بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 آذار 2022 08:03ص لا مستقبل لإجتماع النقب دون الإعتراف بدولة فلسطينية

حجم الخط
بعد سنة ونصف من توقيع «اتفاقيات ابراهام» انعقد في صحراء النقب مؤتمراً اقليمياً لوزراء خارجية إسرائيل، والولايات المتحدة ومصر والمغرب والبحرين ودولة الإمارات، لدرس إمكانية إقامة إطار استراتيجي للأمن الإقليمي، ومواجهة بالتحديد التهديدات الإيرانية لأمن إسرائيل وأمن الدول الخليجية. في التوقيت يأتي هذا الإطار التنسيقي لأمن الدول المشاركة فيه بحضور وضمانة الولايات المتحدة. في ظل اقتراب عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي وقّعته القوى الدولية الكبرى (5+1) مع الجمهورية الإسلامية عام 1915، والذي قرّر الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب الانسحاب منه، وفرض عقوبات قاسية جداً ضد إيران منذ 2018.

ستؤدي عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي إلى رفع العقوبات الأميركية عن إيران، وبالتالي تحرير أموال إيران في المصارف الدولية وفتح الباب لعودة إيران إلى أسواق النفط العالمية، وبما يوفّر لها تدفقات مالية ضخمة، تمكِّنها من تسريع تطوير ترسانتها العسكرية، ودعم حلفائها في المنطقة وتشديد قبضتهم العسكرية داخل دولهم، وبالتالي فرض هيمنة طهران الكاملة على كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن، هذا بالإضافة إلى تهديد أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين.

من المؤكد أن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي تثير العديد من المخاوف والهواجس الأمنية لدى إسرائيل، خصوصاً في ظل المعلومات المسرَّبة حول رفع الحرس الثوري الإيراني عن لائحة المنظمات الداعمة للارهاب، مع كل ما يترتب على ذلك من مكاسب يمكن أن يحققها الحرس الثوري بالحصول على تكنولوجيا متطورة تدعم برامجه الصاروخية، وتطوير قدراته السيبرانية.

اللافت في الأمر أن اجتماع وزراء الخارجية في النقب يأتي في سياق سلسلة من الخطوات الإسرائيلية بدعم أميركي مباشر لتطوير علاقات إسرائيل مع الدول الخليجية لإرساء القواعد لقيام تحالف استراتيجي إقليمي، يوسّع علاقات إسرائيل التجارية والأمنية، وخصوصاً لجهة عقد اتفاقات تعاون عسكري، وبما يشمل تنظيم مناورات بحرية، تشارك فيها الولايات المتحدة.

يأتي اجتماع وزراء الخارجية في النقب بعد الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي في شباط الماضي للبحرين، وتوقيعه اتفاقيات تعاون أمنية مع مضيفيه. وكان التطور الأبرز في مجال التقارب العسكري من خلال المناورة البحرية التي شاركت فيها البحرية الإسرائيلية مع عدّة دول خليجية في البحر الأحمر وشمالي المحيط الهندي، حيث أبحرت المراكب الإسرائيلية جنباً إلى جنب مع المراكب الاماراتية والسعودية.

يبدو بأن دوافع الدول الموقّعة على «اتفاقيات ابراهام» لتسريع تنامي العلاقات الاقتصادية والأمنية بينها، تنطلق من نتائج عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، ورفع العقوبات الأميركية عن إيران ودون وجود أية ضوابط للسلوكية الإيرانية لتهديد استقرار وأمن دول الجوار، في وقت يبدو فيه بأن المواقف الإيرانية باتت تميل أكثر إلى تصعيد تدخلاتها العسكرية، وتهديد المصالح الحيوية للدول الخليجية، وذلك على ضوء الهجمات المدمرة الأخيرة التي أصابت مجموعة من البنى النفطية والحيوية داخل المملكة العربية السعودية.

في رأينا جاءت مشاركة وزير الخارجية الأميركي في المؤتمر لتشجيع الدول العربية وإسرائيل على توسيع عملية التطبيع وزيادة التعاون الاقتصادي والعسكري من جهة، ولشرح الدور الجديد الذي ستلعبه واشنطن في المنطقة بعد العودة للاتفاق النووي.

