بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 أيلول 2021 07:59ص لبنان وثقافة صناعة السؤال

حجم الخط
تعاني النخبة السلطوية الجديدة من فقدان الميزات السياسية التقليدية والمتمثله بالقدرة على تحديد اللحظة السياسية المحلية والاقليمية والدولية وتقاطعاتها اللبنانية وحسن ملاقاتها والتموضع حيث تكون المصلحة الشخصية والطائفية او الحزبية على حساب لبنان، وهذه الميزات السياسية والاعلامية ساهمت بصناعة ثقافة الشطارة اللبنانية التي تختلط فيها مهارات البيع والشراء مع المصلحة العامة وهيبة الدولة وسيادة الكيان، وتلك الشطارة هي التي اوصلتنا الى ما نحن عليه الان مرات ومرات من انهيارات وتداعيات وضياع وجوع وخواء. 

تحاول مكونات السلطة ايهام الناس بقدرتها على اعادة شيء مما كان لدى عموم الناس من بديهيات الحياة، وتعتقد مكونات السلطة بان سكوت الناس هو تسليم بالخسارة وعجز عن المواجهة، وان الوعود باعادة بعض مما كان ستكون كافية لنجاح مكونات السلطة باستعادة هيمنتها على البلاد والعباد، والحقيقة هي ان عموم الناس في لبنان الان هي في حالة محاكمة ذاتية عقابية نتيجة تجاهلهم وسكوتهم على كل الفظائع التي كانت ترتكب امام اعينهم تحت شعار حقوق الطوائف والجماعات، وهم كانوا يعرفون بانها مجرد عملية صناعة امجاد وهمية وثروات لهذا الزعيم او ذاك. 

تتوهم المجموعات البديلة للسلطة بانها قادرة على تحقيق رغباتها من خلال الشعارات او الاستعراضات مما يجعلهم من جماعات اعادة تكوين السلطة على القواعد التي اعتمدتها كل اجهزة المخابرات التي تعاقبت على ادارة الشأن العام والانتخابات في لبنان منذ الاستقلال حتى الان، ولا تدرك تلك المجموعات بانه لا احد يستطيع تحديد ماهية مكونات الشخصية الوطنية القادمة بعد انهيار وانكشاف السلطة ورموزها وادواتها التي تستخدم الثورة التكنولوجية باجيالها الجديدة من اجل خدمة افكار قديمة وتافهة وبالية وفاشلة، ولا احد يعرف الان كيف يفكر الشابات والشباب في لبنان، ولا احد يعرف مستوى الوعي العميق الذي تكون لديهم خلال عامين من الانكفاء والتأمل مع الانهيارات الصحية والمالية والتربوية والاجتماعية والاسرية، وهذا الوعي الجديد لدى الاجيال الصاعدة اسقط رؤساء دول كبرى في العالم وينذر ايضا بسقوط رؤساء آخرين في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. 

ان تبسيط معنى التحول المجتمعي الوطني العميق يعتبر اخطر من فقدان الودائع والدواء والمحروقات وغيرها من البديهيات والتي يحاول البعض تأمينها بواسطة الاشقاء والاصدقاء، اما تبسيط المعقد فانه يعني اننا وصلنا الى مرحلة فقدان العقل وعدم احترام عقول الناس حيث لا تستطيع الدول الصديقة والشقيقة ان ترسل لنا بواخر من العقول ولا صهاريج من الافكار والمعالجات، لان تبسيط الامور المعقدة يؤدي الى تسطيح المجتمعات وهذا ما كان سائد في لبنان وغير لبنان الى ان وقعت المأساة وسقطت هيبة الدول وتفككت المجتمعات ووصلنا الى الضياع التام. 

ان ايجاد شرعية لبنانية مرحلية هو ضرورة قصوى من اجل التفاوض مع مصادر النهوض والانتظام واعادة ربط لبنان بمحيطه والعالم والعمل على رفع حطام مكونات السلطة التي تهاوت بعد ٤ آب ٢٠٢٠، ولا بد ايضا من مواكبة معرفية جدية لانهاء ثقافة الشطارات الانية غير الإستراتيجية والتي تؤدي كل عشرة اعوام الى كارثة جديدة تستنزف كل الانجازات والتضحيات والاستثمارات، ولا بد من اطلاق حركة استقلال لبنان عن الشطارة والخفة والغوغاء والاجابات الجاهزة وعدم الاصغاء لأحلام واسئلة الاطفال والشباب والشروع بتكوين ثقافة صناعة السؤال الاستشرافي الذي لا يتضمن اجابة مسبقة. 



ahmadghoz@hotmail.com