بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 نيسان 2022 08:40ص عقوبات على الصين؟

حجم الخط
ما هدف العقوبات؟ معاقبة الأنظمة أم الشعوب؟ يضع الغرب عقوبات قاسية على روسيا لهجومها على أوكرانيا. الوقائع والمشاهد تشير الى وقوع الكثير من الخراب والضحايا. صور مؤلمة مستمرة والخسائر البشرية الأوكرانية كبيرة. اذا كان هدفها معاقبة الشعب الروسي، فربما نجحت وهنالك وقائع معيشية سلبية واضحة. اذا كانت أهداف العقوبات وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، فلا شك أنها فشلت. هنالك أيضا دول عدة لا تشارك في العقوبات على روسيا منها الصين والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية وبالتالي فرص النجاح محدودة. من الممكن أن تكون هنالك أهداف أخرى سرية للعقوبات منها تغيير الادارة أو ضرب الصادرات أو تخفيف القوة الاقتصادية.

العقوبات على روسيا وإن تؤثر عليها، لم تغير بعد مسار الحرب. من الأسباب المعلنة لاستمرار الحرب قوة الدفاع الأوكرانية وحسن التخاطب مع العالم من قبل الادارة الأوكرانية وخصوصا الرئيس زيلينسكي الذي يملك قدرات اعلامية كبيرة. من الأسباب الممكنة عدم جهوزية الجيش الروسي كما كان متوقعا ليس فقط من ناحية التسلح وانما أيضا من ناحيتي التموين والتدريب. أما المساعدات العسكرية الغربية، فكانت كبيرة في السلاح والتجهيزات والآليات. أتت بكثرة سريا وعلنا ولها مفعول كبير.

ما هي تأثيرات العقوبات حتى اليوم على روسيا. ارتفع التضخم واصبحت المعيشة متعثرة أكثر والمواطن العادي يعاني. أما سقوط الروبل فكان مدويا الا أن سياسة المصرف المركزي الرافعة للفوائد من 9,5% حتى 20% كان لها أثر واضح في تجنب الانهيار الكبير، واليوم تنخفض الفوائد مجددا. يتأثر الاقتصاد الروسي أكثر يوما بعد يوم بسبب العلاقات التجارية المتردية مع أوروبا كما بسبب العقوبات المالية والمصرفية المفروضة من قبل الولايات المتحدة.

نعلم جميعا أن الوحدة الأوروبية هي الشريك التجاري الأكبر لروسيا أي 36,5% من مجمل الواردات و 37,9% من مجمل الصادرات الروسية في سنة 2020. النجاح في دعم الروبل لا يدل على أن الأمور تسير ايجابا، انما هو دليل على رغبة الادارة الروسية في توظيف الروبل كأداة دعائية للوضع الداخلي العام. الروبل هو واجهة الدولة كما هو حال كل نقد، وبالتالي الحفاظ عليه مهم كوسيلة دعائية فاعلة.

هل استسهل الغرب وضع عقوبات على روسيا؟ هل كان ممكنا وضعها على الصين لو قامت مثلا بعمل مشابه أي احتلال تايوان الصينية أو دولة أسيوية قريبة؟ لنضع الحقوق والوسائل والظروف والتاريخ جانبا، ولنتصور أن الصين فعلت في تايوان ما فعلته روسيا في أوكرانبا. هل كانت التأثيرات نفسها على الفريقين المتنازعين وعلى الاقتصاد العالمي؟ الاقتصادان الروسي والصيني مختلفان، ولا شك أيضا أن الاقتصادين الأوكراني والتايواني مختلفين أيضا لكن هل كان الغرب تحرك بنفس السرعة والقساوة في وضع عقوبات شاملة؟ هل كان الاقتصاد العالمي تعثر تضخميا ومعيشيا كما هو الحال اليوم؟

روسيا مهمة جدا للاقتصاد الغربي أقله صادرات النفط والغاز الى أوروبا وخاصة الى ألمانيا. تعوض الولايات المتحدة بعض الغاز لكن هذا مؤقت ولن يكون كافيا. وقف الصادرات الروسية أو تقليصها لن يضر فقط بالطرفين بل بمجموعة شركات أعمال تستفيد من بيع ونقل هذه السلع المهمة. اذا روسيا مهمة للغرب لكن أهميتها محصورة بالمواد الأولية من طاقة وغذاء. أما الصين الدولة الافتراضية المهاجمة، فاقتصادها 10 مرات أكبر من الاقتصاد الروسي وهي تنتج سلعاً كثيرة متطورة يحتاج اليها كل العالم وليس الغرب فقط.

