مع التعقيد القائم في العلاقات الدولية وصعوبة تصحيح المعايير الاقتصادية، لم يعد يكفي على ما يظهر ذكاؤنا الطبيعي لايجاد الحلول لأزماتنا المتنوعة. نحتاج الى أكثر مما ننعم به من ذكاء لنحل مشاكلنا. نحتاج الى الذكاء الاصطناعي AI الذي يعتمد على الحواسب الكبيرة والبيانات الصحيحة والاحصائيات الكاملة بالاضافة الى ذكائنا العادي السليم. الذكاء الاصطناعي هو أهم تكنولوجيا انتاجية في عالمنا الحالي، اذ يرفع الانتاجية ويوسع الفرص المتاحة أمام الجميع خاصة في قطاع الاستثمارات والانتاج. فالذكاء الاصطناعي يعطي الحياة للماكينات الصناعية ويجعلها تتوقع أو تتنبأ بدقة. أهم ميزة للذكاء الاصطناعي هو تخفيض تكلفة التنبؤ مما يسهل الاستهلاك والانتاج، كما يؤثر ايجابا على النمو الاقتصادي الذي نحتاج اليه لتخفيف الفقر. الاتكال الكلي على الذكاء الطبيعي لم يعطنا في دولنا العربية النتائج التي تحتاج اليها الشعوب، ولا بد من التوجه الى الذكاء الاصطناعي للتحسين. أهم مشكلة تواجهنا في مجتمعاتنا هو الاتكال الكلي على قدراتنا والادعاء بالتفوق، وهذا في غاية السؤ والخطورة.
تحتاج ادارات الدول كما الشركات الى الذكاء الاصطناعي لرفع مستوى الاداء أي تخفيض التكلفة وتحسين الانتاج وطبعا تطوير نوعية السلع والخدمات. الذكاء الاصطناعي قادر على التنبؤ ضمن معايير الاقتصاد الدولي المتقلب معتمدا على الماكينات المتطورة والبيانات الكاملة والصحيحة. اعتماده يرفع انتاجية الشركات والادارات العامة ويقرب المسافات ويعطي الوسائل الضرورية للوصول الى الأهداف. اعتماده يعطي فرصا أكبر لتحقيق اهداف جديدة والفوز في الأسواق التنافسية. يعتمد الذكاء الاصطناعي على التنبؤ الذي هو ببساطة اكمال المعلومات الماضية المتوافرة في سبيل اتخاذ القرارات الصحيحة على كل المستويات في القطاعين العام والخاص. لا شك أن تأثير الذكاء الاصطناعي، اذا طبقناه جيدا، سيكون كبيرا وعميقا ويمتد الى سنوات مستقبلية عديدة.
الذكاء الاصطناعي هو وسيلة من الوسائل الممتازة التي تستعمل اليوم أكثر فأكثر لاتخاذ القرارات. تأجيل استعماله أو تجاهله يؤخر مجتمعاتنا الغارقة أصلا في مشاكل وتحديات تؤخرها كثيرا عن قطار التطور السريع. انتشار الكورونا سرعت استعمال الذكاء الاصطناعي لفهم ما يحصل ولمعالجة المشاكل. فهم تطور الكورونا وانتقالها داخل وبين المجتمعات ارتكز على الاحصائيات كما على النماذج الاحصائية العالمية المتطورة التي تفسر سرعة الانتشار. الذكاء الاصطناعي هو جسر واسع يصل التكنولوجيا بالاقتصاد لزيادة فعالية القرارات التي تتخذ. هنالك دائما تكلفة أمام استعمال كافة التكنولوجيات في الاقتصاد، أي العلاقة السلبية مثلا بين السرعة والدقة، أو بين الاستقلالية والسيطرة والرقابة أو خاصة بين البيانات الكاملة والخصوصية أي خصوصية الأفراد والشركات.
في لبنان مثلا وفي معظم الدول العربية اتكلنا على ذكائنا الطبيعي فقط كمواطنين ومسؤولين لادارة مؤسساتنا، وها هي النتائج السلبية تظهر بوضوح في معظم القطاعات. لذا لا بد من ادخال تقنيات جديدة تسمح بتحسين الاداء. في بعض الدول الخليجية، يتم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لمحاربة الفساد والاقتصاد الأسود. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات والمعلومات، وبالتالي يكشف ما يحصل في الاقتصاد غير الشرعي. الذكاء الطبيعي يعطي الكثير لكنه لم يعد يكفي اليوم في عالمنا المترابط والمعقد.
