بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 آذار 2020 12:05ص كيف يُواجه لبنان أزمة وباء كورونا؟

حجم الخط
فاجأت أزمة فيروس كورونا لبنان، وأخذت حكومته على حين غرّة، فقرعت كل الأبواب ودخلت بقوة بلا استئذان أحد من المسؤولين، مستفيدة من حال الانقسام التي تسيطر على الحياة العامة، بسبب تفجر مختلف الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية.

في الوقت الذي كانت تحاول حكومة حسان دياب مواجهة نتائج أول الاستحقاقات الداهمة والمتمثلة بالامتناع عن تسديد قيمة سندات اليوروبوندز وما يمكن اعتماده من خيارات للبحث في اعادة هيكلة الدين العام، بشقيه الخارجي والداخلي، جاءت أزمة تفشي فيروس كورونا من البوابة الايرانية، وعبر مطار رفيق الحريري الدولي، لتزيدها ارباكاً وضياعاً.

أصيبت آلية القرار الحكومي بحالة من الشلل، حيث بدت عاجزة عن تدارس مخاطر تفشي الوباء ومنع دخول المزيد من المصابين بالفيروس عبر مختلف المداخل الحدودية البرية والجوية. ولكن ما ساعدها على حجر الحالات المصابة جهوزية مستشفى رفيق الحريري وقدرات طواقمها على التعامل مع الاصابات الأولية والطارئة في ظل عجز كل المستشفيات الحكومية والخاصة على القيام بهذه المهمة المعقدة، وفي ظل التقصير الحاصل على مستوى ادارة هذه المستشفيات ومعها وزارة الصحة في الاستعداد لمعركة المواجهة مع فيروس كورونا.

في البداية، لم تبادر الحكومة للتعامل مع خطر انتشار الوباء بفعالية بدءاً من اتخاذ قرار بوقف الرحلات الجوية مع ايران، أو تنظيم عودة اللبنانيين الى بيروت مع أخذ الترتيبات الفعالة لعزلهم لمدة أسبوعين من أجل التأكد من سلامتهم، وترك أمر ادارة الموضوع لاستنساب وزير الصحة والذي تصرف ببطء وحيرة، وكأنه ينتظر توجيهات سلطة من خارج مجلس الوزراء.

في الواقع، لم تتنبه السلطات اللبنانية للأخبار الواردة من الصين وكوريا وايطاليا وايران حول سرعة انتشار الفيروس والمخاطر المترتبة على ذلك، الأمر الذي كان يفترض أن يشكل جرس انذار للسلطة بكل هيكلياتها من أجل وضع خطة طوارئ متكاملة واستباقية لمواجهة خطر وصول الكورونا وتحوله الى وباء يهدد سلامة اللبنانيين.

استمر مجلس الوزراء في حال من الحيرة والمراوحة الى أن جاءه الضوء الأخضر ليحرر قدرته على القرار باعتماد خطة مواجهة للوباء، وذلك من خلال الخطاب الطويل الذي أدلى به السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الفائت، والذي أعلن فيه ضرورة شن حرب وطنية شاملة ضد الوباء وحشد كل الطاقات التي يملكها لبنان من أجل الانتصار في هذه المعركة الشرسة والخطيرة، ومحدداً بأن الدولة هي المسؤولة عن قيادة هذه الحرب وذلك من واجبها الوطني لحماية الشعب اللبناني. لكن لم يقصّر الأمين العام لحزب الله في رسم اطار الخطة الشاملة لمواجهة المخاطر التي تهدد المواطنين، وقد ذهب في الواقع الى التوجيه والنصح لجهة اعتماد سلوكيات اجتماعية جديدة تساهم في الحد من انتشار كورونا، بالاضافة الى ضرورة توسيع دائرة التضامن والتكافل بين مختلف فئات الشعب لمساعدة العائلات الفقيرة في تأمين خبزها اليومي.

فتح خطاب الأمين العام لحزب الله الباب على مصراعيه أمام السلطات الرسمية للمبادرة في اقرار خطة شاملة من خلال حالة التعبئة العامة حتى 28 آذار الجاري وذلك بعد اجتماع عقده المجلس الأعلى للدفاع وتلاه اجتماع لمجلس الوزراء. وقضت خطة التعبئة العامة بإقفال شبه كامل لمداخل البلاد وتجميد نشاطات جميع القطاعات باستثناء القطاعات اللازمة لتأمين الحاجات الضرورية.

