تزامنت زيارة وزير خارجية الكويت الى بيروت في ٢٢ كانون الثاني مع الذكرى الحادية والثلاثين لتحرير الكويت وعملية عاصفة الصحراء في ١٩ كانون الثاني ١٩٩١، وكانت الغاية من الزيارة معالجة تعقيدات الواقع السياسي الحالي الذي تكوَّن نتيجة مكافأة أميركية لسوريا على مشاركتها في حرب تحرير الكويت وتنفيذ الخطوات العسكرية في لبنان المتممة لعاصفة الصحراء، حيث تم اعادة اطلاق يدها في لبنان بعد الاجتماع بين الرئيس الياس الهراوي وعبد الحليم خدام وجيمس بيكر في المعلقة على قاعدة بقاء الوصاية الاخوية في مقابل بقاء احتلال الاعداء والشروع في تقصير ولاية المجلس النيابي واقرار قانون انتخابات و زيادة عدد النواب الى ١٢٨و بموازاة انهيارات مالية، مما انتج سلطة موالية عبر اجراء الانتخابات التي قاطعها المسيحيون،وبذلك يكون لبنان السياسي اليوم هو نتيجة عملية تحرير الكويت قبل ثلاثين عام.
٢ آب ١٩٩٠ جاء احتلال الكويت بمثابة صدمة ثانية للقوى الديموقراطية بعد ما تعرض له لبنان من احتلال وتفكك واضطراب، لان الكويت ايضا كانت واحة ديموقراطية واعدة للحريات السياسة والاعلامية والثقافية والمعرفية، وهناك الكثير من التداخل الكويتي اللبناني الاجتماعي والعملي، بالاضافة الى العناية الدبلوماسية الكويتية المميزة التي تمثلت بنشاط امير الكويت الراحل صباح الاحمد والذي شغل عمادة الدبلوماسية العربية على مدى عقود طوال وكان على رأس اهتماماته اعادة الاستقرار الى لبنان.
جاء احتلال الكويت بعد سقوط جدار برلين في ٩ تشرين الثاني ٨٩ وبعد التصديق على اتفاق الطائف في لبنان في ٥ تشرين الثاني ٨٩ ومع تراجع الحضور السوفياتي بعد البيروسترويكا، وحققت عاصفة الصحراء حلم الثلاثي (نيكسون وكيسنجر وبوش الاب) بالسيطرة على منابع النفط بعد عملية قطع النفط من قبل الملك فيصل ابان حرب ٧٣ ، وعاصفة الصحراء كانت الحرب الاولى في المنطقة التي لا تشارك فيها اسرائيل والحرب الاولى التي تشارك فيها دول اعلان دمشق العربية تحت قيادة القوات الاميركية.
يأتي وزير الخارجية الكويتي الى لبنان بعد ثلاثين عاما على تشكيل هذا الواقع السياسي منذ عام ٩٢ المتقاطع مع عملية احتلال الكويت الشقيق وتحريره وانتهاء الحرب الباردة واطلاق سياسة الاحادية التي حولت حلفاء الامس الى اعداء اليوم، فكانت احداث ١١ ايلول والتي مهدت الى احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وابتكار استراتيجية الفوضى الخلاقة التي بدأت باغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من اغتيالات وصولا الى ربيع الخراب والدمار والضياع الذي استهدف كل العرب بدون استثناء وما نتج عنه من حروب ومواجهات وتحديات وتحولات وتقاطعات وتموضعات واتفاقات اقليمية ودولية.
ينتظر وزراء الخارجية العرب في الكويت اليوم في ٢٩ كانون الثاني رد لبنان وهم يعرفون جيدا الاثمان الباهظة التي دفعها لبنان على مدى ٧٥ عاما من النكبة واللجوء الفلسطيني الى النزوح السوري مرورا بكل النكسات والاحتلالات والثورات والانقلابات والحروب الباردة والساخنة والايديولوجيات العقائدية والتنظيمات الدينية والمذهبية والمليشيات والمعارضات وصراع الاخوة الاعداء على ارض لبنان وتداخل سياسات دول الجوار ودول المحيط، ويعرفون جيدا ان تحديات الانتقال من مجتمعات النزاع في المنطقة الى مجتمعات الانتظام يحتاج احترام كل الافرقاء كل القرارت الدولية منذ تأسيس الامم المتحدة حتى الان والايفاء بتعهدات مؤتمر مدريد بعد تحرير الكويت باعادة الارض المحتلة الى اصحابها والمقدسات الى اتباع الديانات، ويبقى ان لبنان الذي يتشارك مع الكويت الشقيق مرارات الاحتلال من الاشقاء والجيران يتفاءل بزيارة وزير خارجية الكويت الى بيروت في ذكرى تحرير الكويت.