بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 شباط 2021 12:13ص لبنان في المعادلة الإقليمية بين التدويل والفراغ الرئاسي

حجم الخط
يبدو أن فأل قيادات محور المقاومة والممانعة سيخيب بسرعة أكثر مما توقعه العديد من المراقبين، وذلك في ظل المؤشرات التي صدرت عن إدارة الرئيس بايدن خلال فترة أسبوعين من بداية عمل الرئيس الجديد. راهنت قيادات هذا المحور على مسألتين اساسيتين: ضمان المصالح الأميركية الحيوية، والحؤول دون حصول تدهور خطير في أمنه واستقرار المنطقة، نتيجة خطأ غير محسوب النتائج، يقع في ظل حالة التوتر الشديد، التي يتسبب بها التصعيد الإسرائيلي الحاصل على مسرح العمليات السوري وبسبب الأزمة المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران والميليشيات التابعة لها في العراق، وذلك على خلفية اغتيال الجنرال قاسم سليمان قائد «فيلق القدس» بواسطة مسيّرة أميركية في مطار بغداد الدولي، ولا يمكن في هذا السياق تجاه محاولات الحوثيين المدعومين من إيران لقصف أهداف حسّاسة داخل المملكة العربية السعودية، والتي أثارت ردوداً أميركية، تتعهد فيها واشنطن بالدفاع عن أمن المملكة وسلامة الشعب السعودي.
لا يبدو إطلاقاً بأن طريق عودة واشنطن للاتفاق النووي ستكون سهلة وقصيرة كما توقعتها طهران، وهذا ما دفعها إلى رفع سقف توقعتها الإيجابية، والذهاب للمطالبة علناً، وبلسان ولي الفقيه علي خامنئي، بضرورة رفع كل العقوبات الأميركية عن إيران قبل بدء طهران بالعودة على الخروقات الفادحة التي ارتكبتها للاتفاق النووي منذ قرار الرئيس ترامب بالخروج منه عام 2018، وتؤكد طهران بأنها ولو قبلت بفتح باب مفاوضات جديدة بعد رفع العقوبات عنها، فإنها لن تقبل بإدخال أي تعديلات جديدة على الاتفاق، كما انها لن تقبل الدخول بأية مفاوضات لبحث برنامجها الخاص بتطوير الصواريخ الباليستية البعيدة المدى، أو البحث في تغيير سياساتها واولوياتها الإقليمية، وبالتالي رفض البحث في أي تراجع عن أهدافها وسياساتها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
عانت إيران الكثير من السياسات التي اتبعها ترامب وخصوصاً جرّاء المفاعيل الاقتصادية والاستراتيجية والاجتماعية التي خلّفتها العقوبات القاسية، التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة، والتي تشكّل اليوم ورقة ضغط يمكن ان تستعملها الإدارة الجديدة من أجل إقناع إيران للتراجع عن أسلوب التحدي، الذي تحدث فيه السيّد خامنئي خلال إعلانه رفض الانصياع «للإملاءات الأميركية» من خلال المطالبة بوقف إيران لجميع الخروقات للاتفاق النووي الأساسي، وإعلان استعدادها للدخول في مفاوضات جديدة لتعديل بنود الاتفاق، وخصوصاً ما يعود منها لفترة تجميد النشاطات الهامة في البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى بحث موضوع تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى.
في رأينا لقد أخطأ المرشد علي خامنئي بإعلان استعجاله لرفع العقوبات دون التراجع عن الخروقات المرتكبة، حيث جاء طلبه هذا في التوقيت الخاطئ بالنسبة لإدارة تسلمت السلطة قبل أسابيع معدودة، وفي وقت لم يتسنَّ لها بعد التشاور مع حلفائها الأوروبيين أو الاقليميين.
وكان من اللافت ان الإدارة الأميركية الجديدة بدأت محادثات مع حلفائها في المنطقة، وخصوصاً مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات لاستطلاع آرائها، ليس فقط في ما يعود للاتفاق النووي بل حول كامل الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، بالإضافة إلى تهديدها لأمن واستقرار المملكة العربية السعودية من خلال مسيّرات إيرانية تنطلق من اليمن.
في نفس السياق يبدو بأن إسرائيل عازمة على الاستمرار في ضغطها على إيران سواء لجهة وجودها مع ميليشياتها الشيعية وحزب الله في سوريا أو لجهة مهاجمة مواقع نووية واغتيال علماء نوويين في طهران، أمثال محسن فخري زاده، كما يبدو بأن إسرائيل قد قررت التخلي عن «حرب الظل» التي كانت تعتمدها لإضعاف الوجود الإيراني في سوريا لتعتمد أسلوب المواجهة المباشرة، وهذا ما تُشير إليه المعلومات التي نشرتها القوات الجوية في أواخر عام 2018، بأنها قد شنت خلال عامي 2017 و2018 ما يزيد عن 200 هجوم جوي ضد المواقع الإيرانية داخل سوريا. ويؤشر حجم الهجمات الأخيرة المتكررة على معبر البوكمال على الحدود السورية - العراقية، إلى مدى جدّية القرار الإسرائيلي في العمل على طرد «فيلق القدس» والميليشيات الأفغانية والباكستانية من سوريا.
