بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آذار 2018 12:05ص لبنان في مواجهة المخاطر الإقتصادية المقلقة

حجم الخط
ما زال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يمثل عمود الإستقرار المالي الأساسي متشبثاً بثبات «الليرة» اللبنانية في خضم هذا الفلتان الخطير الذي يطاول الوضع الإقتصادي اللبناني في أكثر من زاوية وأكثر من زعيم متمكن من التقاط النقاط الحساسة في الإجراءات التقنية والوقائية التي يتخذها في معالجاته التصحيحية. وهو ما فتىء منذ سنوات يطلق التصاريح المطمئنة حول الوضع المالي وسلامة الإجراءات التقنية والوقائية التي يتخذها إصلاحاً لوضعها خاصة، وللوضع الاقتصادي المتعثر والمصاب بجملة من الأضرار والأخطار التي استدعت كبار المسؤولين، وفي طليعتهم رئيس مجلس الوزراء لمباشرة حثيثة ومستعجلة لإجراءات إقتصادية حاسمة من خلال تلك المؤتمرات التي سعى إليها بمؤازرة دولية، لعل أهمها تلك الجهود التي تقوم بها فرنسا، والرئيس ماكرون بالذات، مستكملة بها دورا قديما قامت به في عهد الرئيس شيراك وبجهود ضخمة قام بها آنذاك، الرئيس الشهيد رفيق الحريري متسلحا بقدراته على مدى المجتمع الدولي والعربي الفاعل، مما أدى إلى نجاحات كبرى انتقلت بالوضع الإقتصادي في ذلك الوقت من هوّة الأخطار الإقتصادية المتدهورة والتي كانت متربصة بلبنان من كل جانب، إلى موقع الإنقاذ والخلاص الإقتصادي وتصحيح المسيرات العامة «وفي طليعتها الإقتصادية» بما أمّن للبنان عودته إلى سكة السلامة، وانطلاقته الحثيثة نحو ترسيخ أسس الدولة الحديثة المتوثبة إلى آفاق النجاح. 
إنقلبت الأوضاع رأساً على عقب بعد تلك المرحلة الذهبية، وعاد الوضع الإقتصادي اللبناني إلى التهاوي نتيجة لمستجدات عديدة، بعضها دولي حيث تراجعت الأوضاع الإقتصادية الدولية واشتدت أزماتها. والوضع العربي حيث التهبت ساحاته خاصة منها تلك المجاورة للبنان، وفي طليعتها الساحتان السورية والعراقية، وكان لا بد للوضع الإقتصادي اللبناني أن يتأثر بما أحاط به من أمواج عاتية كادت أن تغرقه في ضمن ما أغرقت من ساحات المنطقة. 
ولا شك في أن لبنان قد تأثر بالتداعيات الإقليمية غير المسبوقة في عنفها وشدّة صراعاتها وقطْعها للأوصال الإقتصادية المجاورة، بما أضرّ كثيرا بالحركة الإقتصادية اللبنانية، وتضاعفت آثارها السلبية من خلال النزوح السوري الكاسح إلى لبنان، وإلقائه تلك الأعباء الثقيلة من خلال تحميله أوزانا اقتصادية هائلة ضَمّتْ إلى وضعه السكاني المنتفخ أساسا، وضع النزوح السوري الذي كان له أثره البالغ في زيادة التعقيدات الإقتصادية عمقا وسوءا وأخطارا. 
