بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 كانون الأول 2022 05:24م في لبنان.. الماضي يغتال المستقبل

حجم الخط
الخوف من المستقبل والاحتماء بالماضي، معادلة ذهبية يجتمع حولها كل مكونات السلطة في لبنان من الزعامات المذهبية الى ورثة الاباء والاجداد من العائلات والاحزاب المتوارثة والانماط التقليدية الى القوى المسلحة المستحدثة والعقائد الدينية الاسلامية والمسيحية، وتلك الانماط على تنوع تسمياتها فانها تشكل مجتمعة قوى الماضي اللبناني، والمانعة لقوى المستقبل من البقاء على قيد الحياة بالحروب الداخلية والخارجية او بالاغتيالات الشخصية والسياسية، والخلافات بين قوى الماضي هي عملية شكلية احتوائية من اجل تدجين الطاقات الفردية والجماعية الراغبة بالعبور الى المستقبل وبناء دولة المواطنة المحررة من القيود الطائفية والمذهبية القاهرة للحريات الفردية في التفكير والاختيار.

كثيرة هي الشواهد على قدرة قوى الماضي على استخدام العنف المسلح والعنف الاعلامي والسياسي والطائفي في مواجهة كل محاولات التقدم نحو المستقبل، وما اكثر الشخصيات والرموز العقائدية والحكومية والدينية والاعلامية والرئاسية التي تعرضت للاعدام او الاغتيال او التصفية السياسية عبر استخدام كافة انماط العنف و تشريع استخدام السلاح من خارج الدولة لغير اللبنانيين وخرق القواعد السيادية وتحويلها الى اعراف وطنية تناوب على استخدام لعنتها كل الطوائف والمذاهب والجماعات اللبنانية.

كثيرة هي الاسماء و القامات التي ذهبت ضحية طموحاتها واحلامها في بناء مستقبل يليق بالانسان في لبنان، وتلك الاسماء جرى تجهيل اسباب اغتيالها من اجل اعادتها الى اقبية الماضي الطائفي والمذهبي والحزبي والعائلي وتجريدها من رمزيتها الوطنية المستقبلية التي من اجلها سفكت دمائها او تفحمت اجسادها او قطعت اوصالها او علقت اعناقها خوفا من طموحاتها اللبنانية المستقبلية، وقوى الماضي لديها قداستها ومحافلها وطقوسها وادواتها القادرة على تحويل ضحايا الوطنية الكبار الى قرابين طائفية صغيرة.

تجتمع قوى الماضي كل خميس في قاعة البرلمان لتؤكد استكبارها على ضرورات المستقبل بالتشريع والاصلاح والانتخاب وتحتمي باعراف الماضي والقدرة على ابقاء الشغور اشهر وسنوات مرات ومرات من اجل الحفاظ على موروثات قوى الماضي في التعطيل والشغور والعزل والاقصاء والامتناع و قهر كل محاولات قوى المستقبل في التقدم الى الامام، مما يضع إنتخابات رئاسة الجمهورية امام نظام احتمالات بديهية تقليدية ويجعل من كل المرشحين المعلنين وغير المعلنين اسرى استتباعات قوى الماضي، مع انعدام الامل في ظهور اي عامل مفاجيء يؤدي الى تشكيل موجة قاطرة قادرة على بلورة افاق مرحلة انتقالية مستقبلية لبنانية.

شهد لبنان خلال العقدين الماضيين موجات انتقالية مستقبلية عديدة اصطدمت جميعها بموجات انتقامية من قوى الماضي المتعددة المنطلقات والأهداف والموحدة في الكراهية والاحقاد من اجل إعادة عقارب الزمن الى الوراء واحياء الماضي وتوازناته وادواته واعرافه، ونجحت قوى الماضي الانتقامية من القضاء على قوى المستقبل الانتقالية بتثبيت اعراف المحاصصة وتقاسم المغانم والموارد والثروات والوزارات والادارات والمدخرات والانصياع للتوجهات والأوامر الخارجية الاقليمية والدولية والتي اصبحت هذه الايام الناخب العلني والوحيد لرئاسة الجمهورية والمعنية بتشكيل الحكومات وعموم التعيينات، وكاننا لا نزال نعيش في الماضي البعيد او القريب ايام المتصرفية والانتداب والوصايات، والمؤسف في لبنان هو ان ... الماضي يغتال المستقبل... على الدوام … وحفظ الله لبنان.