بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الأول 2021 08:18ص لبنان مخطوف وحزب الله دولة تسيطر على «اللادولة»

حجم الخط
لبنان مخطوف منذ 7 أيّار 2008، التاريخ الذي احتلت فيه ميليشيات حزب الله وحركة أمل مدينة بيروت وروّعوا اهاليها، وقتلوا بعض مواطنيها، بالإضافة إلى مواطنين آخرين من جبل لبنان. فخلال السنوات الفاصلة بين مؤتمر الدوحة وتشكيل حكومة نجيب ميقاتي الراهنة سعى حزب الله للسيطرة تدريجياً على جميع مؤسسات الدولة والتحكم بكل قرارات السلطة، وقد نجح في ذلك، ولدرجة يمكننا القول بأنه بات مهيمناً على عمل مجلس النواب، وعلى السلطة الاجرائية المتمثلة برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وهو يحاول الآن للسيطرة على السلطة القضائية بكامل هيئاتها وقضائها.

درج اللبنانيون في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي على الحديث عن هيمنة حزب الله على كل المفاصل الأساسية في الدولة بالقول بأن الدويلة قد باتت اقوى من الدولة، في الوقت الذي باتت الحالة الراهنة تقضي بأن نقول بأن حزب الله قد تحوّل إلى دولة في حالة «اللادولة» بعد سقوط لبنان المدوّي مالياً ونقدياً واقتصادياً ومعيشياً، ماذا بقي من جمهورية قارب عمرها مائة عام، إذا كانت عاجزة عن تأمين أدنى الخدمات، بما فيها الكهرباء والماء والتعليم والطبابة، والدواء؟ وماذا بقي من دولة غير قادرة على صياغة سياستها الخارجية بما يتناسب مع الحفاظ على علاقاتها مع الدول الصديقة والشقيقة، وبما يتفق مع حاجة الحفاظ على مصالحها الحيوية وعلى مصالح مواطنيها العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، وصوناً لكرامة ملوك وحكام هذه الدول التي قدّمت للبنان المؤازرة والمساعدات السيخة والاستثمارات الكبيرة والمتنوعة، بالإضافة إلى الودائع المالية من أجل مساعدته للتغلب على كل الأزمات التي عصفت به تكراراً خلال العقود الماضية؟

للأسف الشديد دأب حزب الله منذ ما يقارب العقد والنصف على دفع الدولة اللبنانية التي رغبت في النأي بنفسها عن اتباع سياسة المحاور، والانغماس في الصراعات الداخلية للدول العربية، من الصراع والحرب في سوريا، والعراق واليمن، إلى التخطيط لدعم أو المشاركة في تهديد الأمن الوطني لبعض الدول الخليجية، وأبرزها الكويت والبحرين. وبلغ به التحدي لسلطة الدولة ولإرادة أكثرية اللبنانيين إلى توجيه الانتقادات وإطلاق الشتائم ضد مختلف الأنظمة الخليجية، وذلك بالرغم من ان القانون اللبناني يحرّم ذلك، ويشكل إخلالاً بالتضامن العربي وبالمصالح الوطنية. لا يمكن التغاضي عن الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الرئيس ميشال عون وتياره السياسي بالتحالف مع حزب الله منذ توقيع تفاهم مار مخايل معه أو خلال التلاحم معه سياسياً وتغطيته مسيحياً، وفتح الباب امام المزيد من التدخل في عمل مؤسسات الدولة، إلى ان تحوّلت كامل هذه المؤسسات بما فيها مؤسسة مجلس الوزراء ومؤسسة رئاسة الجمهورية بحكم المشلولة، وغير قادرة حتى على الدعوة لعقد جلسة لإقرار خطة إصلاحية تفتح الباب أمام بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي حصول لبنان على مساعدات وقروض ميسَّرة هو بأمسّ الحاجة إليها.

الدولة اللبنانية مخطوفة ومشلولة، وبلغت آلية قراراتها درجة من السوء، حيث باتت عاجزة عن اتخاذ الخطوات اللازمة لإصلاح التدهور الحاصل في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات والكويت والبحرين، والذي أدى إلى سحب السفراء ووقف إستيراد المنتوجات اللبنانية، بالإضافة إلى دعوة مواطنيها لمغادرة الأراضي اللبنانية. تأتي هذه التطورات الدراماتيكية في العلاقات مع الدول الخليجية على خلفية تدخلات حزب الله في صراعات المنطقة، من أجل مؤازرة النظام الإيراني في تدخلاته في مختلف الحروب العربية، وفي السلوكية العدائية التي يعتمدها تجاه مختلف الأنظمة الخليجية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية.

