بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الأول 2017 12:05ص لن اسلّم السلاح

حجم الخط

انا لبناني مدني اشعر بالخوف الشديد على وطني من تداعيات التحولات الكبرى التي تحيط بِنَا، اذ قد تتغير أنظمة وحدود وتقوم دول وتزول أخرى، وتنشأ خصومات وصداقات، وربما نشهد مغامرات وحروب وتجارب مأساوية. وهناك في لبنان من ينتظر تلك الكوارث بالكيدية والعدمية واخرون بالمكابرة والادعاء، وكأن قدر لبنان ان يتحمل دائما ويلات تلك النزاعات. واعتقد أنّه آن الاوان لكي نشهر كلّ أسلحتنا المدنية وان يستمع الجميع الى صوت العقل والقلب والمسؤولية والحكمة والمحبة والتسامح من اجل حماية أنفسنا من أنفسنا ومن المكابرة والعدمية. 
اول جريمة في الوجود كانت قبل السلاح، يوم كانت كل البشرية شقيقان، فَطَوّعَت له نَفْسُهُ قتل أخيه فقتله. الحقد هو القاتل، والكراهية ام الجرائم، والغدر يقضّ المضاجع، والصواريخ لا تساوي نظرة حاسد، وكل أسلحة الدمار الشامل هي اقل هولاً من خيانة خائن. القتل يسكن قلوب القتلة وليس في الأسلحة والأدوات، ومنذ ما قبل الامم والمجتمعات والطوائف، وما قبل الطائرات والبارود والمدافع. وتقع الحروب والمجازر عند سقوط القيم والروادع، وعندما يسود عنف الكلام، وعنف الاعتقاد، وعنف المشاعر، واحتقار البشر للبشر في الباطن وفي الظاهر. وذلك اكثر فتكاً من كل السيوف والبنادق.
الحروب على الخصوم والمواقع صغيرة جداً، واسلحتها من الحديد والمعادن. اما الحروب الكبرى تكون في النفس ومع الذات والغرائز والكبائر، واسلحتها هي الاخلاق والتحضر والتمدن والتفاعل، والخلق والابداع والانجاز، والعلم والتنور والتواضع، وقبول الآخر والخروج على كل الاصطفافات العصبية القبلية والطائفية والمذهبية والتي تفرق بين ابناء الوطن الواحد، وتمنع قيام الدولة القوية وولادة الفرد المواطن الذي يشعر بالحزن والأسى على كل فاشل يستقوي على أهله ووطنه بالخارج القريب او البعيد من اجل الغلبة والانتقام والمغانم وتجديد الآلام والمواجع. 
انا لبناني مدني وأخاف على وطني، ولن اسلم السلاح، ولن اعتزل حرب النفس الكبرى، ومواجهة الذات وتضخم الأنا. وسأبقى على إيماني بلبنان وطني النهائي والوحيد، وبعيدا عن مقابر الأفكار والقبليات والتجمعات وخطوط التماس. والخطوط العسكرية والمعابر، فأنا ولدتُ هنا وعشقتُ وصادقت هنا، ونجحت وفشلت هنا، وهنا دَفنتُ احبابي، وسأُدفن هنا في تُراب التلال والروابي وتحت سماء بلادي. 
انا لبناني مدني وأخاف على وطني، ولن اسلم سلاح الحب والعشق والامل، والرجاء والتحلي والتخلي والعطاء، والمودة والاخوة والصداقة والتسامح، والبحث عن الحكمة والنبوغ والابداع، والإصغاء للكبار والصغار، والتبصر والتأمل والبساطة والفرح، ومع الامل في ان نكون بشر أسوياء، فوق المهاترات الرخيصة، والانتصارات الوهمية في الحروب الصغيرة، التي تأخذ الاطفال من سكينتهم، وترميهم في مخيمات الذل واللجوء والعار، فأي بطولة تلك التي تقتل الامان في نفوس الأطفال. 
عقود طويلة ولبنان على موعد دائم مع عودة ابنائه التائهين المتعبين والمدججين بالحديد والسلاح والخطيئة والواحد تلو الاخر. وفي كل مرة يذبح لبنان العِجْلَ المسَمَّن احتفالا بعودة الابن الضال الذي كان ميتا وعاش، وعلى حساب كل ابناء لبنان من المدنيين المسلحين بالصبر والسكينة والايمان والانتماء، والساهرين على سلامة الاسرة الوطنية الواحدة، التي تعاني بين الحين والآخر من رغبة بعض ابنائها بالتفلت والضياع. انا لبناني مدني اشعر الان بالخوف الشديد على وطني ولن اسلم السلاح.