بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الأول 2021 12:02ص غلاسكو ومشكلة المناخ

حجم الخط
قمة تشرين الثاني للأمم المتحدة بشأن المناخ في غلاسكو في بريطانيا هي في غاية الأهمية بسبب الضرر الذي تسببه السخونة الأرضية للانسان ولكافة الكائنات الحية. العالم واع الى أن حماية الطبيعة تتطلب جهدا عالميا مشتركا. المشكلة كبيرة وتنتقل من دولة الى أخرى. هنالك دور كبير للمؤسسات الأممية كالبنك الدولي في تحديد عمق المشكلة وامتدادها كما في تأمين الأموال الكافية لتصحيح الخلل البيئي. هذه بداية لفترة جديدة يتم خلالها مواجهة الأخطار البيئية من كل دول العالم. اذا لم يفعل العالم شيئا سيخسر سنويا، كل سنة، 5% من الناتج العالمي أي نعود مع الوقت الى الفقر العميق.

سيفرض التغير المناخي على حوالي مليار شخص أن ينزحوا من أماكن عيشهم من الآن حتى سنة 2050. يحدث التغيير المناخي أزمات وخلافات ربما عسكرية بين الدول بسبب المياه والطاقة المتأثرة كما بسبب ندرة كافة السلع والخدمات وخاصة المواد الأولية. لا شك أن البطالة والدخل يتأثران جدا بما يحدث في الأرض وبالتالي ترتفع مؤشرات الفقر بسبب التلوث ومصائب المناخ. هنالك فرصة اليوم تتعلق بتغيير الطاقات المستعملة والتوجه أكثر الى النظيفة أي غير الملوثة لأن أسعارها تدنت مع التطور التكنولوجي الكبير.

من منا لا يشعر بالتغيير المناخي الذي ضرب الفصول الأربعة وأصبحنا عمليا في مناطق متعددة مع مناخ ذي فصلين، حار طويل ومعتدل قصير. لا شك أن التغير المناخي هو مشكلة علمية وعملية تضرب كافة السياسات العامة وتصيب الانسان في حياته اليومية. للتغير المناخي تأثيرات كبرى سلبية على كافة الأسواق أي على الكميات المنتجة والمستهلكة كما على أسعارها وهنالك تأثيرات عامة أي على السياسات والتواجد السكاني. هنالك ضرورة لتغيير نمط الحياة اليوم للحفاظ على الثروات الطبيعية والغابات ومنع الحرائق. الاستهلاك من دون حدود وبكافة الوسائل أضر بكل شيء وجعل الحياة أصعب ومضرة لصحة الانسان كما لبقية الكائنات الحية.

هنالك ضرورة لأن تتأقلم العلوم الاقتصادية مع مستجدات المناخ ومنها تخفيف كمية الاستهلاك ووسائله منعا للضرر البيئي المتزايد. الانتقال من استهلاك الطاقة الملوثة الى الطاقة النظيفة كالشمسية أهم بكثير من تخفيف استهلاك الطاقة الملوثة التقليدية كالفحم. من الضروري اليوم قبل الغد ادخال التغير المناخي في كل الدراسات الاقتصادية ليس فقط فهما للحاضر وانما تحضيرا لمستقبل نظيف يمكن أن تعيش معه كل الأجيال المستقبلية. ادخال المناخ في الدراسات يغير كل المعادلات الاقتصادية خاصة العلاقة بين أرقام اليوم المعروفة ومؤشرات المستقبل المتوقعة. علاقة الانسان بالطبيعة يجب أن تتغير، وهذا ليس دائما سهل التطبيق بسبب العادات والمصالح والفساد المادي الكبير.

لا شك أن الاقتصاد العالمي تطور كثيرا في العقود الماضية. تشير الاحصائيات الى أن الناتج المحلي الاجمالي العالمي كبر 15 مرة منذ سنة 1950 حتى سنة 2019 أي قبل الكورونا ولا بد وأن يعود الى النمو بعد السيطرة الكلية على المشاكل الصحية. تدنى عدد الحيوانات بمختلف أنواعها 68% منذ سنة 1970 وحتى 2016 بسبب التغير المناخي والحرائق المؤلمة التي حصلت في كل مكان خاصة في استراليا وكاليفورنيا وغابات الأمازون وغيرها والتي أحدثت أضرار لم تقيم جديا بعد. هنالك وقائع يجب أن تعالج كي يخفف العالم الخسائر الطبيعية وبالتالي قمة غلاسكو هي في غاية الأهمية:

