بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 حزيران 2021 07:02ص مسؤولية الرئيس عون للخروج من المأزق

حجم الخط
يعيش لبنان أزمة عميقة متعددة الأبعاد، في الوقت الذي لا يبدو انه قادر على إيجاد المخارج أو الحلول للتعامل مع مسببات هذه الأزمة، أو التصدّي لنتائجها الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
منذ خريف عام 2019، دخل لبنان في عين العاصفة، وقد فشلت الانتفاضة الشعبية التي استمرت لفترة عام كامل في دفع الطبقة السياسية لتبني مشروع إصلاحي يمكن ان يوقف التدهور الحاصل، ليجري بعد ذلك اعتماد مشروع جدّي يمكن ان يُعيد الثقة المفقودة بالدولة وببقية مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية والإدارية. عندما نقول بأن الأزمة هي متعددة الأبعاد، فهذا لا يعني فقط فشل مؤسسات الدولة في أداء وظائفها العامة، لإدارة الشؤون العامة، بل يعني توسع الأزمة لتشمل تعثر وافلاس النظام المصرفي، كما يشمل مختلف القطاعات الانتاجية، مع كل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من ارتفاع لنسب البطالة وتدهور بالتالي مستوى دخل العائلة، وبالتالي ارتفاع نسبة الفقر في لبنان، والتي تعدت وفق إحصاءات البنك الدولي نسبة الخمسين في المائة.
لا نغالي إذا اعتبرنا ان حالة الاهتراء التي ضربت في جسم الدولة السياسي والإداري والقضائي قد أصبحت عامة، وهي حالة وبائية، ولم يبق سالماً منها سوى المؤسسة العسكرية، ولكنها تبقى مهددة في وحدتها وتماسكها وفعاليتها وقدراتها إذا ما استمرت الأزمة الاقتصادية والمالية، والتي ستهدد في حال اشتدادها لقمة عيش العسكريين ولقمة عيش عائلاتهم، وذلك بسبب نقص القدرات الشرائية للأموال المخصصة للتغذية كما للطبابة والدواء، ناهيك عن انهيار القيمة الشرائية لليرة في ظل الارتفاع الجنوني لقيمة الدولار، ناهيك عن جشع التجار، حيث أظهرت الإحصاءات الدولية الموثوقة ارتفاع مستوى الأسعار ما بين عام 2020 وعام 2021 بنسبة وسطية تزيد عن 120 في المائة.
انطلاقاً من استمرار الأزمة السياسية وبلوغها مستوى من الانكار والانفصام والانانية والعداء، والتي أدّت حتى الآن إلى استحالة التوافق على تشكيل حكومة من الاختصاصيين، يؤمل منها ان تتبنى مشروعاً «انقاذياً» يؤمن للبنان الخطوة الثابتة الأولى على طريق استعادة ثقة الدول العربية والغربية والمؤسسات الدولية المالية بالدولة اللبنانية، الساعية لاستعادة زمام المبادرة للخروج من حالة «الدولة الفاشلة» التي وصلت إليها فعلياً وبكل المقاييس.
دخلت الدولة اللبنانية في حالة «موت سريري» بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وبعد استقالة حكومة حسان دياب. ويبدو ان سيد العهد وتياره السياسي مستمرون في تعطيل تشكيل حكومة تملك الحد الأدنى من المواصفات التي تؤهلها لاستعادة بعض الثقة المفقودة داخلياً وخارجياً إذا لم تتأمن كامل مصالحهم، والامساك بالتالي بالقرار السياسي الذي يؤمن لهم شبكة الأمان للحفاظ على مكانتهم السياسية، وبالتالي الحفاظ على أكبر كتلة نيابية مسيحية في الانتخابات المقبلة عام 2022، وفي دعم جبران باسيل في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليكون الرئيس «المختار» لخلافة العماد عون.
يجتاز لبنان أسوأ مرحلة في تاريخه السياسي في ظل حالة الاهتراء والشلل الكامل الذي حل في جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة القضائية، والتي عانت في السابق من التدخلات السياسية لتحوير احكامها، ولكنها بلغت حالة السوء بها حدوداً لم تشهدها من قبل بعد ان نجح السياسيون في تفجيرها من الداخل، بدءاً من النيابات العامة التي تمثل عصب القضاء والعمود الذي تنتصب وتلتف حوله هيبة السلطة.