كان اللافت إفشال حزب الله بسلوكيته السياسية الجهود العربية التي سعت لتدارك مخاطر انزلاق علاقات لبنان بالدولة الخليجية، إلى درك لا يمكن إصلاحه خلال سنوات، فكان من أبرز هذه المساعي إيفاد الجامعة العربية لأمينها المساعد لاستطلاع إمكانية إيجاد مخرج من الأزمة من خلال تقديم استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، على خلفية تصريحاته غير المتوازنة حول مسار الحرب في اليمن.

في رأينا وبالرغم من المساعي التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته للدول الخليجية مؤخراً، والتي أسفرت عن اتصال هاتفي بين ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان والرئيس ميقاتي، فإن الحكومة اللبنانية، العاجزة عن تخطي فيتو حزب الله لعقد جلسة لمجلس الوزراء، لن تستطيع ان تنفذ أياً من المطالب السعودية، وخصوصاً ما يعود منها لضبط سلاح وسلوكيات حزب الله، وتنفيذ القرارين 1559 و1701. أو ضبط الحدود مع سوريا لوقف استعمال لبنان كمنطلق لتهريب المخدرات تجاه المملكة. لقد أثبتت الدولة اللبنانية مع كامل أجهزتها العسكرية والأمنية عدم قدرتها على منع عمليات التهريب بالاتجاهين من خلال استعمال القوافل عبر المعابر الحدودية غير الشرعية التي يسيطر عليها حزب الله.

لا يبدو بأن هناك أية مؤشرات على إمكانية إصلاح العلاقات المتدهورة مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية في ظل استمرار العجز الحكومي، مع استمرار تقاعس الرئيسين عون وميقاتي عن القيام بواجبهما الوطني لدعوة مجلس الوزراء لمعاودة جلساته بالرغم من فيتو التعطيل الذي فرضه حزب الله، وفي ظل هذا الوضع الراهن لن يكون بمقدور الحكومة وضع خطة إصلاحية، وبالتالي الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية، تؤسس للنهوض الاقتصادي والإصلاح المالي. وهكذا يبقى من المتوقع ان تبدّد القيادات اللبنانية الآمال التي رسمتها مبادرة ماكرون الثانية مع دول الخليج، على غرار ما بددت مبادرته الأولى التي أطلقها بعد اجتماعه الشهير مع مختلف القيادات اللبنانية في اجتماع قصر الصنوبر الشهير.

هل يبقى هناك أي أمل للخروج من المأزق الراهن؟

للجواب على هذا السؤال يراهن البعض على إمكانية اجراء الانتخابات النيابية خلال السنة المقبلة، وعلى قدرة المجتمع المدني على انتخاب كتلة نيابية وازنة، قادرة على تشكيل قوة ضاغطة على النظام الفاسد وإجباره بالتالي على القيام ببعض الإصلاحات الداخلية، وتكوين رأي عام شعبي قادر على الضغط داخلياً وخارجياً على حزب الله، ومنعه من الحفاظ على الستاتيكو الراهن. لا بدّ في هذا السياق من التشكيك بقدرة المجتمع المدني على تحقيق هذا الاختراق في جسم النظام الذي يقوده ويحصنه حزب الله بفائض نفوذه وقوة سلاحه. كما انه لا يمكن تجاهل الجهود الحثيثة التي يبذلها حزب الله وحلفاؤه من أجل تعطيل الانتخابات، والتمديد للمجلس الحالي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفق إرادة ورؤية حزب الله والذي يهيمن على الأكثرية النيابية في هذا المجلس.

في غياب الحل الداخلي يبقى الأمل معقوداً على نجاح مفاوضات فيينا مع إيران، ومصحوباً بقدرة الولايات المتحدة وفرنسا وبمساعدة دولية لإقناع طهران للدخول في مفاوضات سياسية هادفة إلى تغيير سلوكياتها تجاه دول المنطقة، ووقف تدخل ميليشياتها وعلى رأسها حزب الله في الهيمنة على أنظمة هذه الدول أو اختطافها.

لبنان وطن مخطوف، وهو بحاجة لوعي وتكاتف أبنائه لتحريره واستعادة سيادته الوطنية، هذا هو التحدي الكبير الذي يواجهونه وأن عليهم إثبات قدرتهم على استرجاعه وإعادة بنائه.