بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آذار 2023 01:31ص قدرة الصين على تنفيذ الاتفاق... وماذا عن لبنان؟

حجم الخط
بعد اربعة ايام من جمع ممثلين عن الحكومتين الايرانية والسعودية، نجحت الصين في وساطتها لتوقيع اتفاق بين طهران والرياض، لا تقتصر مفاعيله على تطبيع العلاقات واعادة فتح سفارتيهما المغلقتين منذ سبع سنوات، بل يفتح الطريق امام حصول تحولات كبرى في الاوضاع الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط، كما يفتح الباب لحدوث تحولات في علاقات ايران مع الدول العربية، ومع القوى الدولية، بدءاً من الصين.
بالرغم من حرص الدولتين الموقعتين على الاتفاق بالحفاظ على سرية مضمونة، إلا ان مجمل التسريبات المتوافرة في الاعلام تؤكد أن مضمونه هو أوسع بكثير من الهدف المعلن بإعادة فتح السفارتين خلال شهرين، وبأنه يتعدى العلاقات الثنائية بين الدولتين، الى الفضاء السياسي والامني الاوسع، اي ليبحث في عمق امكانية استعادة الامن والاستقرار في منطقة الخليج، وفي منطقة الشرق الاوسط، ويبدو هنا ان هناك رؤية جديدة، ومنطلقاً جديداً في المقاربة، وبما يؤشر الى قرار الدولتين بالدخول في حوار سياسي مفتوح لحل مختلف القضايا الخلافية بدل ابقاء المنطقة برمتها اسيرة خلافاتهما.
كان من الطبيعي، وفق بعض المعلومات المتوافرة، ان ينص الاتفاق على خطوات تؤكد حرص طهران والرياض على وقف كل النشاطات التي تؤدي الى تخريب مصالح اساسية لكل من الدولتين وخصوصاً في المجال السياسي والامني والاستعلامي والاعلامي.
وتشكل هذه الالتزامات المتبادلة خطوات ضرورية على طريق اعادة بناء قواعد الثقة بين الدولتين، لكن لا بد ان يكون واضحاً ومفهوماً بأن هذه الخطوات لا تعني تخلي ايران عن رعايتها ومساندتها لمحور الممانعة والمقاومة، وهذا ما اظهرته نشاطات وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان عبر الاتصال وتطمين الحلفاء خارج ايران، وخصوصاً مختلف الاذرع المسلحة، المكلفة بالدفاع عن المصالح الايرانية الاقليمية. لم يكن الاتفاق ثمرة الجهود الدبلوماسية التي بذلت في بجينغ خلال اربعة ايام ما بين 6 و10 آذار، ولكنها جاءت كنتاج لمباحثات طويلة ومضنية بدأت منذ عام 2021 في كل من العراق وعمان، بالاضافة الى مساع بذلتها دول اخرى، وفي مقدمتها الكويت وباكستان. حيث بذلا جهودهما في عدة محاولات لترتيب مفاوضات بين طهران والرياض. ولا بد في هذا الاطار من الاعتراف بأن التوترات السياسية والعسكرية التي اثارتها سياسات الرئيس دونالد ترامب في المنطقة وخصوصاً بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرضها اقسى انواع العقوبات ضد ايران، قد ولدت لدى قوى دولية كبرى شعوراً بالمسؤولية بضرورة التدخل لحل النزاعات في المنطقة وخصوصاً بين ايران والمملكة العربية السعودية، المتواجهتين في حرب اليمن.
كانت الصين ابرز القوى الدولية الداعية الى ضرورة ايجاد خطة للتهدئة في منطقة الخليج، حيث عرضت بالفعل امام مجلس الامن الدولي في تشرين اول 2020 مقترحات لترتيبات تعيد لمنطقة الخليج الامن والاستقرار، معتبرة بأن التعاون الدولي يمكن ان يحوّل المنطقة الى «واحة سلام وأمن». ويبدو بأن الواقع الاساسي للصين للتدخل لاحتواء هذا النزاع المتصاعد قد وُلد في اعقاب الهجوم بالمسيرات الذي تعرّضت له منشآت «أرامكو» في السعودية، حيث شعرت الصين بأن تطور هذا النزاع سيهدد مصالحها الحيوية في الطاقة، وفي التبادلات الاقتصادية الكبرى مع ايران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعتبر الصين ان المملكة السعودية وايران هما شريكان اساسيان في المنطقة، فالتبادل التجاري مع المملكة قد بلغ عام 2021 ما يقارب 87 مليار دولار، فيما تبلغ واردات النفط 57 ملياراً، في الوقت الذي وصلت فيه التبادلات التجارية مع ايران الى 16 ملياراً، وكانت بجينغ قد وقعت اتفاقيتين مع البلدين كشريكين استراتيجيين.
