بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيار 2022 08:05ص ... منعاً للفتنة وتدمير لبنان

حجم الخط
انتهت الانتخابات وبدأ لبنان يتهيأ لمرحلة جديدة مليئة بالتحديات، وأبرزها تشكيل حكومة جديدة تحل مكان حكومة ميقاتي والتي ستتحول قريباً جداً إلى حكومة تصريف أعمال، هذا بالإضافة إلى بداية العد العكسي للاستحقاق الرئاسي قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون في نهاية شهر 10 تشرين الأوّل المقبل.

شكلت الانتخابات امتحاناً قاسياً لمختلف الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، ولقوى المجتمع المدني وما تبقى من رموز ثورة 17 تشرين، ولم تخرج النتائج التي أفضت إليها عملية الاقتراع عن التوقعات لجهة الخسائر التي اصيب بها حزب الله وحلفاؤه في مختلف الدوائر الانتخابية، والتي أدّت إلى خسارته للأكثرية النيابية التي كان يملكها في المجلس السابق والتي دفعت بأبرز رموز القيادة الإيرانية للتعبير عنها بفخر، مع إعلان سيطرتهم على بيروت من بين أربع عواصم عربية يسيطرون عليها، وهي: بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت.. لكن لا بدّ من المسارعة إلى القول قبل احصاء النتائج واحتساب الخسائر التي مني بها حلفاء حزب الله بأن الطريق امام خصوم الحزب التقليديين أو من قوى المجتمع المدني والثورة لن تكون سهلة ومعبدة لتحقيق الشعارات التي رفعوها والوعود التي قطعوها على أنفسهم لتحقيق السيادة وإعادة بناء الدولة.

يبدو جلياً بأن التحدي الأوّل الذي ستواجهه القوى السيادية داخل المجلس يتمثل برفضها المعلن لانتخاب الرئيس نبيه برّي لرئاسة جديدة لمجلس النواب، والذي سيحظى بدعم وإصرار جميع نواب الشيعة في المجلس بالإضافة إلى جميع القوى والكتل النيابية الداعمة لمحور الممانعة. ويبدو جلياً بأنه سيكون من شبه المستحيل إيجاد مخرج لهذه العقدة، حيث انه من المتوقع ان لا يتساهل الثنائي الشيعي في اختياره نائب شيعي بديل، كما انهما سيطرحان الأمر باقتراح أي بديل كخروج على قاعدة الميثاقية، وقد يثير هذا الأمر جدلاً دستورياً وقانونياً، وذلك من خلال تمسك الأطراف السيادية بتفسير مبدأ الميثاقية على انه يطبق ما بين المسيحيين والمسلمين وليس بين الشيعة وبقية الطوائف. وسيدفع هذا الخلاف على اعتماد تفسير الميثاقية إلى الدخول في أزمة، من الصعب جداً حلها، الا إذا اعتمد اجتهاد أخذ ضمانات من الرئيس برّي نفسه على اعتماد بعض التعديلات في ادارته لجلسات المجلس النيابي، واعتماد التصويت الالكتروني بدل التصويت برفع الأيدي.

بالرغم من ان النتائج التي أعلنت ولصالح القوى السيادية تعطي الأمل بإمكانية احداث تغيير نحو الأفضل لجهة إدارة الدولة والبلاد، الا ان قدرات حزب الله على الأرض، وقدراته على التهديد بسلاحه وبتعطيل آليات السلطة هي كفيلة بشل كل القرارات السياسية وتعطيل كل آليات الحكم لتنفيذ هذه القرارات، وذلك على غرار ما حدث في 7 أيّار عام 2008، مع الإصرار بالتالي على احترام مقررات مؤتمر الدوحة، والذي يعني في نهاية الأمر العودة إلى تعطيل أو شل عمل مجلس الوزراء، من خلال سحب الوزراء الشيعة، أو مقاطعتهم للجلسات على غرار ما حدث مع حكومة ميقاتي مع بدايات ممارستها لدورها.

في رأينا ستحتاج القوى السيادية لتثبيت دورها داخل البرلمان وفي السلطة التنفيذية إلى دعم الدول العربية النافذة مثل مصر والدول الخليجية، وإلى دعم القوى الدولية وخصوصاً كل من فرنسا والولايات المتحدة، مع إصرار واضح من قبلها لربط كل المساعدات والاستثمارات والقروض بالاصلاحات المطلوبة في مختلف القطاعات، والتأكيد على التخلص من الفساد المستشري في القطاعين العام والخاص.