وكان من الطبيعي أن يتناول المؤتمر التهديدات الإيرانية المتنامية لأمن اسرائيل والدول الخليجية، وإطار التعاون بين هذه الدول لمواجهته. وأضافت الحرب الاوكرانية مع كل التعقيدات السياسية والاقتصادية الناتجة عنها، وما يمكن أن ينتج من تساقطاتها عنها على المنطقة سواء في مجالي الطاقة والغذاء أهمية خاصة لانعقاد هذا المؤتمر التنسيقي، في ظل التواجد الروسي في سوريا وفي شرقي المتوسط، جنباً إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني ومع حزب الله الذي يقوم بدور أمني واسع داخل سوريا وعلى جبهتي الجولان وجنوب لبنان.

تركزت الأجندة الإسرائيلية وفق ما ارادها وزير الخارجية على ضرورات تركيز الدول الحاضرة لمؤتمر النقب على التعاون بكل اشكاله. وكان من الطبيعي ان يستوضح الحاضرون في المؤتمر وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن عن دور الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى ضوء العودة إلى الاتفاق النووي.

حاول وزراء الخارجية العرب، وخصوصاً الوزير شكري استحضار حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس لتبرير المشاركة في هذا المنتدى الاستراتيجي الذي نظمته إسرائيل بدعم أميركي، والذي كان من الواضح أن عنوانه الوحيد كان «إيران هي عدونا المشترك». ويذكرني هذا المؤتمر بندوة دعيت إليها في أبو ظبي تحت عنوان «أمن الخليج غير الآمن»، والتي جمعت ما يقارب 80 شخصية ومسؤولاً خليجياً، والتي خرجت باستنتاج وحيد «إيران هو العدو، ومكتوب علينا مواجهتها».

تشكّل إيران ووكلاؤها مصدر قلق وتهديد للامارات والبحرين وللسعودية وإسرائيل من اتجاهات عديدة: من العراق واليمن والبحر الأحمر، وتتطلَّب المواجهة الفاعلة لهذه التهديدات تنسيق الجهود الأمنية بين الدول الأربع، وذلك بالرغم من أن الرياض لم تنضم لـ«اتفاقيات ابراهام» ولكن مشاركتها في المناورة البحرية في البحر الأحمر إلى جانب إسرائيل بأنها تمثل شريكاً فعلياً في النظام الأمني الجديد، وفي ظل المظلة المصرية.

لا بدّ في هذا السياق من اعتبار الشراكة القائمة بين إسرائيل وكُلٍّ من أبو ظبي والمنامة باتت تتعدّى التنسيق الأمني والعسكري في مواجهة التهديدات الإيرانية إلى العمل على إقامة تعاون وثيق في مجال التكنولوجيا العسكرية. تدرك الدول الثلاث مدى خطورة التهديد الذي تمثله إيران من خلال تطوير صواريخها البعيدة المدى، وتزويد عملائها في العراق واليمن ولبنان بشبكة صواريخ دقيقة، وهذا ما اظهرته مؤخراً عمليات القصف الصاروخي التي استهدفت المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى جازان وجدة.

لا بدّ من أن تقوم الدول العربية التي شاركت في اجتماع النقب من بذل مساعيها مع الإدارة الأميركية من أجل إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لأنه يبقى من غير المنطقي أن تتطور علاقات إسرائيل مع مصر والمغرب والدول الخليجية إلى علاقات استراتيجية، وضمن نظام أمني شامل في مواجهة إيران وعملائها والجماعات الإرهابية دون تحقيق سلام عادل بين الفلسطينيين وإسرائيل، وعلى أساس حل الدولتين.

هذا هو التحدي الكبير، الذي يواجهه مشروع تحويل اجتماع النقب إلى منتدى أمني إقليمي دائم، تتشارك فيه إسرائيل مع الدول العربية، بما فيها دولة فلسطين المستقلة، من هنا لا يصح أي تطبيع للعلاقات كما لا يصح إقامة أي إطار أمني استراتيجي عربي - إسرائيلي قبل حصول اعتراف إسرائيلي بحق الفلسطينيين بدولة عاصمتها القدس.