم ادارتها بشكل علمي وهادئ.

هنالك 9 دول تملك السلاح النووي اليوم بالاضافة الى عاشرة ربما تحاول ذلك لكنها لا تعلنه. الموجود عالميا هو 20 ألف رأس نووي لا يمكن استعمال حتى جزء صغير منه لأنه لن يبقى شيئا بعد ذلك وبالتالي مدى فوائده محدود جدا. اذا كان الاستعمال غير ممكن فلماذا ترغب الدول في الحصول عليه؟ هنالك حتما القوة المعنوية النفسية التي تعطي لأي دولة تملك السلاح النووي امكانية التأثير على مسار الأمور في العالم. كوريا الشمالية مثلا تجوع لكنها لا تتخلى عن سلاحها النووي بالرغم من اجتماعات رئيسها مع الرئيس ترامب والذي لم ينتج عنها شيئا. السلاح النووي الكوري الشمالي يعطي الدولة امكانية التأثير على الأوضاع الآسيوية وربما العالمية حتى لو جاع أو أصبح الشعب فقيرا. السلاح النووي يقوي حضور الدولة في العالم ويعطيها الوهج المعنوي الكبير، فيفيد القائد على حساب مصالح الشعب. فائدة السلاح معنوية ونفسية ومن الصعب تقييمه ماديا.

المشكلة الحقيقية هي أن هنالك سوء فهم للسلاح النووي ناتج عن التجربة اليابانية المدمرة خلال الحرب العالمية الثانية وهي التجربة الوحيدة حتى اليوم والتي نتج عنها استسلام اليابان. منذ ذلك الحين لم يستعمل السلاح النووي، لكن وهجه النفسي والمعنوي مخيف ويردع. لا بد من ازالة بعض الضبابية والتضخيم بشأن هذا السلاح تبعا للخبير «وارد ولسون» تخفيفا للخوف والرعب الناتج عن الفكرة وليس عن السلاح نفسه.

أولا: هنالك من يقول ان استسلام اليابان لم يكن نتيجة قنبلتي هيروشيما وناكازاكي لأن فكرة الاستسلام كانت موجودة قبلهما خاصة بعد بدء الهجوم السوفياتي على البر الياباني. اليابان كانت خاسرة للحرب وهنالك عدد كبير من المدن دمر سابقا ولم يأت النووي الا لاحقا. لماذا القناعة دوليا بأن النووي فرض الخسارة على اليابان؟ هنالك مصلحة ربما في تحديد سبب الخسارة أي النووي. القول بأن النووي كان المسبب يغطي كافة الأخطاء التي ارتكبت من قبل الحكومة اليابانية ويرفع المسؤولية عنها، كما يبرر انفاق مليارات الدولارات الغربية والأميركية تحديدا على تطوير النووي. القول بأن النووي أنهى الحرب يفيد الجانبين دون اقتناع حقيقي من قبلهما. هنالك مصالح تجارية كبرى تنبع من الاستثمار في النووي حيث تكلفة الانشاء كبيرة جدا، علما أن التكلفة التشغيلية عموما ليست باهظة تبعا لويلسون.

قال أينشتاين أن السلاح النووي غير كل شيء الا طريقة تفكيرنا كمجتمعات ومواطنين.  تغير الأدوات الحربية لا يغير طريقة تعامل الدول بعضها مع بعض. الحروب تتم بين البشر وليس بين الأدوات التي هي فقط كذلك وتستعمل من قبل البشر للوصول الى الأهداف المحددة. من ينسى تجارب الماضي العنيفة السيئة يكررها مع خسارات بشرية ومادية أكبر، وهذا ما يحصل بسبب سؤ استعمال الأدوات الفتاكة. لذا السلاح النووي ليس مشكلة انسانية، بل تطبيقية سياسية.

ثانيا:  فكرة الردع حيث هنالك من يقول أن وجود النووي يمنع عمليا الحروب ويشكل الرادع المناسب منعا للخراب والموت والدمار. النووي يقنع الجميع بعدم اللجوء الى القوة حيث لن يكون هنالك رابح بل خسائر للجميع. هنالك من يقول العكس أي أن مشاريع حروب وضعت وحروب حصلت بالرغم من وجود النووي، وبالتالي فكرة الردع هي ربما غير صحيحة كليا. هنالك مثال عدة على ذلك وهي حصار كوبا من قبل الأميركيين في عهد كينيدي لمواجهة الصواريخ السوفياتية وكانت ستؤدي الى حرب. تجنب الحرب في ذلك الوقت على ما يظهر اليوم لا يعود الى النووي، وانما لوجود مصالح اقتصادية سياسية تنموية كبرى مشتركة. يمكن قول نفس الشيء بالنسبة الى حروب أخرى في كوريا وفيتنام حصلت بالرغم من وجود النووي وبالتالي لم يمنع حصولها وكانت الخسائر كبيرة.

ثالثا: هنالك من يعتقد أن حصول ايران على القوة النووية سلاحا وطاقة متطورة سيجعلها تصل الى أهدافها السياسية والاقليمية بسرعة.  التهديد والتحدي كما احداث الخوف في المنطقة سيفرض تغييرا كبيرا على الأرض يضر بالمنطقة. الرئيس الايراني الجديد يدخل ضمن المجموعة المتطرفة، وبالتالي من المتوقع أن يزداد قريبا منسوب الخوف الاقليمي والتهديد. تشير التجارب من مختلف القارات إلى أن النووي لم يستطع فرض أي شيء والمثال في منطقتنا واضح حيث الحروب العربية الاسرائيلية لم تستطع فرض حلا للقضية الفلسطينية بالرغم من القوة المفرطة الاسرائيلية وامتلاكها للنووي. الحصول على السلاح النووي يبقى سيئا ويجب أن يكون ممنوعا كما يجب وقف تطويره من قبل الدول التسعة التي تمتلكه. هنالك فائدة من تخفيف عدد الرؤوس النووية خاصة من قبل الأميركيين والروس وهنالك معلومات حول امكانية حصول ذلك بعد القمة الثنائية.

رابعا: هنالك دروس مهمة من الحروب وهو أن ضرب المدن وقتل الناس يؤذي كثيرا لكنه لا ينهي الحروب ولا يحقق الفوز، وهذا ما يجب أن تتعلمه اسرائيل من حروبها على غزة والأراضي الفلسطينية وغيرها. تنتهي الحروب عندما يتحقق التفاهم على الحقوق والواجبات وهذا لا يمكن فرضه بالسلاح النووي.

خامسا: المتحمسون للسلاح النووي لأسباب سياسية أو تجارية أو استثمارية يقولون أن النووي ثبت السلام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. هل هذا صحيح؟  حقيقة السلام العالمي تحقق ربما لأسباب أخرى وهي تطور المصالح والعلاقات التجارية والمالية الدولية كما التحالفات المختلفة في أوروبا مثلا وأسيا وغيرها والتي تفيد الجميع. وجود مؤسسات دولية فاعلة كالأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرهما من المنظمات قربت وجهات النظر وقوت المصالح والأفكار المشتركة.

أخيرا لا ننسى الحوادث النووية المخيفة التي حصلت سابقا ومنها في بنسيلفانيا في الولايات المتحدة في آذار 1979 وفي شيرنوبيل السوفياتية في نيسان 1986 وفي آذار 2011 في فوكوشيما اليابانية والتي لم تسدد جميعها تكلفتها الانسانية والمادية بعد. نتيجة هذه الحوادث وغيرها، هنالك وعي اليوم لخطورة النووي لكن طموح بعض الدول لتقوية نفسها نوويا يقلق.