بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 كانون الثاني 2023 01:06ص لبنان لن يكون خارج الشرعية الدولية

حجم الخط
جاء في ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة حول موضوع الفساد (تشرين الأول 2003)،ان الفساد لم يعد شأنا داخليا بل هو ظاهره عبر وطنية ويمس كل المجتمعات والإقتصادات، ما يجعل التعاون الدولي لمنعه ومكافحته امرا ضروريا لدرء مخاطره على الإستقرار المجتمعي الذي يؤدي الى تقويض المؤسسات الديمقراطية ويعترض التنمية المستدامة فضلا عن سيادة القانون.
تعتبر مسألة استرداد الموجودات الناتجة عن عمليات الفساد مبدأ أساسيا في هذه الإتفاقية. لذلك ينبغي على الدول الأطراف فيها بذل اقصى انواع التعاون وتبادل المساعدة في هذا المجال. وقد انضم لبنان الى هذه الإتفاقية بموجب القانون 33/2008 بحيث اصبحت ضمن كتلته الشرعية.
عرّف البنك الدولي وجاراه في ذلك القانون اللبناني الفساد على انه شكل من اشكال خيانة الأمانة التي يرتكبها شخص او منظمة يعهد اليها بمركز سلطة وذلك من اجل الحصول على مزايا غير مشروعة.
الفساد اذاً هو جريمة تظهر في معظم البلدان وإن بدرجات ونسب متفاوتة ويؤدي إلى إنعدام الإستقرار الحكومي من خلال تشويه العملية الإنتخابية، والمساس بسيادة القانون وتأخير التنمية الإقتصادية.
يعتبر الفساد المالي اهم انواع الفساد لأنه ينطوي على الإستيلاء على مال الدولة والتصرف به دون وجه حق. كما ينطوي على تبييض الأموال، أي تغطية ما كان غير مشروع منها بوسائل مالية مشروعة لإبعاد الشبهات.
ولعل اهم اثار الفساد المالي هو على المستوى الإقتصادي لأنه يعيق النمو المالي للدولة من خلال اهدار مواردها المالية وطرد الإستثمارات الأجنبية والوطنية معا.
اما اثار الفساد المالي على الحياة السياسية فليست اقل اهمية لأنها تظهر من خلال تشويه دور الحكومة وإضعاف هيبة الدولة والمؤسسات ما يخلق عند الناس انعدام الثقة بالقرارات التي تتخذها الدولة هذا فضلا عن تقويض الجهات الرقابية.
اذا ما ارتبط الفساد المالي بالفساد الإداري نكون امام تحالف الفساد في اخطر مظاهره لأن هذا التحالف يمس بأساسيات الحكم وهو الذي حدا بالأمم المتحدة لتنظيم اتفاقية مكافحة الفساد التي تعتبر الصك العالمي الوحيد الملزم لمكافحة الفساد لأن الطابع الإلزامي لبعض بنودها يشكل اداة فعالة لحل مشكلة عالمية.
وبما ان مكافحة الفساد ليست خيارا فقد قررت الأمم المتحدة الترويج لعمليات التعاون الدولي والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات التي تساعد في اعمال مكافحة الفساد، وبآن معا في عمليات استرداد ما يكون قد نشأ عن هذه الأعمال، أو ما اتفق على تسميته ب «استرداد الموجودات» من حيث هي موجودة وبالشكل الذي تكون عليه.
من هنا نفهم لماذا زيارة الوفد القضائي الأوروبي الى لبنان اليوم الذي هو لإستكمال التحقيقات التي تجريها دول هذا الوفد حول فساد مالي واداري شاع في لبنان وامتدت اثاره الى دول الوفد من خلال عمليات اخراج الأموال الناتجة عن الإختلاسات المالية وعن عمليات تبييض الأموال واشكال الفساد الأخرى.
ان لبنان الذي انضم الى اتفاقية الأمم المتحدة المشار اليها يكون قد عبّر عن وقوفه الى جانب الشرعية الدولية وبآن معا التزامه بتنفيذ أعمال التعاون والمساعدة في مكافحة الفساد من دون التنازل او اهدار حقه في تطبيق القانون الداخلي الذي حفظته له الإتفاقية.
ولهذا السبب لا نفاجأ ان تعمد السلطة اللبنانية المختصة على استقبال وفد الدول الأوروبية، وان تضع بتصرفه كل الإمكانيات اللوجيستية الضرورية لإنجاح مهمته الإستطلاعية والتحقيقية وان توفر له الأمكنة اللازمة للقيام بعمله. على ان يقوم قضاة لبنانيون بعملية المساعدة وطرح الأسئلة والإستدعاءات، وبالإجمال إدارة الأعمال التحقيقية بالإشتراك مع أعضاء الوفد.
لذلك ليس مسموحا ان نعتبر أن حضور اللجنة الأوروبية المذكورة انتهاكا للسيادة الوطنية ولسيادة القانون اللبناني الداخلي وانما هو لتقديم الدليل على ان لبنان ملتزم بدوره كطرف مساعد في عملية تحقيقية بجريمة الفساد العابرة للحدود. 
ومن المفيد ان نأمل ان تؤدي اعمال الوفد الأوروبي الى تمكيننا من استعادة الأموال الناتجة عن عمليات الفساد التي ارتكبت في لبنان وأودعت لدى دول الوفد الأوروبي وغيرها من الدول. ما يؤكد اهمية التعاون الدولي ليس فقط في جرائم الفساد على انواعه وانما ايضا في جرائم اخرى مثل جرائم تبييض الأموال والإتجار بالبشر الى ما هنالك.
-----------
* مدعي عام التمييز سابقاً