ويذهب بعض القيادات الإسرائيلية إلى رفع مستوى التهديد ضد إيران، حيث تحدث نفتالي بينيت عن اعتماد إسرائيل لعقيدة «الاخطبوط» والتي تتضمن خططاً لشن هجمات ضد منشآت نووية داخل إيران نفسها، مع الإبقاء على التركيز على قوات الحرس الثوري وحزب الله، والبنى الأساسية للاستثمارات الإيرانية داخل سوريا. في نفس السياق قرّر الوزير تزاحي هينكبي ان تستمر الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا في ظل إدارة بايدن وذلك انطلاقاً من قناعة لدى الطرفين الأميركي والإسرائيلي بأن «اقتلاع الوجود الإيراني يُشكّل مصلحة استراتيجية مشتركة».
تتوافر مؤشرات دولية وإقليمية عديدة بأن عودة واشنطن للانضمام إلى الاتفاق النووي ليست سهلة أو قريبة، ولا بدّ في هذا السياق ان تدرك إيران ان هناك بوناً شاسعاً بين الوعود الانتخابية التي أطلقها بايدن، وبين إمكانية تحويلها إلى أفعال تؤدي إلى رفع العقوبات وفك الحصار الاقتصادي المفروض عليها، وجاء تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حول رؤيته لضرورة ضم المملكة العربية السعودية وإسرائيل إلى المفاوضات الدولية المزمع عقدها مع إيران، بمثابة عقبة كبيرة جديدة امام المطلب الإيراني لرفع العقوبات الأميركية بأسرع وقت ممكن من جهة أولى، وبأن المباحثات مع إيران لن تقتصر على بحث بعض القضايا والتفاصيل التقنية المتعلقة بالبرنامج النووي، بل ستكون مفاوضات واسعة وشاملة لكل سياسات إيران على المستوى الإقليمي، مع التشديد على ضرورة سحب قواتها وميليشياتها من عدّة دول عربية، مع التأكيد على تغيير سلوكيتها، وبالتالي وقف تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخصوصاً لجهة وقف تسليحها للجماعات الشيعية داخل هذه الدولة.
يستوجب هذا الاحتمال تأخير المفاوضات بين الولايات المتحدة أو تعثرها بعد انطلاقها المتوقع بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران المقبل، وتشكّل إدارة جديدة، مع ترقب وصول شخصية متشددة إلى رئاسة الجمهورية تحل مكان الرئيس حسن روحاني، الذي عرف بواقعيته السياسية، السؤال ماذا عن لبنان؟ وهل تحتمل أوضاعه المتدهورة المزيد من الانتظار والتأجيل من أجل تشكيل حكومة قادرة على الإصلاح وفق ما يطرحه الرئيس المكلف سعد الحريري؟
يبدو بأن الأمور تسير في هذا الاتجاه انطلاقاً من قراءة متأنية لما تؤشر إليه بوصلة حزب الله السياسية، والتي يبدو بأنها تُحجم عن الاختيار ما بين الفريق المعطل لعملية التشكيل المتمثل بالتيار الوطني الحر وبين الرئيس المكلف والقوى السياسية الأخرى المطالبة بتسريع عملية تأليف الحكومة.. صحيح ان تشكيل حكومة مع ما يمكن ان يأتي بذلك من استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي يساعد حزب الله على الحفاظ على الستاتيكو في لبنان في هذا الزمن المليء بالمخاطر على المستوى الإقليمي والداخلي، ولكنه أيضاً يريد الحفاظ على حليفه المسيحي، وذلك خوفاً من غدرات الزمن في حال حصول تطورات طارئة سواء مع إسرائيل أو داخل سوريا نفسها.
لكن لا بدّ من أن يتحلى حزب الله بالواقعية السياسية وبالحكمة ليدرك بأنه لا يمكنه مجاراة حليفه الرئيس عون وتياره في خياراتهما وحساباتهما المقبلة، وخصوصاً لجهة تعطيل انتخاب رئيس جديد في عام 2022. من هنا ضرورة الادراك بأن المتغيّرات الدولية والإقليمية لن تسمح هذه المرة بتكرار الفراغ الرئاسي الذي حدث في الماضي.
نحن ندرك بأن الأجواء الداخلية أولاً والدولية والعربية ثانياً، لن تسمح بتكرار مثل هكذا فراغ في ظل ما وصلت إليه من ضعف سلطة وإدارة الدولة للشأن العام.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال: هل يُشكّل موعد الانتخابات الرئاسية المقبل في لبنان نقطة الحسم، فينعقد المؤتمر الدولي لحماية لبنان وشعبه وفق ما يطالب به البطريرك الراعي، والذي يتحوّل إلى مطلب وطني جامع؟.