بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 نيسان 2018 12:14ص مرتا مرتا.. تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد

حجم الخط
البيان الختامي للمؤتمر الإقتصادي للتنميّة من خلال الإصلاحات ومع الشركات «سيدر» الذي إختتم أعماله في السادس من الشهر الحالي في باريس، وقدّم للبنان قروضاً ميسّرة وهبات وصلت قيمتها إلى أكثر من 11 مليار دولار، أشار بما يتخطّى اللياقات الدبلوماسية المعتمدة مع الدول التي بلغت سن الرشد إلى إستحقاقين ينبغي إنجازهما لمعالجة ضعف الحوكمة في لبنان: 
الإستحقاق الأول سياسي، وهو إعادة دعوة الحكومة لوضع سياسة موثوق بها للنأي بالنفس، تنفيذاً لما نصّت عليه البيانات الصادرة عن مجموعة الدعم الدوليّة التي انعقدت في باريس في 8 كانون الأول 2017 والإجتماع الوزاري لدعم القوى المسلّحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي في لبنان الذي انعقد في روما في 15 آذار 2018. والإستحقاق الثاني إصلاحي، وقد أشار إليه البيان من خلال طلب وضع آلية متينة لمتابعة أعمال هذا المؤتمر ولضمان تنفيذ الإلتزامات والإصلاحات والوعود التي تقدّمت بها الحكومة، ومنها تخفيض العجز في الموازنة، وتخفيض الدعم لشركة كهرباء لبنان وإجراء إصلاحات هيكلية وقطاعية وإرساء بنى تحتيّة حديثة ومكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة والمساءلة وإصلاح الجمارك. وتقرر بهذا الصدد تنظيم إجتماعات متابعة بشكل دوري مع كبار الموظفين في العواصم والمقار الرئيسية لضمان شفافية التمويل وتنفيذ المشاريع.
الإستحقاقان المُشار إليهما يسابقان كلّ الآمال المعقودة على نتائج المؤتمر ليتحوّلا إلى إستحالتين: الإستحالة الأولى تتعلّق بانعدام فرص نجاح الرئيس الحريري بتحقيق النأي بالنفس وبتثبيت ستاتيكو على مستوى التوازن السياسي قد يُترجم أمام الدول الداعمة للبنان بأنّه بداية عقلنة لسلوك حزب الله وبداية إندماج لأنشطته العسكرية تمهيداً لطرح الاستراتيجية الدفاعيّة على بساط البحث. فلقد سبق للرئيس ميشال عون أن حرك مياه الاستراتيجية الدفاعية الراكدة إثر اجتماعه بالممثّل الشخصي للأمين العام للأمم المتّحدة، قُبيل انعقاد «مؤتمر سيدر» بقوله: «إنّ الاستراتيجية الدفاعية ستكون الموضوع الأول للبحث بعد الإنتخابات النيابية». 
ولكن يبدو أنّ هذا الموضوع إتخذ شكلاً هلاميّاً بعد عودة الرئيس عن تصريحاته أول من أمس أمام محطة TV5 الفرنسية ،عندما أشار الى شرعية الرئيس الأسد وأنّ لا خيار سوى التعامل مع الحكومة الحالية وعندما أكّد أنّ حزب الله ليس حليفاً ثقيلاً مُثنياً على دوره في الدفاع عن لبنان ومبرراً إنخراطه في الحرب في سوريا. الرئيس عون أضاف أنّ السلطة في لبنان تمارس سيادتها على الأراضي اللبنانية بشكل تام ومن دون أي تدخل من حزب الله الذي يلتزم بالإستقرار والسلام في لبنان.  
تصريح الرئيس عون لاقاه الأمين العام لحزب الله خلال احتفال إعلان التأييد والدعم للائحة الأمل والوفاء من النبطية، حين أشار إلى «أنّ في لبنان وفي خارجه وفي أميركا وغيرها من عاد اليوم ليراهن على الصدام بين الجيش والمقاومة»، داعياً إلى التحصين السياسي للمقاومة من خلال البرلمان الجديد وإلى ضرورة حضورها القوي في كلّ المؤسسات، مستعيداً التركيز على المعادلة الذهبية «الجيش والشعب والمقاومة». 
الإستحالة الثانية تتعلّق بعجز الحكومة عن الوفاء بالإلتزامات التي قطعتها على نفسها لإعادة الهيكلة والإصلاح. إنّ توزيع القروض الميسّرة على سنوات خمس يعني أنّ المبالغ التي سترصد سنوياً لن تتجاوز الملياري دولار. تدرك الحكومة أنّ إنفاق هذه المبالغ سيكون خاضعاً لقيود دوليّة للتأكد من شفافية الإجراءات الحكومية ولتأكيد استمرار صرف القروض في السنوات التي تلي. إنّ المفارقة البديهية التي تطرح نفسها ههنا، كيف يمكن للحكومة تطبيق كلّ هذه الإصلاحات المُشار إليها وهي العاجزة عن تخفيف الهدر في قطاع الكهرباء من خلال فرض الجبايّة على المحميات السياسية والطائفية، ووقف الهدر الناتج عن حالة التسيّب على المعابر الحدوديّة غير الشرعية، ووقف رصد المليارات التي تُدفع لجمعيات السيدات الأول الحاليات والسابقات، ووقف استئجار المباني الحكومية بأسعار خيالية ، وهذا ما أكدته موازنتا العامين 2017 و2018 . 
  حال رئيس الحكومة يشبه الى حد كبير حال «مرتا» التي  دعت السيد المسيح إلى مأدبةٍ في بيتها لشكره على جميله عندما أقام أخيها من الموت... وعندما أتت إلى يسوع تسأله أن يُحرّر أُختها، لا بل، أن يأمرها بأن تأتي لتساعدها في تدبير المائدة، هي التي كانت تجلِسُ عند قدمي يسوع تُصغي إلى كلامه وتتأمَّل به، أجابها أنَّ إكرامه لا يكون بالمآدب الفخمة والإحتفالات الفضفاضة ولا بالنشاطات التي غالباً ما لا تروي عطش الإنسان إلى الله. فمن يُريدُ فعلاً أن يُكرِّمَ يسوع، عليه أوّلاً أن يجلس عند قدميه في موقع التلميذ، ويُصغي إلى الحكمة الصادرة من فمه، فهي وحدها القادرة على أن تُصيّره حكيماً، أي قادراً على التمييز في أمرِ خلاصه .
دولة الرئيس تترأس الوفود الحكومية وتحاور المجتمع الدولي بأمور كثيرة ضمن إخراج رعوي ليس أكثر .....ولكن المطلوب واحد......