بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 شباط 2021 08:08ص لماذا التدويل هو الحل..؟

حجم الخط
لم يكن اللبنانيون ينتظرون كلام غبطة البطريرك الراعي ليدركوا أن دولتهم سقطت في مهاوي الفشل مع هذه المنظومة السياسية الفاسدة والعاجزة، والتي فقدت أبسط مشاعر التواصل مع قواعدها الشعبية.

 رغم كل النكبات التي حلت بالبلد في الأشهر الأخيرة، وخاصة إنفجار المرفأ الزلزالي، ورغم كل المآسي والمعاناة التي تضغط على صدور اللبنانيين، وتشد الخناق على أعناق الأكثرية الساحقة منهم،

ورغم كل الضغوط التي تمارسها عواصم القرار الدولي على أهل الحكم لتشكيل حكومة قادرة على التعاطي مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، وإطلاق الورشة الإصلاحية المطلوبة لإخراج البلد من النفق الحالي،

رغم كل ذلك. مازال أهل الحكم يتمترسون خلف مواقفهم الأنانية ومصالحهم الحزبية، ويعطلون البلد بما يفاقم الأزمات المتلاحقة، ويعجزون عن معالجة المشاكل الحياتية، ويهربون من مواجهة الملفات الملحة!

 كارثة المرفأ مازالوا يتفرجون على آثارها المدمرة من أبراجهم العاجية، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء مد يد العون والمساعدة للعائلات المنكوبة بمنازلها وموارد رزقها،

 إنهيار الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية يتدحرج مثل كرة الثلج ويكبر يوماً بعد يوم، وهم غاطسون في خلافاتهم وصراعاتهم على تقاسم مغانم السلطة،

ودائع الناس في المصارف تخضع لعملية نهب منظمة، من قبل البنوك التي تنفذ عمليات «الهيركات» دون حسيب أو رقيب، وتتحكم بودائع أصحاب المال وجنى أعمارهم، فيما وزارة المال والبنك المركزي ومرجعيات القرارات المالية الأخرى تحولوا إلى شهود زور على هذه الجرائم المالية الموصوفة، دون أن يقوموا بأدنى واجباتهم في إعادة تنظيم القطاع المصرفي، وإتخاذ الخطوات اللازمة للحفاظ على حقوق أصحاب الودائع، ووضع حد لتجارة الدولار السوداء.

 والحديث عن عجز هذه السلطة طويل ومتشعب، وكل تفاصيله تُدين عجز وفشل الحكم الحالي، وتعزز مواصفات «الدولة الفاشلة» التي نعاها البطريرك أمس، وطالب على أساسها بتدخل دولي بإشراف الأمم المتحدة لإنقاذ لبنان من الكوارث التي يتخبط فيها، بعدما أثبتت الطبقة الحاكمة فشلها في التصدي لأزمات البلد، وعدم قدرتها على إنقاذ السفينة من العواصف العاتية حولها.

 وتأتي صرخة البطريرك أمس، لتكمل مسيرة دعوته للحياد الناشط، بهدف إبعاد لبنان عن اللهيب المشتعل في الإقليم، وبعدما فقد الأمل بوجود الحكمة الضرورية لدى أهل الحكم، الذين أجهضوا مبادرته لإخراج الحكومة العتيدة من عنق زجاجة الخلافات الشخصية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وإستمرار العجز الفادح في الحد من هذا الإنحدار الإنتحاري.

 لا شك أن دعوة البطريرك الجديدة ستثير المستفيدين من الوضع المتضعضع للدولة حالياً، والمهيمنين على مقدرات البلد، والمتفردين بإدارة اللعبة السياسية، وكل الفئات المعارضة لعودة الدولة اللبنانية إلى تماسكها وإستقلالية قراراها، وإستعادة السيادة الوطنية.

 ولكن ما هو الحل البديل عن اللجوء إلى الأمم المتحدة، بعدما أمعنت سياسة المعاندة والمكابرة، وإستمرار معارك الديوك بين كبار المسؤولين، وإستفحال الشلل في مختلف مفاصل الدولة، وعدم القدرة على تشكيل حكومة رغم كل المناشدات الدولية، ورغم وصول البلد إلى جهنم، كما توقع رئيس الجمهورية نفسه؟ إلى متى يستطيع البلد، بل وكل اللبنانيين، أن يتحملوا هذه الأوضاع المتردية، معيشياً وإجتماعياً وصحياً ومالياً، في ظل هذا الحكم الفاشل، وعدم وجود أي مؤشر لنهاية هذا الكابوس المظلم الذي يقض مضاجع اللبنانيين، ويهدد مصير أولادهم والأجيال الصاعدة؟

 لا شك أن الذهاب إلى التدويل ليس هو الحل الأمثل الذي يتمناه اللبنانيون للخروج من «جهنم» التي أوصلهم لها الفشل الذريع للحكم في العهد الحالي، ولكن الإنهيارات المستمرة، وغياب معالجات الحد الأدنى لها، والتراجع المتزايد في أداء أجهزة الدولة، كما اظهرت عمليات الإغتيال، وآخرها إستهداف الشهيد لقمان سليم، فضلاً عن واقع التفكك الذي يضرب مختلف مرافق الدولة.

 الإستنجاد البطريركي بالأمم المتحدة يحمل ، بشكل غير مباشر، إدانة شديدة وغير مسبوقة للمنظومة الحاكمة التي حوّلت لبنان إلى دولة فاشلة، وكأنه يقول لهم : فلّوا وأتركوا البلد لأهله الطيبين! فهل التدويل يكون هو الحل؟