طرحت تساؤلات عديدة حول اعتماد قرار التعبئة العامة بدل اعلان حالة الطوارئ خصوصاً بعد أن كانت بعض وسائل الاعلام قد توجهت باللوم للحكومة على تقصيرها في اعلان حالة الطوارئ.

جاءت حجة الحكومة وقبلها المجلس الأعلى للدفاع بأن لبنان بحاجة لحالة التعبئة العامة وليس لحالة الطوارئ والتي تعني بان البلاد تواجه أوضاعاُ أمنية خطيرة تستدعي سيطرة الجيش على كل المقدرات الوطنية، مع ضرورة توحيد سلطة القرار ومركزيته.

في الواقع، ليس هناك من تهديد أمني داهم من أجل اعلان حالة الطوارئ، ولكن مع اعلان حالة التعبئة العامة كان يمكن الطلب الى الجيش لتشكيل ادارة خاصة تقوم  مركزياً بحشد كل الطاقات الوطنية للمساهمة في هذه الحرب ضد وباء الكورونا. وكان بامكان الجيش تشكيل غرفة عمليات صحية مركزية، وتتفرع عنها غرف عمليات في كل المناطق قادرة على متابعة كل عمليات وإجراءات إعداد المنشآت الطبية وتسيير عملها اليومي وتفعيل كل اجراءات الحجر والحجز الصحي وبالتالي الحد من انتشار الوباء الى أدنى مستوى ممكن. فالجيش موجود ومنتشر في كل الأراضي اللبنانية ولديه كادراته المتخصصة في ادارة الأزمات، وهو قادر على تأمين جهوزية كاملة لعمل مختلف المنشآت الطبية وادارتها بأقل كلفة ممكنة وبعيداً عن أي تباطؤ أو فساد.

كان يمكن أن تؤدي عملية تكليف الجيش لتنظيم وإدارة الحرب في مواجهة الوباء الى تحرير مجلس الوزراء من عبء ادارة هذه المعركة بكل أثقالها ومتاعبها المقبلة خصوصاً اذا ما توسعت أعداد الاصابات  وأعداد المحجور عليهم، وبالتالي متابعة معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية مع كل ما تتطلبه هذه المعالجة من خطط وتشريعات وبرامج. ولا بدّ أن الرئيس دياب والعهد يدركان أهمية عامل الوقت لمعالجة المصارف وتدابيرها الخاصة في تحديد السحوبات ومنع التحويلات المالية لسد الحاجات الاساسية وأبرزها الغذائية والصحية. ان الاستمرار في حالة الفلتان على الصعيدين المالي والنقدي سيدفع بالبلاد نحو حالة من الفوضى وتحويل البلد إلى «حارة كل من إيدو إلو».

يبقى من الواجب لفت نظر رئيس الحكومة الى أنه من الضروري توجيه دعوة عامة للبنان المقيم والمغترب للمساهمة في تغذية صندوق مالي خاص يجري انشاؤه وتديره لجنة وطنية لتأمين الإنفاق اللازم والضروري لتجهيز المنشآت الطبية وأعباء الطبابة للمصابين، ويساهم أيضاً في مساعدة العائلات الفقيرة في تأمين البديل عن النقص الكبير الحاصل في مداخيلها في ظل الظروف الضاغطة التي فرضها الوباء والأزمة الاقتصادية الخانقة. اذا كان يحق للحكومة الكويتية بكل ما تملكه من ثروات وصناديق سيادية دعوة مواطنيها للتبرع لصندوق خاص لمواجهة الوباء فانه يصبح من الضروري أن تبادر الحكومة اللبنانية لجمع التبرعات لإنفاقها على المصابين والفقراء، وتمهيداً لوقف المزايدات الفردية للتبرع لهذه الجهة أو تلك.

في زمن الأزمات والشدائد تدعو الحكمة من الجميع وقف المزايدات السياسية وتركيز كامل الجهود لمواجهة كل الأزمات التي نواجهها بعزيمة وصبر وإيمان.