بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 كانون الأول 2022 12:28ص نهاية كذبة الإصلاح والتغيير

حجم الخط
شكلت مقررات جلسة مجلس الوزراء الاخيرة انتصاراً للمواد الدستورية التي تكرس مبدأ عدم جواز حصول فراغ في السلطة عند حصول شغور في موقع رئاسة الجمهورية، والتي اجازت للحكومة سواء كانت كاملة الصلاحيات بحيازتها على ثقة المجلس النيابي، وكانت مستقيلة وفي وضع تصريف الاعمال بمعناه الضيق، مع اجازة الدستور لها بعقد جلسات لمجلس الوزراء لاتخاذ قرارات لمعالجة الامور الهامة والطارئة. ويعود الفضل في تجاوز العقبات والحواجز التي نصبها التيار الوطني الحر والرئيس السابق ميشال عون من أجل منع انعقاد الجلسة الطارئة بحجة انها فاقدة الميثاقية، الى مدى وعي الوزراء الذين أمّنوا نصاب الثلثين للجلسة، وهو النصاب اللازم لجلسة قانونية وفق نصوص الدستور والنظام الداخلي لمجلس الوزراء.
لا بد ايضاً من التنويه بالمقاربة الحكيمة والهادئة التي اعتمدها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في دعوته لمجلس الوزراء للاجتماع وفي تأمين النصاب اللازم لجلسة قانونية، وخفض عدد البنود المطروحة على جدول الاعمال، مع ابداء الحرص الكامل على التمسك باقرار البنود الى تعالج المسائل الطبية والانسانية والمعيشية وخصوصاً ما يعود لتأمين الاحتياجات الطبية والادوية للامراض المستعصية وامراض السرطان، بالاضافة الى ما يعود لتأمين التعويضات اللازمة لافراد القوى العسكرية والامنية.
نجح رئيس حكومة تصريف الاعمال في هذا الامتحان العسير لعقد اول جلسة طارئة للحكومة منذ سريان فترة تسليمها لسلطات رئاسة الجمهورية منذ ان عجز مجلس النواب عن انتخاب خلف للرئيس عون بعد انتهاء عهده في آخر شهر تشرين اول الماضي، وذلك بالرغم من حملات التصعيد التي قام بها عون وتياره السياسي، وبالرغم من انضمام القوات اللبنانية لمعارضة اجتماع جلسة مجلس الوزراء. وكان اللافت في الامر انضمام وزير الصناعة جورج بوكشيان (المحسوب على حزب الطاشناق) الى الجلسة، والذي شكّل دعماً ثميناً لميقاتي، مكّنه من الحصول على انتصار حاسم على التيار ورئيسه، ومعه رئيس الجمهورية السابق.
يبدو من خلال المواقف التي عبّر عنها الرئيس ميقاتي بأن هذه الجلسة لن تكون الاولى والأخيرة، بل هناك نية واضحة وقرار حاسم لعقد جلسات لاحقة لمجلس الوزراء، وفقاً لاحوال الضرورة الطارئة، والى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ان مصالح الدولة العليا، ومعالجة الامور الطارئة للناس تفترض ان يعي الوزراء مسؤولياتهم الوظيفية في خدمة الشعب ومعالجة الملفات الهامة للمواطنين وصحتهم، واحتياجاتهم المعيشية الملحّة. كان الرئيس ميقاتي واضحاً في التعبير عن المه من محاولات التيار ورئيسه جبران باسيل لتعطيل جلسة مجلس الوزراء انطلاقاً من اعتبارات سياسية وطائفية ومذهبية حقيقية، مؤكداً على عدم رغبته في الحلول مكان رئيس الجمهورية، وعلى ضرورة المبادرة لانتخاب رئيس في اول فرصة ممكنة، داعياً نواب التيار وحلفاءه الى الاقلاع عن تهريب نصاب الجلسات النيابية.
في مراجعة سريعة للقرارات التي اتخذت في جلسة مجلس الوزراء يمكن تلمس الضرورات التي حدت بالرئيس ميقاتي للدعوة على عقد الجلسة، وابرزها: مشروع مرسوم لتوزيع الاعتمادات المخصصة للمعالجة في المؤسسات الطبية العامة والخاصة على نفقة وزارة الصحة، والطلبيات الخاصة لسداد 35 مليون دولار شهرياً لشراء ادوية الامراض المستعصية والمزمنة والسرطانية بالاضافة الى مواد اولية لصناعة الادوية محلياً، والموافقة على قرض دولي يأتي بمثابة هبة للدولة اللبنانية.
