بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الثاني 2021 12:02ص عوامل تعرقل النمو

حجم الخط
هنالك عوامل تعرقل النمو الاقتصادي العالمي بالرغم من كل الاستثمارات والجهود الرسمية للانطلاق. يجب بسرعة تعويض ما خسره العالم من الكورونا وما نتج عنها من اقفال وموت واصابات وخسائر صحية وبشرية قيمة.  عودة الاقتصاد العالمي الى النمو تبدأ من التجارة التي وإن ازدهرت مؤخرا تتعرقل مسيرتها بسبب عدم قدرة انتاج العديد من السلع المهمة كالسيارات بالكميات والسرعة المطلوبتين.  خلال الكورونا نسي العالم بعض المبادئ الأساسية والبسيطة للتجارة الدولية السليمة:

أولا: لا يمكن ترك الأسواق تعمل لنفسها وبحرية كاملة دون أي اشراف أو رقابة أو حدود.  من الممكن لهذه الأسواق أن تنتج فسادا أو تسوق سلعا مغشوشة أو مضرة أو سلع لا حاجة لها مطلقا. لا شك أن عوامل الطقس من حرائق وفياضانات وزلازل وغيرها أثرت سلباً على العرض الدولي لكل السلع.

ثانيا: ليست هنالك طريقة واحدة لتحقيق الازدهار.  معظم الدول يحمي مؤسساته وقوانينه لتنفيذ السياسات العامة التي تناسب الدولة.  في نفس الوقت لا يحق لأي دولة أن تفرض مؤسساتها وقوانينها على دول أخرى.  محاولات التأثير بين الدول تخلق المشاكل وتعرقل التجارة وتؤخر النمو.

ثالثا: دور المؤسسات كما القوانين الدولية هو وضع المبادئ التي يمكن للمجتمع الاقتصادي العالمي أن يعمل من ضمنها لتحقيق النتائج الايجابية للجميع. أما حقوق وواجبات الدول فتختلف كليا بين الديموقراطيات والديكتاتوريات، والنتائج واضحة أمام الشعوب.  هذه الوقائع تختلف أيضا من منطقة الى أخرى تبعا للثقافات والتاريخ والعقليات.

تزداد التجارة الدولية هذه السنة بالتزامن مع نمو الاقتصادات الأساسية في حدود 5,2% و 4,5% في 2022.  تتوقع منظمة التجارة العالمية أن تنمو التجارة 8% هذه السنة أي ما يفوق انخفاض السنة الماضية الذي بلغ 5,3%. أما ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة فما زال خجولا مقابل سقوط 42% السنة الماضية.  في وجه هذه الاحصائيات المهمة، هنالك عوائق كبرى عرقلت النهوض القوي منذ بداية 2021. لا شك أن عدم القدرة العالمية على تلقيح الجميع في كل القارات يشكل الحاجز الأساسي أمام مزيد من التقدم والنمو في الاقتصاد الدولي.

هنالك مشكلة أخرى سببتها الكورونا وهي عمليا عودة التباين بين مسيرتي الدول الفقيرة والغنية بعد ان كان التلاقي متقدما في السنوات العديدة الماضية. ترابط العالم بعضه ببعض بفضل التجارة سهل ورفع مستوى الحياة في الدول الفقيرة. اعتبرت هذه المسيرة النامية من أهم الانجازات الاقتصادية العالمية في القرن الماضي. تغيرت السياسات التجارية عبر الزمن لتفتح الطريق أمام النهوض الاقتصادي للدول النامية والناشئة مما حقق نجاحات كبرى في بعض الدول في آسيا ومعتدلة في أفريقيا والمنطقة العربية. من النتائج السلبية أيضا توسع فجوة الدخل في الدول اذ لم يستطع الفقير أن يلحق بكافة التغيرات الاقتصادية والمالية. ارتفاع الفجوة يعرض السلام العالمي للخطر اذ أن مساهمة الجميع أكثر من ضرورية.

