بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الأول 2019 12:09ص قبل سقوط السقف المتصدع على الجميع

حجم الخط
هل يصل الرئيس المكلف إلى شاطئ التأليف، ونشهد ولادة الحكومة العتيدة  قريباً؟

هذا السؤال الذي يشغل اللبنانيين يكشف حجم الثقة المفقودة بالطبقة الحاكمة، وقدرتها على إخراج البلد من دوامة الأزمات المتناسلة هذه الأيام، بعد أكثر من شهرين من الضياع في مناورات سياسية باهتة، فضحت مدى تورط السلطة في لعبة المصالح، فيما البلد يسير بسرعة إنحدارية نحو الإنهيار الشامل.

لا بد من الاعتراف أولاً بحصول بعض الانفراجات الخارجية في ملفات إقليمية، وفي مقدمتها المفاوضات الأميركية الإيرانية، إنعكست إيجاباً على الوضع اللبناني، حيث جرت الإستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا، بعد تأخير متعمد، وتأجيل متعدد، وفاز بالتكليف نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت حسان دياب بأصوات أكثرية حزب الله وقوى ٨ آذار، في حين إمتنع تيار المستقبل والقوات اللبنانية عن تسمية مرشحهما، ولم تكن أصوات اللقاء الديموقراطي والكتائب كافية لتعديل كفة الميزان لصالح نواف سلام، الذي إتهمه حزب الله منذ البداية بأنه «مرشح واشنطن»!

لم تكن مجرد صدفة أن تتزامن الإستشارات النيابية مع زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية دايفيد هيل إلى لبنان، الذي تجاوز ظروف التكليف وحساباتها الحزبية والسياسية، وراح يركز في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على هيكلية الحكومة وهويتها التقنية، مشدداً على ضرورة مراعاة المواصفات التي وضعتها واشنطن وشركائها العرب والغربيين للحكومة اللبنانية العتيدة، والتي يجب إن تضم مجموعة من أهل الإختصاص والكفاءة، المشهود لهم بتاريخهم المهني، ونظافة الكف، لوضع خطة طوارئ مدروسة، تكون قادرة على إخراج لبنان من حالة التعثر الراهنة، وإقفال أبواب السرقات والهدر، التي كانت مشرعة على مصراعيها وكانت في مقدمة أسباب الإنهيار الحالي.

وتردد أن الزائر الأميركي كانت بحوزته تقارير عن تجاوزات بعض المسؤولين المالية، مستشهداً ببعض ما نشر في وسائل إعلام أميركية عن الفساد المستشري في أوساط أهل القرار في لبنان!

غير أن مؤشرات الانفراج النسبي الخارجي، لم يواكبها السياسيون اللبنانيون بخطوات عملية على أرض الواقع، توحي بقرب تأليف الحكومة، وتجاوز حسابات الربح والخسارة المعروفة، وإستيعاب مبررات الإنتفاضة المستمرة، فضلاً عن التغاضي على ظهور بعض النتوءات وعدم ضبط بعض الحركات في الشارع، وقطع الطريق على محاولات إستغلالها من المتربصين لإشعال الفتن الداخلية، وتشويه نقاوة الحراك الوطني الذي اجتاح كل المناطق اللبنانية.

ولأن المعنيين في الداخل والخارج تجاوزوا حاجز شخصية الرئيس المكلف، فإن البحث يتركز على تفاصيل توليفة حكومة الإختصاصيين: كيف يتم إختيارهم؟ ما هو دور الأطراف السياسية في تسميتهم؟ ماهي طبيعة العلاقة التي من الممكن أن تربط بين أعضاء الحكومة الجديدة والمرجعيات السياسية التقليدية؟ ما هي شروط تأمين التغطية السياسية اللازمة لإنطلاقة الحكومة وقراراتها الإصلاحية؟ هل تتقبل الأحزاب والقوى السياسية أن تبقى في موقف المتفرج، فيما فريق رئيس الجمهورية يشارك الرئيس المكلف في تركيب الحكومة وإختيار أعضائها؟

كل تلك التساؤلات تبقى في كفة، وموقف الحراك من الحكومة ورئيسها يكون في كفة أخرى، لا تقل أهمية عن الأولى، خاصة بعد تعدد محاولات السلطة وبعض أجهزتها في إظهار الحراك بصورة المنقسم بين أطرافه، سواء من خلال اللقاءات التي تمت في قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية، أو بعد المحادثات المتكررة التي قيل أن الرئيس المكلف أجراها مع بعض ممثلي الحراك، وكان آخرها أمس الأحد.

الرغبة المزعومة المنسوبة لأهل السلطة بتمثيل الحراك في الحكومة العتيدة، هي في الواقع سيف ذو حدين بالنسبة للإنتفاضة، خاصة في ظل الحرص على عدم إظهار قيادة موحدة لها، سواء بالنسبة لبيروت فقط، أم على مستوى الوطن، ومشاركة ممثلين عن المناطق التي رفعت راية الثورة.

البعض يرى أن دخول الحراك في التركيبة الحكومية يعني إنتهاء مرحلة الشارع، والإنتقال العملي إلى تحقيق المطالب التي طرحتها الإنتفاضة، وخاصة مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وإعداد قانون إنتخاب جديد وإجراء إنتخابات مبكرة. ولكن ماذا لو لم يتم تحقيق معظم هذه المطالب، أو بعضها على الأقل، في ظل التركيبة الحالية للسلطة، وعقلية الإقطاع السياسي والطائفي المتحكمة بآلية القرار للدولة؟

ينطلق الفريق المعارض للمشاركة في السلطة من الفرضية الأخيرة، ويعتبر أن ترك الطبقة السياسية الحالية تتحمل مسؤولية المرحلة، وإثبات قدرتها على التعامل مع مطالب الإنتفاضة وتحقيقها، أكثر أمانة لمسيرة الحراك ومنطلقاته الإصلاحية الوطنية، وذلك تحت طائلة إبقاء جذوة الثورة مشتعلة، والنزول إلى الشارع كلما دعت الضرورة، وخاصة في حال عدم ظهور الجدية اللازمة في تنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة.

البلد في مسار الإنهيار، والإنقاذ السريع يتطلب من كل الأطراف السياسية التواضع والتنازل والتضحية بالأنانيات الشخصية والفئوية، وتغليب مصلحة الوطن ومتطلبات الخروج من النفق بأسرع وقت ممكن.

فهل من مُجيب، قبل سقوط السقف المتصدع فوق رؤوس الجميع؟