بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 شباط 2021 06:49ص لبنان غير جاذب للاستثمارات

حجم الخط
من البديهي القول أن لبنان في أوضاعه الحالية والمتوقعة غير جاذب للاستثمارات الداخلية والخارجية.  هذا ليس تشاؤما ولا موضوع نقاش جدي لأن الأمور واضحة للجميع، الا أن الأهم هو تحديد المصادر غير الجاذبة حتى تتم المعالجة عندما تهدأ الأمور السياسية. حتما عدم تشكيل حكومة جديدة بعد أشهر من المحاولات الفاشلة لا يشجع، وهنالك من يطالب بمؤتمرات تأسيسية أو تغيرات جوهرية في الكيان اللبناني.  هنالك في لبنان من يعتقد بأن العالم أجمع لا ينام بسبب عدم تشكيل الحكومة، وبالتالي يمكننا أن نتدلل الى ما شاء الله.  هل مقبول أن يجهل المسؤولون أن الدول الرئيسية وغيرها عندها من المشاكل الداخلية السياسية والصحية والاقتصادية ما يكفيها؟  وهي بالتالي غير قادرة على حل أمورها فكيف تنشغل بأمورنا وبأمور الدول الضعيفة؟  هل مقبول عدم النضوج السياسي الى هذا الحد؟

ما يدعو للعجب انه وفي دول أخرى، أوضاع كهذه تقرب السياسيين بعضهم من بعض لايجاد الحلول متناسين الأمور السطحية والشخصية لمعالجة المشاكل الأساسية والوطنية العميقة. في ايطاليا مؤخرا، حاول رئيس الوزراء السابق «جوسيبي كونتي» تشكيل حكومة جديدة وفشل. انتهت مسؤوليته وتم تكليف رئيس حكومة جديد «ماريو دراغي» حاكم المركزي الأوروبي السابق أو «سوبر ماريو»، فشكل حكومة وبدأ تنفيذ واجباته.  هنالك أمثلة أخرى حيث أيضا ينتقل الحكم من مسؤولين الى آخرين بهدوء وطوعا لأن الأولوية في نظر السياسيين هي للمصلحة العامة أو مصلحة الدولة والمجتمع.  طبعا هنالك استثناءات سلبية كحال الرئيس الأميركي السابق ترامب الذي ما زال حتى اليوم لا يعترف بخسارته أمام الرئيس جو بايدن.

في لبنان الخلافات تزداد حدة مع وصول المؤشرات الاقتصادية الى مستويات مقلقة.  هل هكذا يتحمل السياسيون المسؤوليات العامة؟  في كل حال المشاورت الداخلية بشأن تشكيل الحكومة تبقى أفضل وأسرع من محاولات ادخال الخارج أو دعوتهم لحل الخلافات.  نعاني اليوم أيضا من غياب الوسطاء المقبولين من جميع الفرقاء.  فأين هو مستقبلنا ومستقبل الأجيال الجديدة التي لا تجد عملا لها هنا وتحاول الخروج اذا استطاعت؟  الخروج ليس سهلا بسبب الفيزا والكورونا وصعوبة التواصل الالكتروني في العديد من الأحيان.

في مؤشر البنك الدولي لسهولة الأعمال، يقع لبنان في المرتبة 143 من أصل 190 دولة قيمت حديثا.  في مؤشر الفساد، يقع لبنان في المرتبة 149 من أصل 180، علما أن معدل تقييمنا هو 25\100 أي علامة متدنية وتؤشر الى السقوط في أي امتحان.  ما هي العوامل الواقعية التي تؤخرنا والتي تقلق أجيالنا والصراع الداخلي حولها كبير وفي غاية الأهمية بل الخطورة؟

أولا:  حجم الاقتصاد الوطني الذي تدنى من 60 مليار دولار في 2019 الى 20 مليار دولار اليوم بسبب سقوط الليرة والاقفال العام وعدم تشكيل حكومة جديدة وغياب الاستثمارات والخلافات السياسية.  تدنى الدخل الفردي اللبناني من 12 ألف دولار سنوي الى 4 آلاف دولار مما يضعنا جميعا في موقع الفقر الذي لا نحسد عليه.  لم يعد للأجور قيمة، وفي بلد يستورد معظم حاجاته يصبح الميسورون فقراء فكيف بالفقراء أنفسهم.

