بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آب 2019 12:19ص قبل فوات الأوان...

حجم الخط
لا بد لأي طامح إلى تبوُّء موقع الرئاسة «أية رئاسة كانت» من توفير جميع الأسباب التي تمكنه من بلوغ هذا الطموح المشروع بحد ذاته، وفي طليعة المؤهلات المطلوبة علاقات سلسة مع اللبنانيين عامة بدءا بزعاماتهم وقياداتهم، وصولا إلى المواطنين العاديين الممسكين بزمام المناطق والشوارع والأزقة: إذا ما وضعنا هذا المقياس في خانة الطامح «المستقتل» للوصول إلى الرئاسة.

 معالي وزير الخارجية جبران باسيل فإننا واصلون حتما إلى نتيجة متناقضة تماما مع ما هذا المقياس، حيث أن معاليه متخصص في إطلاق الصواريخ الإستفزازية على جميع شرائح المجتمع اللبناني، ولو كنا في نظام رئاسي ينتخب فيه رئيس البلاد عن طريق عامة الشعب، لجاءت النتيجة مخالفة تماما لطموحات معاليه، شأنها في ذلك ما كان عليه حاله الإنتخابي السابق لقانون الإنتخاب الحالي الذي جاء مفصلا على أحجام وقياسات معينة، مكنته من الإفلات من براثن السقوط المتكرر الذي سبق أن صادفه في مراحل سابقة. معاليه يستهدف في تصريحاته الشعبوية المتلاحقة، أوساطا من جمهور خاص يعود إلى مرحلة قديمة من الزمن عرفت، بتسمية الإنعزالية اللبنانية التي لبثت لمرحلة طويلة حية ترزق، إلى أن تم تأقلمها مع مستجدات الوضع اللبناني متعدد الطوائف والمذاهب والذي داخلته نشاطات مكثفة للمجتمعات المدنية وللاتجاهات الديمقراطية والتوجهات الاندماجية والتوحيدية، حتى لوصلت إضافة إلى أواخر «الهدايا» التي وصلتنا من معاليه والمتمثلة بدوره الإبتدائي في ما آلت إليه قضية البساتين ودوره الاقتحامي في أرض معرض طرابلس الدولي، وإضافة إلى سابقة تعرّضه لما أسماه بالسنّية السياسية، وعطفا على تفضله علينا أخيرا بتعليقاته «النابعة من صميم الدستور اللبناني» والمتعلقة بالمادة 80 من الموازنة التي لا تزال تشكو وتهتز وتتقدم خطوة لتتراجع خطوات بما يخضعها إلى إملاءات معاليه عندما يقول: «إما تعديل المادة الثامنة من الموازنة وإلاّ عمرها ما تكون موازنة».


فارضا على اللبنانيين وجوب مخالفة الدستور والوضعية التعدادية للطوائف والمذاهب وتجاهل ما ذهب إليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما صرّح «بأننا اوقفنا العدّ»، وواقع الأمر أن هناك من يحاول أن يعيد اللبنانيين إلى لغة جديدة تستند إلى الاستفراس والتعالي ومحاولة اقتناص حقوق كرسها الدستور في مادته الـ95 واعتمدتها المادة 80 من الموازنة حيث تم التصويت عليها أصوليا وحازت على رضى الأكثرية الكاسحة في لجنة المال والموازنة، فضلا عن أكثرية المجلس النيابي. ها هم ضحايا المخالفة الدستورية والمخالفة الإدارية والإنسانية والمتمثلة بموقف الوزير جبران، الساعي بأي ثمن إلى اقتناص ما أمكنه من شعبوية بعض المنتمين إلى طائفته، أملا مخالفا للواقع وللسبيل القويم الذي قد يؤدي إلى الوصول والتربع على الكرسي السلطوي، وهكذا بات اللبنانيون محكومين بجملة من المواقع والمواقف السلبية وفي طليعتها موقع الدويلة التي حلّت مكان الدولة، وبسلاح مفترض أنه سلاح مقاومة ضد العدو الإسرائيلي، فإذا به سلاحا بات متحكّما بالوضع الداخلي اللبناني بما يخالف مبدأ النأي بالنفس ومنتشرا في أكثر من بلد عربي بما يخالف الإرادة الشعبية العامة في تلك البلدان، وبما يلبي الرغبة الإيرانية وتوجهاتها ويؤمن لها انتماء فئويا تقتصر مواقفه على إثبات انتمائه إلى مبدأ ولاية الفقيه وتفرعاتها المتمثلة بالحرس الثوري ولواحقه. 

كما بات اللبنانيون محكومين بذلك الحلف القائم ما بين الحزب والتيار الوطني الحر، بعد أن انتقل التيار من خلال اتفاق كنيسة مار مخايل من مواقفه السيادية السابقة إلى مواقع مخالفة تماما لما كانت عليه، حتى لبات السلاح والتوافق، واحدا متكاملا يجني ثمارا باتت ممسكة بمصالح فئات دون سواها، وطموحات غارقة في مستنقع المطامع الإمبراطورية الفارسية والأحلام السلطوية المحلية التي تحاول استبعاد كل ما هو مُنتمٍ إلى ما تم إنجازه من خلال ثورة الأرز وتكتل 14 آذار وهي ثورة يتم خنقها واستبعادها عن الساحة اللبنانية بشتى الوسائل والأحابيل. 

جانب هام مما يدور على الساحة اللبنانية حاليا يمثل استهدافا لأسس الطائف، وبالتالي، فقد  هزّ أسس الدستور الجديد وإن محاولة تبديل وتغيير هذه الأسس بالممارسة العملية الفارضة ومحاولات خلق البدائل من خلال فرض أعراف جديدة، يؤدي إلى مثل هذه النتائج المهددة لكل إيجابيات الطائف وجهوده التي لجمت مزيدا من انحدار هذا البلد في مهاوي الحروب الأهلية وآفاق مستقبل تواكبه غيوم وعواصف بالغة السواد. 

أما وبالبلاد تبذل جهودا هائلة للتخلص من هواجس الوضع الإقتصادي المهتز ومخاطر إنهياراته، وأما البلاد المشاركة في مؤتمر سيدر والساعية إلى مساعدة لبنان في جهوده ومطامح أهله وسلامة أوضاعه، فإن إغراقنا بمثل هذه الإنهيارات وهذه الإساءات يستدعي منا جميعا وقفات معارضة دفاعا عن بلدنا الذي تلفه في هذه الأيام جملة من العواصف المخيفة. 

مضيفين ما أشار إليه الوزير السابق سمير الجسر في تصريحه الأخير، إذ استعرض بعض المواقف من المادة 95 من الدستور مستخلصا أنها ابتزاز للبلد بأكمله من خلال الوضع الاقتصادي والسياسي  القائم موجها كلامه إلى الوزير باسيل بقوله: تعقّل قبل أن تدفع البلد إلى طريق لا تحمد عقباه، فهل تجدي مثل هذه النصيحة العقلانية... نرجو أن يتم ذلك قبل فوات الأوان.