الاقتصادان مختلفان جدا أي بدائي روسي يرتكز على المواد الأولية وصناعي تكنولوجي متطور خاصة بسلاسل التوريد تتفوق بها الصين. مكانة الصين كبيرة اليوم أيضا كمستهلك للسلع الغربية وخاصة لسلع الاستهلاك الأوروبية الفاخرة أي الباهظة الثمن. هنالك طبقة سكانية واسعة في الصين لها القدرة على شراء أغلى السلع والتحف والملابس الأوروبية. الصين مهمة جدا للغرب ليس فقط كمصدر أساسي للتكنولوجيا وانما أكثر فأكثر كمستهلك لأبرز سلع الاستهلاك الأوروبية. مجتمع صيني ميسور يغزو أسواق الاستهلاك العالمية بجرأة ونوعية تشابه الى حد بعيد التسوق الياباني في عقود القرن الماضي.

من ناحية أخرى، يقدر الاحتياطي النقدي الصيني ب 3 ألف مليار دولار أي 6 أضعاف ما تملكه روسيا بالاضافة الى أن الصين أقرضت وتقرض الولايات المتحدة لتمويل استهلاكها الداخلي. فالصين تملك كميات كبيرة من سندات الخزينة الأميركية اشترتها وما تزال لتمويل العجز المالي الأميركي. أميركا دولة عظمى تعطي أهمية كبيرة للاستهلاك ولمستوى المعيشة والحريات الفردية، والصين دولة عظمى تعطي أهمية كبيرة للادخار والنمو والعمل الشاق في سبيل التقدم. لا بد من القول أن النشاط الادخاري الصيني كان وما زال سببا أساسيا لجعل الفوائد العالمية أدنى بكثير مما كان يمكن أن تكون عليه. أميركا تحاول الحفاظ على قوتها بينما الصين تحاول تطوير وتكبير قوتها للفوز بحصة أكبر في الاقتصاد والنفوذ العالميين.

لتقييم أهمية الصين في الاقتصاد العالمي لا بد من العودة الى صراعها التجاري مع الولايات المتحدة خلال سنتي 2018 و 2019 والذي ابعدهما عن مبادئ حرية التجارة العالمية ودورها في محاربة الفقر وتحقيق التنمية. وضعت كلا منها تعريفات جمركية ايضافية على تجارة السلع بينهما والتي تقدر ب 450 مليار دولار. لا شك أن التجارة الثنائية انخفضت، لكن كيف كان تأثير ذلك على التجارة الدولية في السلع نفسها؟ تشير الاحصائيات الى أنها ارتفعت 3% بسبب دخول دول أخرى الى الأسواق وتقديم سلع جديدة أو مشابهة مما ساهم في تعزيز مواقع دول عديدة في السلع نفسها.

انخفضت الصادرات الأميركية الى الصين بنسبة 26,3% بينما ارتفعت الصادرات الأميركية الى بقية دول العالم 2,2% فقط. أما الصادرات الصينية الى أميركا، فانخفضت 8,5% بينما ارتفعت الى بقية دول العالم 5,5%. هنالك دول استفادت من الصراع لتعزيز دورها التجاري كفرنسا التي زادت صادراتها الى أميركا وبقية دول العالم. لا شك أن موقع كل دولة وتنوع انتاجها يسببان تعزيز الدور أو عكسه. لذا لا بد من دراسة كل مزايا العرض والطلب في الدول لفهم مقدار تجاوبها تجاه الصراع الأميركي الصيني الكبير. الحرب التجارية بين الجبارين سببت الأذية لهما دون أن ينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي. من ناحية أخرى، وقوف الصين تجاريا في وجه الولايات المتحدة يشير الى قوتها المتزايدة في الخريطة الاقتصادية العالمية والتي تتحدى الغرب. باختصار لن يكون وضع عقوبات على الصين سهلا حتى اذا هاجمت دول أخرى.