بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 أيلول 2018 12:15ص كيف يمكن تجنب المجزرة والكارثة الإنسانية في إدلب؟

حجم الخط
بعد جولة «أستانة» الخامسة التي حضرتها كل من روسيا وإيران وتركيا في السادس من أيار 2017 صدرت مذكرة عن وزارة الخارجية الروسية تعلن انشاء أربع مناطق «لخفض التوتر» في سوريا بضمانة من الدول الثلاث. في اجتماعات أستانة السادسة حددت الدول الثلاث منطقة ادلب «لخفض التوتر» بإضافة مناطق من محافظات اللاذقية وحماه وحلب الى حدود المحافظة الإدارية. يبدو بوضوح الآن بأن ما سعت إليه كل من روسيا وإيران والنظام السوري من إتفاقات «خفض التوتر» كان فكّ ارتباط وعزل المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، وإتاحة الفرصة لتجميع القوى العسكرية ومهاجمتها وإعادة احتلالها الواحدة تلو الأخرى. وسعت روسيا في نفس الوقت إلى تحويل مسار المفاوضات للبحث عن حلّ سياسي وإجراء إصلاحات دستورية من جنيف إلى «أستانة» «وسوتشي». 
رغبت تركيا بدورها بالإستفادة من مفاوضات «أستانة» من أجل تأمين دور لها في العملية السياسية التي تسعى روسيا إلى الهيمنة عليها بعيدًا عن العملية التي تشرف عليها الأمم المتحدة بموجب القرار الدولي 2254. وسعت تركيا أيضًا إلى تأكيد حماية هذا الدور لها وللمعارضة المعتدلة من خلال إدخال قواتها المسلحة إلى محافظة إدلب في 12 تشرين الأول 2017. حيث أقامت 13 نقطة مراقبة، وحالت بذلك دون توسع محاولات النظام لقضم مناطق واسعة من جنوبها وشرقها. 
لم يبق من مناطق «خفض التوتر» الأربع التي جرى إعلانها سوى محافظة إدلب. حيث ساعدت روسيا وإيران ما بين آذار وتموز من هذا العام قوات النظام على فرض سيطرتها على المناطق الثلاث الأخرى. وتعتبر تركيا أن الحفاظ على الاستقرار في إدلب مع تواجدها العسكري هناك بالإضافة إلى المناطق التي احتلتها في عملية «درع الفرات» يشكل جزءًا من أمنها الاستراتيجي. كما تخشى تركيا من أن تؤدي أية عملية عسكرية للنظام بدعم من روسيا وإيران إلى نزوح موجات كثيفة من السكان المقدر عددهم بثلاثة ملايين باتجاه حدودها وزيادة الأعباء التي تتحملها جرّاء اللجوء السوري الكثيف على أراضيها. كما تراود تركيا هواجس أمنية من إمكانية تسلّل أعداد من الجهاديين، مع اللاجئين الجدد بما يشكل تهديدًا إرهابيًا لأمنها. 
بعد فشل قمة طهران التي جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا الأسبوع الماضي في التوصّل إلى وقف للنار يجنّب إدلب من حصول كارثة إنسانية، يبدو بأن هناك مؤشّرات واضحة حول إطلاق هجوم عسكري حاسم على المحافظة، وذلك بعدما استأنف كل من روسيا والنظام السوري غاراتهما الجوية الكثيفة ضد مواقع المسلحين في مناطق ريف حماه الشمالي ومنطقة خان شيخون في الغرب، مما تسبب بنزوح ما يزيد عن ثلاثين ألف مدني عن قراهم. وتؤشّر كثافة القصف الروسي إلى أن موسكو قد رفضت الاستماع إلى الحجج التي قدمتها أنقرة لتفادي المجزرة وإفساح المزيد من الوقت من أجل معالجة الوضع الميداني والعمل على شقّ جبهة تحرير الشام، وعزل المتشددين فيها، تمهيدًا لمعالجة وجودهم بقواتها الذاتية. 
تواجه تركيا الآن في إدلب وعلى حدودها مع الشمال السوري مجموعة من الخيارات المستحيلة في ظلّ فشلها في تسويق وقف لإطلاق النار سعت إليه في قمة طهران: 
1- لم يعد أمام تركيا في ظلّ تكثيف الغارات الروسية والسورية سوى ضمّ صوتها إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسية لبذل محاولة أخيرة مع روسيا لإقناعها بوقف العملية، مع تحذيرها بأن الاستمرار فيها قد يهدّد المسار والأهداف الروسية في سوريا، وخصوصًا لجهة البحث عن حلّ سياسي تلعب فيه موسكو دورًا رئيسيًا. 
2- تشكل إدلب منطقة حيوية بالنسبة للأمن القومي التركي في ظل استمرار الأخطار المترتبة على حربها مع حزب العمال الكردستاني والتنظيمات الكردية المتعاطفة معه في عفرين وغيرها من المناطق الحدودية. إذا أرادت تركيا الاحتفاظ بقدراتها على مواجهة هذا التهديد فإن ذلك قد يتطلب منها نشر قواتها العسكرية بقوة على طول الحدود مع إدلب وشرقها وغربها، وذلك بالرغم من مخاطر حصول مناوشات مع القوات السورية والإيرانية العاملة على مقربة من خط الحدود. 
3- تتطلب المخاطر والأعباء المترتبة على معركة إدلب تحوّط تركيا لمنع تدفق ما يزيد عن مليون لاجئ سوري جديد إلى أراضيها. وأن الوسيلة المضمونة لمنع وصولهم إلى أراضيها تتمثل بدخول قواتها إلى محافظة إدلب واحتلال منطقة عازلة تسمح بإيواء اللاجئين الجدد ضمنها، ويترتب على هذه العملية تحول تركيا مع حلفائها السوريين إلى طرف في مواجهة قوات النظام وإيران. 
إن السبيل الوحيد لتفادي حصول كارثة إنسانية في إدلب، وإيجاد مخرج عملي لتركيا من مواجهة هذه الخيارات شبه المستحيلة يتمثل ببذل محاولة دولية وغربية وتركية لإقناع موسكو بضرورة وقف العملية وإفساح المزيد من الوقت أمام المساعي التركية لإيجاد الحلول اللازمة لتفكيك جبهة النصرة والتخلص من الجماعات الإرهابية الأخرى. 

العميد الركن 
نزار عبد القادر