كل ذلك، مثّل التهابات إقتصادية خطرة طاولت الجسد اللبناني وعافيته، ولكن واقع الأمر المستمر منذ سنوات عديدة، يتجاوز ذلك كله ليصب في وضع داخلي خطير، متمثل بحالات ملموسة ومعروفة من الفساد الطاغي على كل مسالك الحياة في لبنان، مما أدى إلى تعميق تداعياته إلى حدود استدعت من البلدان المهتمة بدرء الأخطار الكبرى التي تواجه لبنان نتيجة لما تعتصره أيادي معظم قياداته وزعاماته الطائفية والفئوية والمناطقية من عصارات لحمه الحي، حتى لبات ميّالاً إلى التجّرد من ملامح الحياة والعافية والسلامة المادية والمعنوية، وأصبح الفلتان الإقتصادي سمةً من سماته التي باتت تحت الرقابة الدولية الراغبة في مساعدته مشترطة تصويب أوضاع قوانينه ومؤسساته الدستورية والإقتصادية بجملة من الإصلاحات المطلوبة بإلحاح، فدول المساعدة التي باتت تعاني من إشكالات بل ومن مشاكل إقتصادية هامة، تتصادم رغبتها في مساعدة لبنان مع قرارات لها بأنها لن تساعد إلاّ في إطارات يتم فيها تصحيح الأوضاع الإقتصادية العامة وبما يلغي كل حالات الفساد القائمة بأشكال مفضوحة حيناً ومتخفية أحياناً. وإذا كانت مطالب تنقية أوضاع الكهرباء وخفاياها وخباياها، مضافا إليها أوضاع النفايات ومتفرعاتها وأوضاع الجمارك والإتصالات وغيرها من القضايا المعرضة للإنتهاك والنهب والسرقات تمثل مطالب لبنانية باتت في هذه الايام جزءا لا يتجزأ من المطالب الشعبية في رفع يد الناهبين عن أموال البلاد وعن رزق وقوت العباد، فهي قد باتت أيضا جزءا لا يتجزأ من مطالب المجتمع الدولي الراغب في مساعدة لبنان واللبنانيين في إطار من الإصلاح والشفافية وحفظ حقوق الدول المساعدة والمانحة بما يؤدي بالنتيجة إلى حفظ حق الناس في هذا البلد المنكوب الذي يدخل قريبا من خلال المؤتمرات الإقتصادية المقبلة، في غرف العناية الفائقة التي قد تمنع عن البلاد حالات الضياع الكامل بعد أن أدخلته السياسات المعتمدة منذ سنوات عديدة في مسيرة قد تصل به إلى كوما سريرية، المدخل إليها هو الوضع الإقتصادي المتدهور، ولعل إقرار ميزانية العام 2018 هو محاولة يبدو أنها جادة ورامية في باب أساسي من أبوابها إلى تلبية مطالب الدول المساعدة والمانحة بتوفير الضمانات لرساميلها التي ستصبح في «أحضان لبنانية» ربما استمرت على نهجها غير الشفاف في وضع غير موثوق متابعا مغامراته في أعمال الفساد والسرقات وتكريس أوضاع إقتصادية مشبوهة مهددة للبنان واللبنانيين بأفدح الأخطار، فهل ينتبه الجميع من خلال صحوة مقبلة لا بد منها إلى خطورة أوضاع وطنهم الإقتصادية التي تخفي في خباياها كل أنواع الأخطار، وهل هناك من يمدّ يد العون إلى حاكم مصرف لبنان الذي يبذل جهدا إثر جهد لتطوير المعالجات التقنية للوضع المالي متنقلا بين حالات علاجية متعددة، ما أن يستنفذ بعضها حتى يبادر إلى حرفنة ناجحة لمعالجة حالات مستجدة أخرى في انتظار الحل الجذري الذي يريح لبنان واللبنانيين من مخاوف غاية في الجدية باتت تطاول الوضع اللبناني كله وتهدد اللبنانين بأخطار فادحة، لم تعد خافية عن أنظارهم وتحسباتهم، وبالإنتظار تتجه تحسبات اللبنانيين إلى الجهود المبذولة حاليا إعدادا للمؤتمرات الإقتصادية والأمنية المقبلة وأياديهم على قلوبهم من أي اهتزاز يضع العراقيل أمام الجهود الحثيثة المبذولة حاليا وبالتحديد من قبل رئيس مجلس الوزراء.