يهدف الاقتصاديون الى استعمال كل المعلومات والوسائل المتاحة للوصول الى النتائج الفضلى أي تحسين أوضاع المجتمعات. يتكل الاقتصاديون على معايير بسيطة ضمن أطر متفق عليها بين الجميع أي مثلا قانون العرض والطلب، الندرة والمنافسة، وسائل الانتاج والاستهلاك، الأسعار والتكلفة. تفعيل هذه المعايير يحتاج الى اعتماد تكنولوجيات قوية أي خاصة اليوم الذكاء الاصطناعي. القوانين الاقتصادية لن تتغير وتستمر منذ قرون، لكن الوسائل الجديدة للتفعيل ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
شركات عالمية عديدة كـ»أمازون» نجحت في تخفيض تكلفة عملها عندما استعملت الذكاء الاصطناعي أي استفادت من بيانات الماضي لتنبؤ المستقبل أي حسنت التوقعات. غيرت طريقة عملها لأنها أصبحت تتوقع تصرفات عملائها وبالتالي ترضي الطلب حتى قبل أن يأتي. حولت أمازون نظام عملها فأصبحت تسوق مباشرة أي ترسل السلعة الى المستهلك حتى قبل أي يعلن عن رغباته. تعرف المستهلك جيدا من تجارب الماضي وبالتالي تعلم ماذا يريد. الأخطاء دائما ممكنة لكنها مدروسة جدا ولا تؤثر على ربحية الشركة ونوعية خدماتها. تغيرت طريقة عملها بل تحولت من شركة تقليدية الى أخرى رائدة. فالذكاء الاصطناعي حول الشركات ومن المتوقع أن يحول المجتمعات تبعا للحاجات والأفضليات والفرص كما تبعا للعقليات التي تدير الشركات والدول.
يسمح الذكاء الاصطناعي بتطوير التنبؤات وبالتالي يؤثر على التصرفات والقرارات وهذا في غاية الأهمية. المعروف ان الاحصائيات هي مهمة للعمل في القطاعين العام والخاص، لكن الأهم أن تكون صحيحة كي تكون القرارات صائبة وفاعلة. يقوم الذكاء الاصطناعي بتحقيق التجارب العلمية والعملية معتمدا على الاحصائيات. لذا تحسين التوقعات هي عملية معقدة لأنها تعتمد على وجود بيانات صحيحة ودورية وعلى حواسب وبرامج علمية تستفيد من الاثنين لتحسين الاداء وتطوير النتائج. انتاج البيانات الكاملة والصحيحة أصبح أسهل اليوم وأقل تكلفة بسبب الوعي لأهمية الأرقام كما بسبب تطوير المحاسبة وتقنياتها. العقلية كانت تخفي المعلومات في السابق، أما اليوم فتغير الواقع في معظم المجتمعات. هنالك من يسمي البيانات الكاملة الصحيحة «النفط الجديد» لأهميتها في تحسين الانتاج وتحقيق النمو والتطور. تكلفة التنبؤ تدنت جدا في السنوات الأخيرة بسبب وجود البيانات والحواسب الدقيقة والسريعة والمنتجة.
انتشار الذكاء الاصطناعي في كل الاقتصادات يضعها أمام تحديات ثلاث مهمة جدا. أولا أيهما أهم زيادة الانتاجية أو العدالة في المجتمع؟ استعمال الذكاء الاصطناعي يحسن مجمل الأوضاع، لكنه لا شك يصب أكثر في صالح العالمين بالتكنولوجيا والعلوم والحواسب وبالتالي يوسع الشرخ المعيشي الداخلي. ثانيا هنالك المفاضلة بين التجدد والمنافسة بحيث يقوي الذكاء الاصطناعي أقلية من الشركات الرائدة كما يحصل مع «فايسبوك» و»امازون» وغيرهما وبالتالي يؤثر سلبا على المنافسة القطاعية. هنالك اليوم أقلية قوية وأكثرية ضعيفة في قطاع الأعمال. أما ثالثا، فانتشار الذكاء الاصطناعي ونجاحه يعتمد على توافر معلومات واحصائيات وبيانات عن كل شيء وبالتالي تتأثر الخصوصيات سلبا أي المعلومات التي من المفترض أن تبقى داخلية أو غير معلنة أمام الرأي العام.
للذكاء الاصطناعي تأثيرات كبرى على انتاجية الاقتصادات وبالتالي على التنمية والنمو. لا بد من معالجة المساوئ التي ذكرنا والتي هي ليست قليلة أو بسيطة. تعالج عبر القوانين بحيث لا تتأثر الديموقراطيات والحريات سلبا بسبب استفادة أقليات من هذا التطور التكنولوجي الكبير.