ثانيا:  صراع الموازنة والتدقيق الجنائي.  هما مرتبطان لأن الموازنات ذات العجز الكبير غير مقبولة اليوم في ظل تدني الايرادات وازدياد الانفاق بسبب الكورونا وارتفاع مؤشرات الفقر وعدم تسريح أي موظف منتجا كان أو فاشلا. أين أصبحت الحسابات السابقة وهل تحددت المسؤوليات وهل سيتم أي ابراء أم يبقى مستحيلا؟  التدقيق الجنائي ضروري ومن المنطقي أن يبدأ من المركز المالي أي مصرف لبنان وينتقل الى المؤسسات الأخرى أي وزارات الطاقة والاتصالات وكافة المجالس. نحتاج الى شركات تدقيق متعددة كي يتزامن عملها في الوزارات والمجالس قدر المستطاع.  يجب أن نعرف ماذا يجري ضمن الدولة حتى نستطيع المطالبة بالمحاسبة الجدية والدقيقة.  يجب على الرأي العام ليس فقط معرفة مصادر الفساد، بل حجمه في كل المؤسسات العامة. الفساد موجود في لبنان في كل جوانب الدولة أفقيا وعاموديا ومن حقنا أن تكون معلوماتنا دقيقة وليس فقط أن نتكلم عن فساد «كلكم يعني كلكم».

ثالثا: لا يمكن لأي دولة أن تجذب الاستثمارات اليها اذا لم يكن لديها قضاء فاعل ونزيه لحل الخلافات واعطاء الحق لصاحبه. جميع التحقيقات بشأن كارثة 4 آب لا تبشر بالخير بل تقلق بعد أشهر من المحاولات.  ما يجري في القضاء الجزائي يسري أيضا على الفروع الأخرى خاصة المدني.  من يستثمر في دولة لا قضاء لها؟  أو في دولة قضاؤها مشكوك بفعاليته وصدقيته وعدالته وكفاءاته؟  من ناحية أخرى هنالك ضرورة لتحديث بعض القوانين أي كل ما يرتبط بالمرأة والتجنيس واعطاء الجنسية وحقوق العمال اللبنانيين وغير اللبنانيين.  نحتاج الى تطوير قوانيننا لأن الحالي غير مقبول في الألفية الثالثة.

رابعا:  ما يجري بشأن المصارف لم يكن متوقعا. من كان يعتقد أن مصير المصارف هو على ما هو عليه. الودائع محجوزة والقروض متوقفة.  هذا يقلقنا ويقلق من يفكر بالقدوم الى لبنان وبالتالي لن يأتي ليستثمر. كل قوانين تحديد حركة رؤوس الأموال وسرقة قسم من الودائع مرفوضة كليا لأنها تغير وجه لبنان.  ما نحتاج اليه هو تغيير القيادات والمسؤولين وليس تغيير مسيرة لبنان الكبيرة والناهضة والناجحة على مدى عقود.

خامسا:  العلاقات الخارجية في التجارة والمال مهمة جدا لدولة صغيرة كلبنان.  لا يمكن أن نستمر من دون علاقات تجارية ومالية كبيرة وحيوية.  لبنان يختنق اذا أقفل على نفسه.  المطلوب عقول منفتحة وكفوءة تقرر وتتواصل مع المؤسسات الدولية.  ما نسمعه أحيانا من بعض المسؤولين مقلق في جهله وعدم خبرته.

سادسا:  الاقفال العام بسبب الكورونا مكلف جدا للاقتصاد.  مصدر الكورونا في لبنان هي اللقاءات العائلية والتجمعات الجغرافية القريبة التي لا يوقفها الاقفال، وبالتالي لم تنخفض اعداد الاصابات كما تمنينا واعتقدنا. اللبناني لا يلتزم بالاقفال وهنالك عدد من المواطنين لا يؤمن بوجود الوباء أصلا، وآخرون لن يتطعموا بسبب الخوف وعدم المعرفة.  طبعا دول عديدة أقفلت وما زالت في أوروبا وأميركا وغيرها، لكن الحكومات ساعدت أو خفضت الضرائب أو أعادت بعض المدفوع سابقا أو أجلت استحقاقات وغيرها.  في لبنان أقفلنا وتركنا المواطن والاقتصاد في بحر هائج دون أي دعم أو مساعدات.  أما أموال البنك الدولي بشأن الفقراء، فهي مهمة ومرغوب بها لكنها قروض وليست منحاً وبالتالي يجب اعادتها الى المصدر.