الوضع العام في لبنان ميؤوس منه، في ظل استمرار غياب السلطة الفعلية المتمثلة بمجلس الوزراء، والذي اعتبر في دستور الطائف كمصدر أساسي لقرارات السلطة في جميع المجالات. فالسلطة الفعلية هي غائبة في ظل حكومة حسان دياب المستقيلة. وهنا لا بدّ من التوجه إلى الرئيس عون والكتلة النيابية الداعمة له بسؤال عن تقييمها لدور رئاسة الجمهورية وفعالية «الرئيس القوي» لتأدية دوره في ظل غياب حكومة فاعلة وقادرة؟
يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية الكبرى عن تعطيل تشكيل الحكومة، من خلال مطالب تتعلق بحقائب وزارية محددة، وبالحصول على «الثلث المعطل» داخل مجلس الوزراء وهو يخل بالمسؤوليات التي نص عليها الدستور، والتي تدعوه للتوافق مع رئيس الحكومة على التشكيلة من أجل إصدار المراسيم بتشكيلها. فالتوافق يا فخامة الرئيس لا يعني إطلاقاً بأنك شريك كامل لرئيس الحكومة في عملية التشكيل. أنت لا تتحمل مسؤولية تقاعس الحكومة أو فشلها في تنفيذ مشروعها، والذي يعرّضها في حال حصوله للمساءلة امام مجلس النواب، بالإضافة إلى المساءلة الشعبية، والتي قد تأخذ طابع الاحتجاج في الشارع، والذي تسبب خلال عامي 2019 و2020 بإسقاط حكومتي الحريري ودياب، بينما بقي الرئيس عون المطالب بالشراكة الكاملة بتأليف الحكومة متحصناً في قصر بعبدا.
بات من الملح والضروري ان يقتنع الرئيس عون بأخذ المبادرة لإخراج البلاد من المأزق الراهن من خلال البحث جدياً عن مخرج من خلال اعتماد أحد الخيارات الآتية:
الخيار الأوّل: الاتصال (بمبادرة شخصية منه) برئيس الحكومة المكلف ودعوته إلى القصر للاجتماع به وبحث وضع تشكيلة صالحة وقادرة على الاضطلاع بالخطوات الإصلاحية اللازمة، وبالتالي إطلاق ورشة «ماراتونية» للاصلاحات الداخلية، وللشروع بمحادثات مثمرة مع صندوق النقد الدولي ومع الدول العربية والغربية الداعمة للبنان.
الخيار الثاني: الدعوة لطاولة حوار وطني تطرح عليها جميع القضايا الخلافية التي هي السبب الأساسي للانقسامات السياسية الافقية والعامودية، والتي تسببت منذ بداية العهد إلى اليوم بتعطيل عمل السلطة التنفيذية، كما عطّلت معها الإدارة من خلال تقاسمها وتحويلها إلى دكاكين خدمات لهذه الطائفة أو تلك الفئة أو الزمرة السياسية.
الخيار الثالث: دعوة المجلس النيابي لحل نفسه والتحضير لانتخابات نيابية مبكرة، مع تشكيل حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات النيابية، مع وعد بالاستقالة من رئاسة الجمهورية والدعوة لانتخاب رئيس جديد من قبل المجلس النيابي الجديد.
ان حياة اللبنانيين وكرامتهم ومستقبل أولادهم يتطلب من رئيس البلاد التحلي باعلى درجات المسؤولية، وبما يعني الاقدام على اتخاذ كل الخطوات الحاسمة واللازمة لمنع انزلاق البلاد نحو الهاوية.
لا بدّ في النهاية من تحذير الرئيس عون وتياره السياسي من حكم التاريخ الذي لن يرحمهم، في حال استمرارهم في تعطيل تشكيل الحكومة بحجة حقوقهم كرئيس أو ككتلة نيابية تدافع عن حقوق المسيحيين، في وقت ردّ عليهم البطريرك الراعي والبابا فرنسيس بضرورة الدفاع عن حقوق اللبنانيين، وتأمين لقمة عيشهم وحماية كرامتهم الوطنية والانسانية.