الفجوة كبيرة بين الدول وداخل كل دولة والحل بتعزيز التجارة وتنشيطها. ما هي العوائق الأساسية التي تمنع النمو من أن يكون قويا ومعمما على كل الدول؟

أولا:  التضخم القوي الناتج عن ارتفاع أسعار المواد الأولية وفي مقدمها النفط والتي تدخل في انتاج كل السلع.  ارتفاع أسعار المحروقات يشعل أسعار كل السلع والخدمات مما يعيق النمو. حتماً الخاسر الأكبر من التضخم هي الدول الفقيرة التي لم تكن حتى قبل التضخم جاهزة للنهوض والتطور.  هنالك مصدر ثانٍ غير النفط لا يقل أهمية عنه وهو ارتفاع الطلب على كل السلع والخدمات منذ بداية هذه السنة في وقت كان خلاله العرض منخفضا بدأ من السنوات الماضية بسبب الكورونا والاغلاق شبه التام للقطاعات الاقتصادية.

ثانيا:  هنالك مشكلة في امدادات العرض أي نقص في المواد التي تصنع منها السلع النهائية مما يسبب انخفاضا في نمو العرض مقابل الزيادة الكبرى في الطلب. لذا ترتفع الأسعار. هنالك مشكلة تتلخص في أن انتاج سلع أساسية كالسيارات تعتمد على روابط بين عدة اقتصادات وطنية في العمال والقطع والطاقة والادارة والاستشارات والتسويق والنقل والخدمات وغيرها.  تنتج أقساما من السلع التي تجمع في موقع معين في الدولة النهائية.  تجميع القطع التي تنتج منها سيارة ما يعتمد على الامدادات السليمة القادمة من دول عدة وبالتالي على هذه السلسلة أن تعمل بفعالية كي يحصل الانتاج بالسرعة والنوعية المناسبتين. هدف الاتفاقيات التجارية هو حماية الملكيات الفكرية في كل مراحل الانتاج كي يستمر بسرعة وفعالية وسلامة.

من الدول التي تضررت كثيرا من امدادات العرض هي بريطانيا التي لها أوضاع خاصة بالاضافة الى انعكاس العوائق العالمية المشتركة عليها.  ما هي أسباب استمرار المشاكل الانتاجية في بريطانيا؟

أولا: البركسيت حيث أن انفصالها عن القارة الأوروبية أفقدها الامتداد الجغرافي الضروري للانتاج والتسويق.  افقدها العمالة الضرورية لإيصال السلع الى المعامل والطاقة الى محطات الوقود.  بسبب البركسيت ترك ألوف السائقين الأجانب أعمالهم وعادوا الى بلادهم لغياب الفيزايات، وبالتالي فقدت السلع من المتاجر وتوقف امداد محطات الوقود بالنفط.  طلبت الحكومة من الجيش ايصال النفط الى المحطات وفعل، لكن هذه ليست مهمة دائمة لأي جيش في العالم.  السائقون غير راغبين بالفيزا المقدمة حتى اليوم لأن الحقوق ليست كما يشتهون.  الحل هو في استيراد هذه العمالة التي تقود الشاحنات واعطائهم التأشيرات والحقوق المناسبة كي يأتوا خاصة وأن الطلب العالمي وخاصة الأوروبي عليهم مرتفع جدا.

ثانيا:  مشكلة التضخم تضرب أيضا بريطانيا لعدم التجانس بين الطلب والعرض وبسبب ارتفاع أسعار المحروقات. نضيف اليهما التباطؤ في النمو وبالتالي الارتفاع في البطالة.  خسرت بريطانيا الكثير من البركسيت والعودة الى الوحدة الأوروبية مستحيلة خاصة وأن الاقرار بالخطأ لم يحصل بعد.  ليس ما يشير أيضا الى أن الأوروبيين راغبون في عودة البريطانيين اليهم خاصة وانهم لم ينسجموا أبدا مع الفرقاء الآخرين بسبب الثقافة والعقلية.  مشكلة صيد السمك هي مشكلة جدية بين بريطانيا وفرنسا والحل ليس سهلا لان الشعور الوطني قوي جدا من قبل الفريقين.

ثالثا:  هنالك عديد كبير من الحاويات تنتظر في المرافئ لتفرغ بحيث يرتفع العرض الداخلي.  هذا ليس حال بريطانيا فقط وانما حال الدول الصناعية عموما وقد رأينا الحاويات تنتظر في مرفأ لوس انجلس للتفريغ، فطلب من المرفأ العمل 24 ساعة كي تتم المهمات.  هنالك تأخير 10 أيام يفصل بين موعد وصول الباخرة وتفريغ الحاويات، وهذا مزعج.