أولا: أهملت العلوم الاقتصادية الثروة الحياتية والبيئية وتم التركيز على النمو والناتج المحلي حتى لو أحرق الانتاج الأرض وضرب التربة والصحة ولوث الهواء والماء. النمو المادي من دون حدود مضر للطبيعة وللانسان. يجب أن تعدل العلوم الاقتصادية مقياس النجاح والتفوق في الحياة أي أن زيادة الناتج ليست دائما مثالية خاصة عندما تضر بالطبيعة. في الاقتصاد حتى اليوم النجاح هو زيادة الانتاج ويتم تجاهل التأثيرات البيئية الخطيرة. هنالك ضرورة لتوجيه المجتمعات نحو المعايير الفاضلة التي تؤسس لاحترام البيئة منذ الصغر في كل المدارس وثم الجامعات. تكلفة التلوث الباهظة لم تدخل العلوم الاقتصادية الا مؤخرا، وما زالت تقنياتها الرقمية والاحصائية بدائية.

ثانيا: المهم جدا أن لا يتعدى طلب المجتمعات من الطبيعة ما يمكنها أن تعرض علينا دون أن تدمر نفسها. هذا يعني أن استعمال الانسان للثروات الطبيعية يجب أن يكون ضمن حدود واضحة تمنع الضرر الطويل الأمد. هنالك أهمية استثنائية للسياسات المالية التي توجه الانفاق نحو الحاجات الأساسية، اذ لا مانع مثلا أيضا من وضع ضريبة على التلوث ضمن سياسات وقواعد واجراءات مناسبة لكل مجتمع. حسن استعمال الطاقة وتحويل الاستعمال الى طاقات أقل تلوثا كما وقف الهدر أساسي في مجتمعات تعاني أكثر فأكثر من التضخم والقلة. تطوير الاقتصاد الدائري مهم بحيث يتم تدوير كافة السلع لتستعمل مجددا لأن الأرض لم تعد تحتمل تخزين كل السموم.

ثالثا: تفرض المسؤولية علينا كمجتمعات أن نطور الطبيعة أي أن نستثمر فيها. لا يكفي أن نعالج الخسائر وأن نحمي الموجود، بل علينا تطوير التربة وتنظيف المناخ أي خاصة الماء والهواء. يجب الوصول الى أوضاع لا نضيف خلالها الى التلوث القائم أو ما يعرف بتلوث اضافي «صفر القيمة». الاستثمارات في الطبيعة مهمة جدا بحيث تخلق فرص عمل وتسمح للمؤسسات بالاستثمار في التجدد والابتكار، أي ادخال العلوم الرقمية والذكاء الاصطناعي وغيرها الى كافة القطاعات. كما تطمئن كافة المجتمعات الى صحة الطبيعة المستقبلية.

رابعا: مؤسسات القطاع الخاص كما العام ليست مهيئة حتى اليوم لتقييم الخلل البيئي وهي ليست جاهزة تقنيا وماديا وبشريا لمعالجة الخسائر الطبيعية. وزارات البيئة حديثة نسبيا والأموال المتوافرة لها هي عموما قليلة مقارنة بالحاجات الأخرى كالأمن والدفاع والبنية التحتية وغيرها. لا اصلاح بيئي من دون أموال تتناسب مع الأهداف الكبيرة التي يجب الوصول اليها. المطلوب تغيير العقليات وتطوير الامكانات كي تستطيع كافة المؤسسات مواجة الأخطار البيئية المختلفة.

هنالك أمل كبير بأن ما سيتحقق في غلاسكو يفوق بأهميته ما اتفق عليه في مؤتمرات الريو وكيوتو وباريس وغيرها. الاتفاق متوقع في غلاسكو بسبب الوعي العالمي الحالي العلني للمشاكل البيئية. الأرضية مناسبة في غلاسكو لأن المجتمع والمؤسسات المحلية واعية للموضوع. المخاطر البيئية على حياة الانسان جدية كما أن الحرارة ترتفع والفيضانات تغزو كافة المناطق والحرائق تأكل الغابات وتجعل مساحات واسعة من الأرض غير قابلة للعيش. القرارات التي ستتخذ في غلاسكو ستكون في غاية الأهمية للعالم وللمستقبل شرط تطبيق كل التوصيات.