بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 آذار 2019 12:27ص زيارة بومبيو في بُعدَيْها اللبناني والإيراني

حجم الخط
في الوقت الذي تتحضر فيه الرئاسات اللبنانية ووزارة الخارجية للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيروت خلال زيارته المقررة في 22 من الشهر الجاري، لا بدّ أن تدرك هذه القيادات بأن الزيارة ترتدي أهمية خاصة بالمقارنة مع الزيارة التي قام بها ريكس تيلرسون لبيروت في 15 شباط 2018. فالوزير بومبيو يحظى بثقة الرئيس دونالد ترامب، وأن الكيمياء بين الشخصين تعمل بانتظام كلي، وهو الأمر الذي لم يتوافر لتيلرسون ،حيث اتسمت العلاقة بينه وبين ترامب بالتوتر وعدم التفاهم حول النهج الذي يتبعه كل منهما في خياراته السياسية، وفي علاقات الولايات المتحدة الدولية. 
هذه الثقة الصلبة التي منحها ترامب الى بومبيو، أعطت هذا الأخير الحرية والقدرة على وضع الإطار العملي لاستراتيجية جديدة لإدارة ترامب، للتعامل مع كل أزمات الشرق الأوسط، وللمواجهة مع إيران، ومع الجماعات المسلحة التي انشأتها طهران للسيطرة على بعض الدول العربية. ويبدو بأن الولايات المتحدة جادة في تنفيذ مقاربتها الجديدة من خلال تفعيل نظام العقوبات المفروض على طهران، وبالتالي دفعها للتخلي عن ممارسة «أنشطتها المارقة» ووقف دعمها «للجماعات الإرهابية».
 صحيح أن واشنطن لا تسعى للدخول في مغامرة عسكرية طويلة في المنطقة، ولكن ذلك لا يمنعها من العمل على إقامة تحالف او جبهة إقليمية لمواجهة ايران والميليشيات المدعومة منها، وهذا ما يؤشر اليه التحرك الأميركي الداعم للموقف السعودي والمصري والأردني، بالإضافة الى توسيع جبهة المواجهة لضم اكبر عدد من الحلفاء من خلال الدعوة الى مؤتمر وارسو. 
يبدو جلياً بأن بومبيو لديه التفويض الرئاسي الكامل لإدارة السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة وفي العالم، وبأن لديه جملة من المقاربات الاستراتيجية الجديدة والفاعلة لتحقيق مصالح اميركا وحلفائها، وبالتالي العمل على احتواء نفوذ ايران وادواتها في المنطقة، وبأن بومبيو باق على رأس الديبلوماسية الأميركية طيلة عهد ترامب في الرئاسة الأميركية. 
من هنا تبدو أهمية المناقشات والخيارات التي ستطرحها القيادات اللبنانية في اجتماعاتها مع بومبيو، وذلك انطلاقاً من سعيه لبناء استراتيجية قائمة على تبادل المصالح بين اميركا وحلفائها من خلال دعوتها لهم للمشاركة في المسؤولية وفي تبادل «الغرم والغنم» معهم، مع كل ما يتطلب ذلك من تعاون جدي مع التوجهات والمقاربات الأميركية الجديدة، التي ساهم بومبيو بقسط كبير من صياغتها وإرساء قواعدها.
من المتوقع والطبيعي ان يشرح بومبيو للقيادات اللبنانية التي سيلتقيها التوجهات الجديدة للسياسة الأميركية في المنطقة، مؤكداً على دعم اميركا لحلفائها، ولحرصها على استقرار الوضع في لبنان، والانصراف الى معالجة مشاكله السياسية والاقتصادية، في ظل الحرص الكامل على الحفاظ وتنفيذ سياسة «النأي بالنفس»، كما وعدت الحكومة في بيانها الوزاري. من المتوقع ايضاً في هذا السياق ان يبرر المسؤولون اللبنانيون عدم تلبيتهم لدعوة المشاركة في مؤتمر وارسو، بربطها بالحرص على ما تفرضه سياسة «النأي بالنفس» من مستلزمات. سيثير الوزير الأميركي في مباحثاته ضرورة واهمية التزام لبنان بالعقوبات الأميركية ضد طهران والميليشيات التابعة لها، بما فيها حزب الله، وهذا ما تحدث عنه مصدر ديبلوماسي أميركي «بأن الاهتمام سينصب على مناقشة الأنشطة غير القانونية والسلوكيات العدوانية التي تمارسها ايران وحلفاؤها».
