بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 حزيران 2022 07:07ص هل تُعطِّل طهران تسوية هوكشتاين؟

حجم الخط
وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت اليوم، بناءً لدعوة من الجانب اللبناني، يضع أزمة المنطقة البحرية المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي على محك الإنفراج البارد، أو يدفع بها نحو الإنفجار الساخن.
لم يعد مقبولاً أن يمضي الجانب الإسرائيلي في خطوات إستخراج الغاز والنفط من الحدود البحرية اللبنانية، وأهل الحكم في لبنان على ما هم فيه من خلافات ومزايدات حول تحديد منطلقات التفاوض بين الخطين ٢٩ و٢٣ ، وإستفحال حالة الضياع في مواقع القرار بالنسبة للخطوات الواجب إتخاذها، ليس فقط للحفاظ على حقوق لبنان كاملة في ثروته النفطية وحسب، بل وفي تأكيد إمكانية الحصول على ما يمكن الحصول عليه بعد الإصرار الإسرائيلي على بدء التنقيب وإستخراج الغاز والنفط من كاريش والمنطقة المحيطة به ، قبل التوصل إلى إتفاق مع الجانب اللبناني على ترسيم الحدود البحرية في منطقة النزاع الحالي.
من نافلة القول أن المفاوض اللبناني أسير ضغوط ومواقف وإعتبارات لا تخدم المصلحة اللبنانية، بل على العكس تماماً، تمنح العدو الإسرائيلي عناصر قوة، بقدر ما هي تشكل أسباب ضعف للبنان في المفاوضات الفاصلة التي سيتقرر على نتائجها حجم الحصص لكلا الجانبين، وبالتالي مقدار خسارة لبنان من حقوقه في ثروته الطبيعية.
أولى تلك العوامل التي لا تخدم المفاوض اللبناني، أن الراعي الأميركي للمفاوضات غير المباشرة، لا يلعب دور الوسيط النزيه. إلى جانب الموقف الأميركي التقليدي في إعطاء المصالح الإسرائيلية الأولوية المطلقة في السياسات الخارجية والدفاعية والإقتصادية، فإن المسؤول الأميركي نفسه آموس هوكشتاين هو مواطن إسرائيلي، خدم في جيش بلاده، قبل أن يذهب إلى الولايات المتحدة للدراسة، ثم الإنخراط في إدارة الطاقة الخارجية. وسبق لهوكشتاين أن مارس ضغوطاً كبيرة على الحكومة اللبنانية عندما رفض المجيء إلى لبنان لتسلم الرد اللبناني على مقترحاته المنحازة للجانب الإسرائيلي، لأنها لم تتضمن الموافقة على الخط المتعرج الذي رسمه تحت الماء، وفي أسفل منطقة الخط ٢٣، لإعطاء لبنان حصة محدودة من البئر الموجود في منطقة خط قانا. ويبدو أن لبنان الرسمي بصدد الموافقة على هذه المقترحات في فترة الضياع والترنح السياسي والإقتصادي الذي يعيشه البلد في الأشهر الأخيرة من العهد العوني.
واللافت أن مسألة حسم النزاع البحري بين بيروت وتل أبيب بهذه السرعة الأميركية، قد تحوّلت إلى إحدى الأوراق الخارجية التي تسعى إدارة الرئيس بايدن الديموقراطية الى إستخدامها في الإنتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل، بعد الخسائر الشعبية المتتالية التي منيت بها الإدارة الحالية، نتيجة الإخفاقات في السياسات الداخلية، ومضاعفات الحرب الأوكرانية على زيادة التضخم بمعدلات كبيرة، وإرتفاع أسعار الطاقة بنسب عالية. وليس خافياً رهان حزب الديموقراطيين الدائم على إستمالة تأييد اللوبي الصهيوني في المواسم الإنتخابية.
وليس بعيداً عن هذه الخلفية، يمكن إدراج الدعوة الأميركية العاجلة لمدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم إلى واشنطن للبحث في إمكانية المساهمة في معرفة مصير الرهائن الأميركيين في سوريا وإيران، وعودة من يمكن إطلاق سراحه منهم قبل مواعيد إنتخابات الكونغرس في تشرين المقبل.
ولكن.. كيف سيواجه لبنان الإصرار الإسرائيلي المدعوم أميركياً، على المضي قدماً في مخططاته النفطية بمعزل عن التوقف أو التعثر الحالي في مفاوضات ترسيم الحدود مع الجانب اللبناني؟
من المحزن القول أن الدولة اللبنانية تمر في أضعف مراحلها البنيوية والسيادية، ويأتي الإنقسام بين أهل الحكم حول الملفات الحساسة، وفي مقدمتها ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، ليزيد الأمور تعقيداً، ويُراكم الوهن على الوهن، ويُعرّض المصالح الوطنية الإستراتيجية لأخطار فادحة ومُكلفة على مدى الأجيال القادمة.
كان من المفترض أن يكون إجتماع بعبدا يوم السبت الماضي ثلاثياً بحضور رؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء، ويصدر عنه موقف واضح وموحد عشية وصول الراعي الأميركي هوكشتاين، ولكن غياب الرئيس نبيه بري أوحى وكأن لا إتفاق بين أركان الدولة على موقف واحد من هذه القضية الوطنية الإستراتيجية.
يُضاف إلى ذلك أن الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله خرج عن مواقف الحزب المعلنة بالوقوف خلف الدولة فيما تقرره بالنسبة لترسيم الحدود والخيار بين الخط ٢٣ والأبعد ٢٩، والمساهمة في كل ما من شأنه المساعدة على خروج لبنان من أزماته الراهنة، مما طرح أكثر من علامة إستفهام حول أبعاد التغيّر المفاجىء في موقف الحزب.
هل تنجح مهمة هوكشتاين بمعزل عن كل الملفات المتعثرة في المنطقة، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني، حيث أن طهران قادرة على التعطيل من خلال مواقف حزب الله؟
هل يتمسك الثنائي عون ــ ميقاتي بموافقتهما على الخط ٢٣ والمقترحات الأميركية تحت الماء، سعياً للحفاظ على دورهما في الإستحقاقات الداهمة، من الحكومة العتيدة إلى الإنتخابات الرئاسية؟
وأين أصوات أحزاب المعارضة ونواب التغيير مما يجري، وهل تكفي تظاهرة على شاطئ الناقورة لتغيير مسار المفاوضات؟
إنها تساؤلات وتحديات لا تواجه المفاوض اللبناني وحسب، بل تعني كل لبناني مازال يحلم ببناء دولة وببقاء وطن.