من المؤكد ان تجاوب كل من المملكة وايران مع الانخراط الفعلي والسريع في توقيع اتفاق ينهي صراعهما المستمر منذ سبع سنوات، مع احترام مبدأ سيادة كل من الدولتين، لن يترك اي مساحة للمناورة والتهرب من التنفيذ على غرار ما جرى في السابق، حيث لم ينفذ اي من الطرفين كل ما اتفق عليه، وخصوصاً في ما يعود للاتفاقية الامنية السابقة، فقد ذهبت ايران الى درجة تهديد العمق الاستراتيجي السعودي من خلال الحوثيين الذين يخوضون حرباً بالوكالة عن طهران، وتؤشر ايضاً سرعة توقيع الاتفاق (خلال اربعة ايام من المفاوضات) بأن الطرفين قد اعتمدا مقاربة تقوم على قواعد من الثقة مع الصين، وعلى عكس ما هي عليه العلاقات مع الدول الغربية، والتي تشوبها الشكوك والريبة انطلاقاً من تاريخ العلاقات الطويلة وما حملته من خيبات الأمل. ولقد اظهرت بالفعل الزيارات التي قام بها المسؤولون الصينيون لكل من ايران والسعودية خلال العامين الماضيين مدى الحفاوة والترحيب بهم، كما اكدت المباحثات والاتفاقيات على الرغبة في بناء مستقبل زاهر للعلاقات المتبادلة.
تؤكد الاتصالات والخطوات المتخذة بعد توقيع الاتفاق من قبل القيادات السعودية والايرانية على رغبة في تسريع الخطوات للشروع في تنفيذ الاتفاق، وذلك انطلاقاً من دعوة الملك سلمان للرئيس الايراني رئيسي لزيارة المملكة، او من الاتصالات بين وزيري خارجية البلدين للاجتماع قبل نهاية شهر رمضان، تمهيداً لاعادة فتح السفارتين.
لكن ما يبقى اهم من اعادة العلاقات الدبلوماسية بأن اتفاق بجينغ ينص على احياء وتنفيذ الاتفاقيتين الموقعتين سابقاً: اتفاقية التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والتقارب في مجال التكنولوجيا والثقافة والرياضة والشباب، والتي كان قد جرى توقيعها عام 1998، وهناك ايضاً اتفاقية التعاون الامني التي كان قد جرى توقيعها في عام 2001.
يبقى الرهان الكبير على مدى قدرة الصين على متابعة تنفيذ الاتفاق ومنع الطرفين، وخصوصاً ايران من التملص والتهرب من التزاماتها، على غرار ما فعلته في السابق. ويجري في الواقع التعويل على مدى قدرة الصين على ضبط السلوكيات الايرانية، وذلك انطلاقاً من استغلال الظروف الضاغطة التي تمر فيها ايران، وحاجتها الماسة لدعم الصين اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً.
لا يبدو ان لدى المملكة العربية السعودية اية حواجز تمنع او تؤخر عدم التزامها ببنود الاتفاق. ولكن بالنسبة لايران فهناك مخاوف من اللجوء لمناورات لاظهار التزامها بالاتفاق صورياً. دون اي تغيير في ايديولوجيتها ومشاريعها للهيمنة على اربع دول عربية. وهذا ما لن تقبل به السعودية، مع اعطائها اولوية لحل النزاع في اليمن، والتي ستشكل الاختبار الحقيقي لمدى جهوزية طهران للسير قدماً في التنفيذ في ما يعود للازمة السورية والتدخل الايراني الواسع فيها، فإن البحث في الامر سيتطلب مشاركة روسيا وتركيا والولايات المتحدة. مع كل ما يرافق ذلك من تناقض في مصالح كل هذه الاطراف، وقد يستدعي ذلك جهداً دبلوماسياً قد يتطلب عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة.
اما في لبنان، والذي لم يحتل اولوية لدى اي طرف من الاطراف الثلاثة المعنية بالاتفاق، فإنه انطلاقاً من وجود حزب الله وتشكيله عنصراً اساسياً في الازمة الداخلية، فإن سلوكية الحزب ستقدم مؤشراً على مدى قناعة والتزام ايران، فعلياً، بالتهدئة، وبمراعاة المصالح السعودية في هذا البلد، من المؤكد ان السعودية ستكون حريصة على عدم القبول بتسوية هشة لحل ازمة الانتخابات الرذاسية، وبالتالي تكرار تجربة عام 2016.
في النهاية، نجحت الصين برعاية الاتفاق السعودي - الايراني،ولكن التحدي الاساسي يبقى في قدرتها على الاشراف على تنفيذ بنوده، وبالتالي النجاح في اقامة قواعد من الثقة بين ايران والمملكة، من خلال دفع طهران لاجراء تعديل جذري في سلوكياتها تجاه الرياض وبقية الدول العربية.