سيعبّر بومبيو عن استمرار الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للجيش اللبناني (والذي يقدّر بسبعين مليون دولار لهذا العام)، وذلك انطلاقاً من حرص الولايات المتحدة على دعم المؤسسات الشرعية، وخصوصاً مؤسسة الجيش التي تشكل القوة الأساسية للدفاع عن السيادة الوطنية، وبالتالي القوة القادرة على منع الحرس الثوري وحزب الله من الهيمنة على الأراضي والحدود اللبنانية. 
في المقابل سيحذر الوزير الأميركي المسؤولين اللبنانيين من بغية التساهل وفتح السبيل لحزب الله للاستفادة من مواقع وزرائه للحصول على أموال عامة من الوزارات التي يديرونها، وبأنه من الضروري ايضاً الحؤول دون وصول اية أموال من المساعدات التي يتلقاها لبنان، بما فيها المساعدات الأميركية، الى حزب الله، مع التذكير بتصنيف الحزب من قبل السلطات الأميركية كمنظمة «إرهابية منذ عام 1997.
وسيعرض الجانب اللبناني امام بومبيو السياسة والتوجهات لحكومة العهد الأولى لجهة اعتماد إجراءات إصلاحية ومحاربة الفساد للنهوض بالاقتصاد اللبناني، مستفيداً من مقررات مؤتمر «سيدر». من الطبيعي بأن يطلب لبنان من الوزير الأميركي لجم الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، وحل مسألة ترسيم الحدود البحرية مع التأكيد على التمسك بحقوق لبنان في حدوده البرية ومياهه. من المرجح أن يبادر بومبيو الى تشجيع لبنان على تسريع عملية الاستفادة من ثرواته الطبيعية واستغلالها وبالتالي اللحاق بركب جميع دول شرقي المتوسط التي سبقته سنوات في استغلال ثرواتها الغازية، وذلك كوسيلة للخروج من أزماتها الاقتصادية وتحقيق الازدهار لشعوبها، مع التأكيد على استعداد الولايات المتحدة لمتابعة وساطتها بين لبنان وإسرائيل والتي كان بدأها السفير فريدريك هوف وتابعها السفير دافيد ساترفيلد العام الماضي. 
يبقى ملف النازحين السوريين وعودتهم الى بلادهم من القضايا الضاغطة التي يمكن أن يطلب فيها لبنان تفهم الولايات المتحدة لخطورتها على مستقبل لبنان، لكن لا يمكن توقع ان يقدم بومبيو أية أفكار مفيدة سوى ضرورة التريث الى حين نضوج حل سياسي للأزمة السورية. 
في النهاية سيعبّر بومبيو عن تفهمه لأوضاع لبنان الخاصة التي تحول دون انضمامه الى التحالف الإقليمي الذي تزمع واشنطن على انشائه، مع التأكيد على حرصها على استقرار وسيادة لبنان، بما في ذلك التوسط لحل مسألة الحدود البحرية مع إسرائيل. لكن من المتوقع أن تأخذ المحادثات طابع «السير على حبل رفيع مشدود» في ما يتعلق في الحد من النشاطات الإيرانية وتغلغل نفوذ حزب الله داخل السلطة. 
تقضي الواقعية السياسية والمصلحة اللبنانية الاستماع جيداً لشروحات وتحذيرات الوزير الأميركي، وقد يكون من الحكمة الطلب لحلفاء العهد بالتزام الصمت خلال الزيارة وعدم المزايدة في موضوع النازحين أو في الدفاع عن خيارات «المقاومة» خصوصاً بعد اتهامها بالعمل لصالح ايران في عدد من الدول العربية.