جاءت معارضة التيار الوطني الحر والرئيس السابق عون لانعقاد مجلس الوزراء بالرغم من الضرورات الملحة المذكورة اعلاه لتؤكد على نيتهم للاستمرار في سلوكية تعطيل مسار الدولة، والتي درجوا عليها منذ عام 1989 من خلال رفضهم لاتفاق الطائف، والذي كان الهدف منه انهاء الحرب الاهلية ووضع دستور جديد لاعادة بناء الدولة وتجديد العقد السياسي بين شرائح المجتمع اللبناني، بالاضافة الى اعلان حالة العصيان للسلطة، وعدم تسليم مقاليدها لرئيس جمهورية منتخب وفق الاصول الدستورية.
يبدو بوضوح بأن حالة الانكار والرفض قد استمرت بعد عودة العماد عون الى لبنان، والتي ادت الى توقيعه لاتفاقية مار مخايل مع حزب الله والتي فتحت الطريق لاتفاق «الدوحة» لتكريس اعراف جديدة في تكوين وممارسة السلطة في محاولات واضحة وجادة لنسف كل القواعد التي ارساها اتفاق الطائف، وبما يساعد حزب الله على اقامة دويلة انتهاك السيادة الوطنية، وتكريس مبدأ تمكين الدويلة على الدولة من خلال اعتماد ثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة. ادت هذه الثلاثية وما تبعها من تدخلات حزب الله في الازمات العربية، خدمة لمصالح ايران وهيمنتها على اربع دول عربية، الى عزل لبنان عربياً وخليجياً، وهذا ما فتح الباب على مصراعيه، لانهيار الدولة وافلاس النظام المصرفي اللبناني، وتعطيل كل مؤسسات الدولة الرئيسية.
منذ عودة العماد عون الى لبنان في عام 2005 اعتمد التيار خطاباً عالياً للمطالبة بالاصلاح والتغيير، وقد تبين مع الزمن بأنه يتكون من مجموعة من الشعارات الفارغة، وبأنها شعارات شعبوية كان الهدف منها وما زال شد العصب المسيحي لدعم التيار في وجه المكونات المسيحية الاخرى من جهة، ولنسف اتفاق الطائف من جهة ثانية، مع استهداف خاص لدور الطائفة السنية من خلال تخريب التوازنات الجديدة التي ارساها اتفاق الطائف من خلال اعادة توزيع السلطات والصلاحيات بين مختلف المؤسسات الدستورية. واذا كان التيار قد حرص على احترام بنود اتفاقية مار مخايل لتكريس دعم حزب الله المعلن لانتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فإنه قد سارع لتخريب التسويتين اللتين عقدهما مع تيار المستقبل ومع القوات اللبنانية. ولم تكن جهوده في عملية التخريب المزدوج مخفية، بل ذهب اليها جهاراً من خلال الغدر بسعد الحريري كرئيس للحكومة من خلال اعلان استقالة وزراء التيار وحلفائه من الرابية عندما كان الحريري مجتمعاً بالرئيس باراك اوباما في البيت الابيض. وجاءت هذه الاستقالة بمثابة وصمة عار للدولة اللبنانية، واذلال وتنكر لرموز القيادة الشعبية، بالاضافة الى كونها بمثابة تنكّر للاصول والتوازنات التي ارساها الطائف.
السؤال المطروح الآن وبإلحاح على العماد عون وصهره جبران باسيل: هل يدركان بأن نجاح الرئيس ميقاتي في عقد الجلسة الاخيرة، وما صدر من مواقف داعمة له من ثلثي مجلس الوزراء وخصوصاً من وزراء حزب الله يظهر مدى رفض كل القوى السياسية لسلوكية الانكار والتعطيل التي اعتمدها خلال ست سنوات كاملة من عهد ميشال عون، والتي ادت الى تعميم حالة الفساد وهدر المال العام على مشاريع الطاقة وبناء السدود، والتي كان الهدف منها اجازة السرقات والهدر للمال العام.
تظهر مواقف وزراء الثنائي الشيعي من محاولات باسيل وعون لتعطيل جلسة مجلس الوزراء الاخيرة مدى الضيق والادانة التي يشعر بها هؤلاء الوزراء، وهي رسالة واضحة لباسيل من القوى التي ينتسب اليها هؤلاء الوزراء بأنهم باتوا يضيقون ذرعاً من مطامع باسيل بالسلطة، ومن مدى قصر الرؤية السياسية لدى العماد عون، ومحاولاته الفاشلة للاستمرار في تسويق صهره لرئاسة الجمهورية.
كان على العماد عون ان يدرك ان الاخطاء التي ارتكبها مع صهره باتت لا تغتفر على المستوى المسيحي والسني والشيعي والدرزي، كما انها لا يمكن ان تكون مقبولة عربياً ودولياً، وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة بعد اتهامها باسيل بالفساد.
بات المطلوب وبالحاح من عون وباسيل وقف الاتجار بمصالح المسيحيين وبتخريب ما تبقى من نوايا وارادة لدى من تبقى من رجالات في الدولة وتحريرهم من كل قيود «كذبة الاصلاح والتغيير» التي ادَّعوها خلال فترة ربع قرن من الزمن.