بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 حزيران 2019 12:43ص لبنان.. ملعب للهواة

حجم الخط
6 حزيران 1944 كان نزول قوات الحلفاء على شواطئ النورماندي، ويعتبر هذا اليوم بمثابة بداية النهاية للحرب العالمية الثانية، وهزيمة النازية وحلفائها، واستخدام الأسلحة الذرية للمرة الأولى والأخيرة ضد اليابان في هيروشيما وناكازاكي في ٦ و٩ آب ١٩٤٥، وانتهاء الحرب وتشكيل الجمعية العامة للأمم المتحدة ٢٤ أكتوبر ١٩٤٥، وفي ٦ حزيران ٢٠٠٤ كانت الذكرى الستين لنزول القوات الأميركية والحليفة على شواطئ النورماندي، وكان اللقاء الشهير بين الرئيس الفرنسي شيراك والرئيس الأميركي بوش الابن بعد خلاف عميق حول ما بعد الحرب الباردة والأحادية الأميركية ووقوف فرنسا مع غالبية أعضاء مجلس الامن ضد غزو العراق ٢٠٠٣، وتميّز لقاء الذكرى الستين بالاتفاق بين فرنسا واميركا حول لبنان وتحييده عن أزمات المنطقة، ويعتبر لقاء النورماندي الاميركي الفرنسي المؤسس لقرار مجلس الأمن ١٥٥٩ الصادر في ٢ أيلول ٢٠٠٤ في اليوم التالي للتمديد الرئاسي في مجلس النواب. 

الواقع السياسي اللبناني الحالي هو من مواليد القرار ١٥٥٩ بموضوعاته واغتيالاته وتحالفاته وخصوماته وانتكاساته وحروبه وإرهابه وعملياته الأمنية والعسكرية وشغوراته وانتخاباته الرئاسية والحكومية وانهياراته السياسية والاقتصادية والأخلاقية والطائفية والمذهبية، ومعظم الأطياف السياسية تعيش حالة من الغيبوبة الوجودية السياسية، ونسيان أنهم من مواليد القرار ١٥٥٩ وتداعياته وتطوراته من خروج القوات السورية الى حرب تموز ٢٠٠٦ وصدور القرار ١٧٠١ المبني على اساس القرار ١٥٥٩، والذي اكد على دور الجيش اللبناني في الجنوب الى جانب عشرة آلاف جندي دولي في مقدمتهم فرنسا وتدويل الجنوب والشواطئ اللبنانية مع الرقابة الدولية على المصارف.

تجاهلت كل مكونات الواقع السياسي بدون استثناء قادة ونواب ووزراء ونخب واعلام احتفالات الذكرى الخامسة والسبعين لنزول الحلفاء على شواطئ النورماندي في ٦ حزيران ٢٠١٩، والتي حضرها الرئيس الاميركي ترامب قادما من بريطانيا حيث انطلقت عملية الإنزال ليجتمع مع الرئيس الفرنسي ماكرون رغم ما بينهما من خلافات بما يشبه ما كان بين بوش وشيراك، وانتهى الاجتماع بتوافق اميركي فرنسي حول موضوع ايران التي تتموضع بقوة في لبنان والمعروف احتضان فرنسا لمشروع الانتظام اللبناني عبر مؤتمر سيدر الركيزة للاستقرار الاقتصادي الاجتماعي بالاضافة الى المقايضة الفرنسية مع ايران للإفراج عن تشكيل الحكومة.

يأتي الموقف الفرنسي الأميركي من ايران بالتزامن مع الوساطة الدبلوماسية الألمانية واليابانية، الدولتين المقيدتين في التصنيع العسكري والأقوى اقتصاديا في العالم الان بعد ان كانتا من اكبر الخاسرين في الحرب العالمية بعد احتلال وتقسيم ألمانيا وتجرع اليابان مرارة القنبلة الذرية، وتزامن الوساطة مع استهداف مطار أبها المدني بصواريخ كروز الشديدة الدقة واستهداف ناقلات النفط في بحر العرب ومع وساطة المبعوث الاميركي ساترفيلد حول الصواريخ الدقيقة وترسيم الحدود والذي يذكرنا بالدبلوماسية الحامية التي ابتكرها كيسنجر في فيتنام (العباءة والخنجر) ومساعده فيليب حبيب الذي جاء الى لبنان من اجل صواريخ سام السورية في البقاع وانتهى بإدارة خروج منظمة التحرير من لبنان.

أعتقد بأنه لم يعد في لبنان من يعرف القراءة في كتاب لبنان بحقباته ودروسه البالغة الدقة والأهمية والمرارة، كتاب الحرب والسلم تلك التجربة الطويلة التي جعلت من لبنان مرآة السياسات العربية والاقليمية والدولية على الدوام، ومنارة التنوير والتعليم والمعرفة والابداع والإعلام لعقود طوال، ثم ساحة بديلة للنزاعات الاقليمية والدولية الأيديولوجية والقومية والطائفية وتقويض اسباب الدولة وتقاطر الدول الخارجية والمنظمات على الوصاية والهيمنة والاحتلال، والآن وبعد ١٥ عاماً على ١٥٥٩ اصبح لبنان حديقة خلفية للنزوح ومستودع لأدوات الانفجار وصندوق بريد لرسائل الكراهية والاحقاد والغباء وملعب للهواة.