اما الاستحقاق الصعب الأوّل الذي ستواجهه القوى السيادية في المجلس الجديد بعد حل عقدة انتخاب رئيس وهيئة المجلس النيابي فيتمثل بتسمية رئيس للحكومة وبتشكيل الحكومة العتيدة، والتي من المفترض ان تقوم بسرعة بالإصلاحات المطلوبة لوقف عملية الانحدار نحو قعر الهاوية، بالإضافة إلى التحضير الجدي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومنع حصول فراغ رئاسي، يجمّد كل العملية الإصلاحية بما في ذلك إعادة بناء المؤسسات وتأمين الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء والماء والمواصلات.

تقول القوى السيادية، وباصرار، بأنها تطمح إلى عدم العودة إلى الحكومات الجامعة والفضفاضة، والتي كانت تشكّل تحت شعار التوافقية، وهي تحبذ ان يجري تشكيل الحكومة من خلال اعتماد مبدأ: أكثرية تحكم وأقلية تعارض. وسيؤدي في رأينا اعتماد هذا المبدأ ان تشكل القوى السيادية (في حال توافقها على تشكيل تكتل نيابي جامع) الأكثرية، ويشكل الثنائي الشيعي وحلفاؤه الأقلية النيابية، وسيدفع هذا الأمر نحو السعي لتشكيل حكومة من خارج مجلس النواب، وبما يسهل اختيار وزراء شيعة من غير النواب، ومن غير المنتسبين لحزب الله، وسيشكل هذا الأمر عقدة لا يمكن تجاوزها في عملية تشكيل الحكومة، وإذا شكلت فإن حزب الله سيكون جاهزاً للعمل على اسقاطها انطلاقاً من فائض نفوذه وقدرات سلاحه على الأرض.

لا بدّ بالواقع للقوى السيادية الرئيسية الفائزة في الانتخابات من ان تتعاطى بحذر وتؤدة مع حزب الله في المرحلة المقبلة، وخصوصاً في المسعى لتشكيل حكومة جديدة، وفي التحضير للاستحقاق الرئاسي، حيث انه لن يكون من السهل ترويضه لقبول خسارته لأكثريته النيابية، وترجمة ذلك إلى خسارة في نفوذه وهيمنته على الدولة، وقراراتها السياسية والأمنية.

من هنا لا بدّ من توقع إصرار حزب الله وحلفائه على تشكيل حكومة سياسية، اي رئيسها واعضاؤها من المجلس النيابي، وذلك تفادياً لاستبعاد وجود أية محاولات التفاف سياسي على مشاركة أعضاء من حزب الله في الحكومة. سيفتح هذا الأمر الباب على مصراعيه لأزمة طويلة لتشكيل حكومة، وبالتالي الدخول في فراغ رئاسي، من المرجح ان يمتد لسنوات، وبالتالي لتحويل لعبة الاوزان السياسية والنفوذ الى أزمة نظام، وبالتالي وضع البلاد امام خيارين خطيرين: 

الأوّل، فتح الباب امام حزب الله للمطالبة بمؤتمر تأسيسي، مع ترجيح المطالبة باعتماد مبدأ المثالثة في النظام بدل المناصفة، وبما يدفع القوى المسيحية للمطالبة باعتماد صيغة نظام فيدرالي. وستضع هذه المطالب المتناقضة للقوى السياسية النظام اللبناني امام مأزق سياسي، لا يمكن الخروج منه بسهولة، ويتحول لبنان إلى بلد مأزوم على غرار ما هو عليه الوضع في العراق أو اليمن أو ليبيا.

الثاني، دفع البلاد إلى مأزق سياسي، قد يتحوّل تحت تأثير ضغط الشارع إلى مأزق أمني، يمكن ان يتعمم ويدفع نحو فتنة وطنية، قد يستدعي حلها تدويل الأزمة، مع احتمال حصول تدخلات عسكرية إسرائيلية، على غرار ما هو جار في سوريا بحجة احتواء تهديدات إيران وحزب الله. وسيؤي حصول مثل هذا السيناريو إلى تدمير لبنان مادياً وسياسياً.

في رأينا تدعو الحكمة حزب الله والقوى السيادية للحكي بالواقعية السياسية، وتحاشي السير بالأمور نحو مواجهة كسر عظم «بين المعسكرين» وبما يؤدي إلى تسهيل تشكيل حكومة، وفتح المجال لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظل توافق مسبق للدعوة لطاولة حوار وطني يرأسها الرئيس الجديد لبحث كل القضايا الخلافية وعلى رأسها مسألتي السيادة، وإعادة بناء الدولة المتوازنة والفاعلة.